الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


غسان أبو المولدة

جعفر المظفر

2015 / 12 / 22
مواضيع وابحاث سياسية


غسان أبو المولدة
جعفر المظفر
كنت أتوقع أن تشمل قرارات مؤتمر البيئة العالمي الذي إنعقد مؤخرا في باريس قرار إدانة لكل مؤسسة أو دولة تسعى لإستعمال المولدات الكهربائية الخاصة كبديل عن منظومة الكهرباء الإعتيادية التي نسميها الكهرباء الوطنية, ويوم تركت لمخيلتي رسم صورة لمندوب الشعب العراقي الذي كان وراء ذلك الإقتراح أظنني لم أتعبها كثيرا حينما تركت لفرشاتي ان تنقل على الورق ملامح صورة لشاعر عراقي متميز هو الدكتور سعد الصالحي,الرجل الذي يعود له فضل الترميز للحالة العراقية الراهنة من خلال تجسيدها يوميا على صفحة تواصله الإجتماعي بكتابات تعبر عن صلة الرمز الذي إخترعه, غسان ابو المولدة, مع المأساة العراقية التي أراها لا تتوقف إلا لغرض أن تستجمع قواها لكي تبدأ من جديد.
على باب القاعة التي إنعقد فيها المؤتمر تخيلت (غسان ابو المولدة) وهو يحمل لافتة تندد بدعوة الشاعرمؤكدا على أن المولدة وما يدخل فيها وما يخرج منها هي أحد أفضل الإنجازات التي حققتها حملة (تحرير العراق) تلك التي بشر بها وزير خارجية أمريكا (بيكر) في إجتماع جنيف مع طارق عزيز يوم وعد بإعادة العراق إلى عصر الكهوف.
لكن الحجة التي يستند عليها الشاعر بشأن الأضرار التي يلحقها غسان ابو المولدة بالبيئة العراقية هي حجة قوية, إذ هو لا يقف امام علاقتها بالصحة الجسدية وإنما هو كما أحسبه يتجاوز ذلك إلى جعلها رمزا للتلوث الذي تعرضت له البيئة السياسية والأخلاقية والإجتماعية والثقافية بشكل عام.
ونعرف أن قضية الرمز وإستخداماته التعبيرية غالبا ما تبرز في أدب الكثير من القصصين والفنانين والشعراء, وهي عملية ليست بالسهلة ابدا لأنها تدلل على قدرة خالق الرمز على إبداع يتلخص في براعة تجميعه لصور الحالة الخاضعة للنقد في هيئة واحدة .
السياب يعرف الرمز بأنه طاقة إلهامية تهبط على الشاعر عندما يفتقد الألفاظ, هو إشارة حسية أو حادثة أو كلمة ما إلى شيء عقلي أو باطني يختاره الشاعر كي يؤثر في نفس المتلقي. ولعل أهم ما يسعى إليه الأديب من خلال قضية الترميز هو طلب التداعي الحر للمعاني و السعي لتكثيف الصورة بكلمات قليلة. أما أدونيس فيعرفه بأنه «اللغة التي تبدأ حين تنتهي لغة القصيدة أو هي القصيدة التي تتكون في وعيك بعد قراءة القصيدة، انه البرق الذي يتيح للوعي أن يستشف عالما لا حدود له.
قضية الترميز في الفن تذكرني باحد عمالقة الكاريكتير العربي ألا وهو الرسام الفلسطيني الشهيد ناجي العلي الذي إغتاله مجهول في لندن عام 1987 الذي كان صاحب إختراع الشخصية الكاريكتيرية الرمزية الأبرز عربيا (حنظلة) صورة للفلسطيني المعذب الذي أدار ظهره في سنوات ما بعد 1973م وعقد يديه خلف ظهره، وهو ظَهْرٌ قرأنا عليه بعد ذلك صور الأحداث الماساوية التي واجهت وطننا العربي بعد إنتهاء آخر الحروب النظامية مع إسرائيل التي أذنت ببدء حروب الداخل الطائفية.
وبينما يبدو (حنظلة العلي) تعبيرا عن اليأس الذي إنتاب الرسام الشهير من الأوضاع العربية فإن (غسان أبو المولدة) الذي رسمه شاعرنا الصالحي يعبر عن مرحلة مركبة من التلوث الذي أنجبته مرحلة ما بعد الإحتلال.. هناك أولا التلوث السياسي الذي أنجب هذه الظاهرة والذي يعبر عن نفسه من خلال تصدر مجموعة السياسيين الذين نهبوا البلد وحولوه إلى أرض خراب وهناك أيضا التلوث الإجتماعي الذي انجبه النظام الطائفي العرقي الذي إتقن جيدا فن تقطيع أوصال المجتمع العراقي بسكين الصراعات الطائفية والقومية وهناك أيضا التلوث الأخلاقي الذي جعل الأمانة والنزاهة قيما من الماضي, أما التلوث الثقافي فنراه واضحا من خلال هيمنة ثقافات ريفية وصحراوية وجاهلية متخلفة على ثقافة المدينة والتحضر.
إن غسان أبو المولدة كما أقرأه من خلال كتابات الصالحي هو رمز للتلوث التي يتعدى هيئته البيئوية التقليدية لكي يجسد مجموعة التلوثات العراقية التي اتى بها الإحتلال والنظام السياسي الذي اعقبه








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مصدر عسكري: إسرائيل تستعد لتوسيع العملية البرية جنوب لبنان


.. لماذا يحتكر حزبان فقط السلطة في أمريكا؟




.. غارة على الضاحية الجنوبية لبيروت والجيش الإسرائيلي يطلب إخلا


.. معلومات جديدة عن استهداف إسرائيل لهاشم صفي الدين




.. الحرب على لبنان | لقاء مع محمد على الحسيني