الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عيون الملاك

مرعي ابازيد

2005 / 11 / 6
الادب والفن


صحوت من شرودي الذهني بينما كنت أسير في الطريق فشاهدت عيني ملاك ، زرقاوين عميقتين كمياه المحيط ! مرحتين ، أفضل عينان في العالم ! فيهما لمعان مَرِح .
جف فمي فتنفست الهواء البارد بتعطش ، إنها جالسة خلف النافذة الدافئة وبيدها قلم رصاص تحركه على أنغام لحن موسيقي ، قرع إيقاع طبل فَنَظَرَتْ إلى الثلوج المتراكمة خلف النافذة مطلقة ابتسامة جميلة .
مَسَكْتُ ياقة قميصي بيد ودفعت الباب باليد الأخرى ودخلت فاقتحم المكان معي تيار هواء بارد ، التفت الزوار الجالسون في الداخل إلي بامتعاض بينما هي أوقفت تحريك قلم الرصاص للحظة ونَظَرَتْ باتجاهي .
يا إلهي، كم بذلت من الجهد كي تخلق هذا الإنسان الرقيق ! إنها رائعة، مبدعة، انحناءة يديها وأصابعها الرقيقة وحركة جسدها حواجب عينيها نظرتها وجهها ! إنها كاملة، يا أبي !
منذ سنين وأنا أمر من أمام هذا المقهى، منذ سنين وأنا أرتاد هذا المكان أحتسي " الفودكا " أسمع الموسيقى الكلاسيكية وأقرأ الصحيفة اليومية، كم من الكؤوس في هذا المقهى تذكر لمسات أصابع يدي، دائما كنت أجلس في المقهى وحيداً ثملاً وأعود إلى البيت وحيداً مطلقاً ترنيمة موسيقية من أنفي. كم عام كان هذا المكان مملاً خالياً رطباً وكئيباً، أحياناً أكرهه ولا أستطيع النظر إليه وأحياناً كنت أحبه وأحن إليه، لكن الآن أفكِّر يا إلهي بأنَّك أحطته بعنايتك الإلهية .
إنها رائعة..... بكل بساطة إنها رائعة.
لقد عشت ألف عام وحيداً أزرع الصبار والأشواك وأزرع شخصية خاصة داخل قطتي . يعجبني أن أستفيق وحيداً وأن أذهب إلى المطبخ لغلي فنجان قهوة بدون سكر.
لقد أحببت آلاف الأشياء الصغيرة في حياتي: الاسطوانات القديمة والصور الطلابية الجرس الصيني والمرور أمام السيرك بالقرب من ساحة المدينة . لقد تعودت أن أعيش وحيداً وأحياناً كنت أشرب وأحيانا أشتري الكتب الغالية. كنت أحب النوم والتجول في الحديقة الكبيرة وحيداً، وأن أفعل كل شيء وحيداً.
يا إلهي إنك تعرف.... كنت أظن أن كل شيء يجب أن يكون هكذا في حياتي مزعج ببطء معتاد. فلماذا إذاً أرسلت لي ملاكاً يا إلهي ؟
ابتلعت أنفاسي وجلست على الكرسي المجاور، أومأ النادل برأسه باتجاه " البار " فأشرت له بالنفي " لا " لا تجلب لي " الفودكا " الآن. إنني مسحور كطفل ساذج ، وضعت يدي تحت أسفل ذقني متكأً عليها.
إنها تشرب العصير بينما تحرك القلم حركات لطيفة رائعة، نظرت إلي مرة أخرى وعدلت السماعات على أذنيها وابتسمت بحرية وارتياح، هكذا بشكل طبيعي وبدون تصنُّع فظهرت على خديها حفرتين ولمع ضوء في زوايا عينيها.
...... نظرت إليها بصمت.....
لقد كان باستطاعتي أن أحب هذه المرأة وإهدائها باقة ورد جميلة كل يوم أو كتابة قصيدة شعر لها، أن أتنزه معها على الثلج الرطب ممسكاً بيدها، كان باستطاعتي إهداءها السماء والشمس والصباح وكان باستطاعتنا بناء منزلا وأن ننجب أطفالاً، وكان باستطاعتنا أن نبقى في الفراش طويلاً في عطلة نهاية الأسبوع ومشاهدة أفلام السينما في المساء. قد أجلب لها أشياء صغيرة مختلفة وأطعمها شوكولاته بيدي، كنت حفظت عن ظهر قلب كل شامات جسدها.
لقد كان باستطاعتي أن أحب هذه المرأة يا إلهي.
أنهى القلم رقصته المرحة فَخَلَعَتْ السماعات عن أذنيها ونهضت عن الكرسي وسارت باتجاهي، يا إلهي إنها ممشوقة القد لطيفة ومحببة، اقتربت مني وقدمت لي لوحة فنية وقالت لي: كل عام وأنت بخير يا..... !
لقد مَسَكْتُ بيدي صورتي بكل تفاصيلها " بورتريت "، سمعتها وهي تتحدث عن الثلج بلطف ورومانسية وعن الأصدقاء وعن أشياء أخرى، يا إلهي كم هذا جميل ! إنها تعرفني.
لقد نَظَرْتُ إليها ومَسَكْتُ رؤوس أصابعها وراحة يدها، اجتاحتني نشوة من السعادة لم أشعر بها من قبل. لأول مرة منذ سنين شعرت بهذا الفرح والسعادة. كانت تتكلم بينما الشمس تخترق بأشعتها النوافذ لتضيء حول رأسها آلاف الخيوط الشعاعية مشكِّلة إضاءة مقدسة.

1988








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فيلم السرب للسقا يقترب من حصد 28 مليون جنيه بعد أسبوعين عرض


.. الفنانة مشيرة إسماعيل: شكرا للشركة المتحدة على الحفاوة بعادل




.. كل يوم - رمز للثقافة المصرية ومؤثر في كل بيت عربي.. خالد أبو


.. كل يوم - الفنانة إلهام شاهين : مفيش نجم في تاريخ مصر حقق هذا




.. كل يوم - الفنانة إلهام شاهين : أول مشهد في حياتي الفنية كان