الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الصوت والصدى

صفوت فوزى

2015 / 12 / 26
الادب والفن


أنفاس البلدة تأتى الى زاخرة بصخب وبهجة . الأضواء المبهرة ، اللغط والتصايح ونداءات الباعة الجوالين تتجاوب وتترامى . الناس تحت سماء الليل أمواج تروح وتجيئ . تدور فى الساحة الممتدة وسط السرادقات والخيام المنصوبة ، مغروزة أوتادها فى الأرض . ريح طيبة تهب على الوجوه فتبترد . قررررب . قرب . قرب . بتسعة مليم التذكرة والمفلس يرجع ورا . قررررب . الساحر الهندى العجيب .الراقصة اللولبية . الشيكا بيكا . البقرة العجيبة . الصعيدى والبحيرى . العرض هايبدأ حالا . قررررب .
شاطئ " الحلوة " ممتلئ عن آخره بخيام الزوار المرابطين منذ بدء الصيام . لاعبو الثلاث ورقات . المراجيح . بائعو الطراطير الملونة الزاهية . دقاقو الوشم والصلبان بماكيناتهم الزنانة . أكوام الحمص الأصفر وأقراص السمسمية والحمصية والفولية . ألف وأدور بين وجوه مستبشرة راضية . يقتنصون لحظات من الفرحة تبقى ذبالتها معهم حين يؤوبون الى مضاجعهم . يجترونها فى أماسيهم الطويلة .
أنحرف يسارا الى الممشى الضيق ، يحتشد على جانبيه بائعو الصور والأيقونات . المنشد الضرير الضاوى الجسم يتلو ألحانه القبطية العتيقة على ايقاعات الدف . فى الفناء الوسيع يفترش الكثيرون الأرض فيما يتهادى همس الصلوات والاستغاثات غير المستبينة . صدح التراتيل وسط الضجيج تحمله الريح ، تدور به على الزائرين والعابرين فى الطرقات .
على ذراعها اليسرى تحمله ، فيما انتصبت يدها اليمنى مفرودة الكف والأصابع تردد خلف الكاهن : أجحدك أيها الشيطان .
أمام " جرن المعمودية " المملوء بالماء ، خلعوا ملابسه . عاريا كما ولدته أمه يضرب الهواء بيديه الصغيرتين صارخا .
ثلاث مرات غطسه الكاهن فى الماء . رفس بيديه وقدميه الصغيرتين بطن الماء .تعالت صرخاته والماء يقطر من الجسد العارى . تمتم الكاهن بأدعيته .
غريق . غريق . شقت الصرخة الجموع المحتشدة كسهم نافذ مفاجئ اخترق الأحشاء واندفن عميقا فيها . تلقى بالروع فى الصفوف الكثيرة المتزاحمة . يعلو الصريخ ويضطرب . دبت امرأة على صدرها تقول : يا قلب أمك . كل سنة لها واحد أو اثنين فى المولد . الترعة المشئومة .
فى المرة الأولى – حين رفع يديه – ظنوه يحييهم . فى الثانية قالوا : يمثل . فى المرة الثالثة ، رعشة التحدى والاقدام تزوى وتتراخى . يشرق بالماء . يكاد يشده التيار الى الأعماق . كان التعب قد نال منه ، وذراعاه قد ثقلتا وأصبحتا عصيتين على الحركة . الأصوات تقرع أذنيه ثم تعود لها أصداء مكتومة تصل اليه من قرار جب سحيق . سقط فى هوة عميقة تتلقاه فى طيات مائها المدوم .
كان لم يزل يبكى . ألبسوه رداءه الأبيض . طافوا به أرجاء المكان مرتلين مهللين . ارتفعت الزغاريد وغمرت المكان رائحة بخور فيما كان الكاهن يتلو : أيتها الكنيسة المقدسة ، افرحى وتهللى ، ومدى يديك ، واقبلى من ولد ثانية من الماء والروح .
منتفخا مائلا للزرقة كان جسده . مسفوحا على الظهر ، شاخصا للسماء مفتوح العينين ، مستباحا للريح وأسماك النهر . صفير المزامير ودق الدفوف وترداد الألحان يتناهى من بعيد . الأمواج تتقلب بهدوء ، تترقرق عليها الأضواء .
●-;- ●-;- ●-;-
الحوارى الضيقة المتلوية على نفسها . الليل حالك ، محمل بالسر والهيبة . حيطان البيوت جهمة محاصرة مهددة ، والطريق لا يخلص ، لا ينتهى . أحسست بجانبى أنفاسا حارة . تلك العينان أعرفهما . عينان غزيرتا الطلة ، نافذتا النظرة ، يتقطر منهما ود سيال . عرفته . حضورا مجسما فى الصمت الرازح ، لكنه يروغ كظل منسحب . وكأننى رأيته فى الظلمة المطبقة . هو ، هو ، مافى ذلك شك . لكنه مات ، غرق . رأيته ورآه الكل طافيا على مياه " الحلوة " منتفخ الوجه ، نصف غارق فى الماء ، وجرفه التيار ناحية " سرياقوس " . أنينه الخفيض ، خاضعا ومتوجعا ، ساطع الوجه كان يعبر الحارة فى حلكة الليل .
أمضى مليئا بالخوف والتوجس . قشعريرة فرح تشملنى وأنا أطالع وليدى مقمطا فى رداء أبيض حيا ونابضا يضرب الهواء بقبضتيه الصغيرتين الطريتين ويبتسم فى وجهى .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. روبي ونجوم الغناء يتألقون في حفل افتتاح Boom Room اول مركز ت


.. تفاصيل اللحظات الحرجة للحالة الصحية للفنان جلال الزكى.. وتصر




.. فاق من الغيبوية.. تطورات الحالة الصحية للفنان جلال الزكي


.. شاهد: دار شوبارد تنظم حفل عشاء لنجوم مهرجان كان السينمائي




.. ربنا سترها.. إصابة المخرج ماندو العدل بـ-جلطة فى القلب-