الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نحو أُمّة عراقية سيّدة حُرّة أصيلة

حسين درويش العادلي

2003 / 1 / 19
اخر الاخبار, المقالات والبيانات



((2))
الذات العراقية .. بين خَيار الوحدة أو التشظي


 

   * الناظر للمشهد العراقي الحالي في عروضه وبرامجه ونُخبه المُنتِجة للفكر والفعل السياسي المُعارض يكاد يُصاب بالذهول والغثيان للولادات الأميبية والطروحات الجنينية التي تتكاثر على أرضية التشظي والإنقسام في الرؤى والغايات !! فالتكتلات القومية والإعلانات المذهبية والتجمعات العشائرية والتحزّبات المناطقية أخذت بالتعبير عن نفسها بوضوح بل راحت ترسم حدودها القيمية والنفوذية هنا وهناك على حساب وحدة الذات الوطنية العراقية في مرتسماتها ومدياتها الكلية !! وكأنه لا يكفي حجم الأطماع الخارجية التي تتصارع لتقسيم ( كعكة ) العراق سياسياً واقتصادياً وثقافياً .. بل باشرت نُخب وطلائع الخلاص العراقي لتتصارع بدورها على حصص ونِسَب هذه الكعكة باسم العِرق تارة وباسم الطائفة تارة وباسم الحزب والقبيلة والمدينة والعائلة تارة أخرى !! فعلى أرضية هذا التشظي نتخاطب ونتمحور ونُنتج !! بل وغدت حتى محافلنا السياسية تتحاصص النِّسَب وفق قواعد النفوذ الطائفي والقومي والعشائري والعائلي !! وبدل أن توحدنا كوارث التجربة الصّدامية وحجم التهديدات المحدقة ببلدنا بما يُعزز من كياننا العراقي وهو على أعتاب تحولات مصيرية قد تُلقي به في المجهول السياسي والحضاري ،.. وبدل أن نتسامح ونتقاسم الهم والجُهد والأمل لضمان غدٍ أفضل لأجيالنا ولوطننا .. رحنا نتخندق أحزاباً ونتصارع كُتلاً ونتشظى فكراً وسلوكاً وهدفا !!
   ويبدو أننا ما زلنا نعزف على ذات أوتارنا القديمة التي صاغت أكثر ألحاننا حُزناً ،.. إذ لم نستفد من تجارب نحر الذّات على مذبح الأنا العِرقية والطائفية والمناطقية !! فما زالت مقاصلنا تفعل فعلها في الإقصاء من ساحات الوطن لكل مَنْ يُخالفنا الولاء أو الإنتماء !! ودون أن ننهض على تنوع مشاربنا وألواننا وانتماءاتنا  لنُبادر لإنجاز وحدتنا الوطنية الحديثة بما يُحقق لها التميز والتناغم والوحدة ، وبما يقبر كوارث التشتت والتشظي من خلال تدعيم صيرورة أُمّتنا العراقية الجديدة على أساس خطابٍ ومشروعٍ وطني نهضوي حقيقي ينتزع كافة صواعق الفتن التي قد تفجّر الذّات العراقية من الداخل مرةً أُخرى . 

   * ما زالت عقولنا ونفوسنا تنساق بإنسيابيةٍ وراء ذاكرتها وتأريخها المنصرم لتُكرر ذات المشاهد وذات التجارب المُنتجة للكوراث ،.. والأغرب ؛ أنَّ البعض يطلب حقوقه من البعض وهم مادة الكُل الوطني !! الشيعي يطلب حقه من السُّني ، والكردي من العربي ، والتركماني من الكردي !! ويبدو أنَّ الذّات العراقية افتقدت بوصلة الإتجاه كذات وطنية كُلية لصالح ذوات ضيّقة قامت على أساس قيم وولاء وانتماء ومصالح وهوية العِرق أو الطائفة أو القبيلة أو الحزب أو النُخبة أو المدينة أو العائلة أو الفرد ، وبدل أن تكون المغذِّيات عامة وشاملة من وإلى وعلى أساس الأنا العراقية الكُلية .. أخذت المغذِّيات الخاصة هي العاملة والمُحدِدة في إنتاج الذات العامة وفي توجيه حركتها وصياغة تجاربها وإن تمسحت بالوطنية إلاّ أنها لا تعدو أن تكون صورة لغلبة الأنا الضيّقة على حساب الأنا العراقية ككل .

   * وهنا سنكتشف أنَّ المشكلة الأساس تمثلّت بالتعاطي مع الذّات العراقية الوطنية الجديدة من خلال منطق الأنا الفكرية أو الحزبية أو العشائرية أو الطائفية أو المناطقية أو العائلية أو الفردية في ظل غياب مطلق للنحن الوطنية كماهية حقيقية فاعلة ومنفعلة وناتجة عن الكُل العراقي بصدق !! فلم يكن للنحن من معنى مُحدد ، أي لم تأخذ النحن صيغتها الجوهرية في بناء الذّات العراقية الحديثة ، بل بقيت الأنا الضيّقة تعمل وتفعل وتُنتج باسم النحن زوراً ،.. فالدولة وهي مؤسسة الكُل الوطني بقيت في إطار الأنا العائلية أو الحزبية أو الطائفية ، وكذلك مؤسساتها في مفاصلها الهامة ، والحال ذاته لدى النُخب ومؤسسات المجتمع المتنوعة ، فهي متوزعة على أساس الأنا التقليدية .. وهنا فإنَّ صياغة الذّات الوطنية العامة صياغة حقيقية بنيوية هاضمة ومستوعبة ومُعبّرة عن كافة الخصوصيات الداخلة في تكوينها الذاتي العام لم تكن هماً ومشروعاً وثقافةً عراقية على المستوى الجوهري بل القشري القابل للتهشّم أمام أول احتكاك بالأنا الخاصة قوميةً كانت أو طائفيةً أو حزبية أو عائلية ..الخ ، والدليل ما تشهده ساحتنا من تغليب الأنا الضيّقة على حساب النّحن الوطنية الكلية في تموضعاتها السياسية والمجتمعية الحالية ،.. وما هذه الولادات الجنينية (( في الفكرة والبرنامج )) التي تشهدها الساحة العراقية اليوم على أساس تكتلٍ ديني وإعلانٍ مذهبي وتأطرٍ قومي وتحزّب مناطقي إلاّ دليلاً على ضعف وفشل ثقافة وحس وانتماء وحضور النّحن قبال الأنّا في أنظمتنا الوطنية .. فلا عجب إن كان سؤالنا الأول عن الإنتماء القومي أو الطائفي أو العشائري أو العائلي للشخص قبل السؤال عن فكره وبرنامجه واطروحته !! بل غدت حتى نُخبنا الحالمة بإقرار البديل الوطني على أساس النحن الوطنية العامة ، غدت تنظّم المؤتمرات وتٌقيم التحالفات على أساس الأنا الضيّقة في أبعادها القومية والطائفية وما إلى ذلك ،.. طبعاً واللافتة التي تختفي خلفها حالات الأنا الخاصة هذه هي الإضطهاد والتنكيل ومصادرة الحقوق .. وهو حق ، ولكن ؛ أن يتم بناء الذّات الوطنية والصيرورة العراقية مُجدداً على أساس تحاصص الأنا الضيّقة في بناء الدولة والتجربة القادمة هو ما سيقضي على رفعة ووحدة وسيادة هذه الذات مجدداً دونما أدنى ريب .. وهي محاولة تقزيمية وورائية أخرى للهوية العراقية ،.. فالثقافة والخطاب الكارثي السائد هو غلبة الأنا على النحن ، فالكُل يطلب حقه من الكُل ، والبعض يطلب حقه من الكُل ، والبعض يطلب حقه من البعض .. في حمى هستيرية لا تتورع عن توظيف كل الممكنات لخدمة هذه الأنا وهذا البعض بما فيها ممكنات التحالف والعلاقة مع دوائر القرار الإقليمي والعالمي  !!
   لقد أخذت كل طائفة وقومية ومدينة ترسم حدودها القيمية والنفوذية هنا وهناك على حساب الذات الوطنية العراقية ككل دون أن ينهض عقلاء العراق من كافة طوائفه وقومياته ليبادروا لإنجاز ذاتهم الوطنية الحديثة بما يُحقق لها التميز والتناغم والوحدة .

   * إنَّ أخطر ما في حمى الأنا الهستيرية الضيّقة هذه : أنها تؤسس لمعايير ضيقّة على حساب المعايير الوطنية الشاملة ، وعلى الرأي العام العراقي إدراك خطورتها الإستراتيجية على مناحي الحياة العراقية في كافة مناحيها ومفاصلها .
   وبكلمة نقول : إنَّ صناعة الوطن وفق معايير الطائفة والعِرق والقبيلة والعائلة والفرد .. إضافة إلى أنها تستهدف خلق ذوات ضيقّة ضمن ذات الوطنية الواحدة مما سيمزق هذه الذات ويسلب عنها مقومات القوة ،.. كذلك سيؤدي أيضاً إلى العزل السياسي والطائفي والعِرقي والثقافي المتبادل بين أبناء الوطن الواحد لأنه سيقود لخلق كانتونات متحصنة بمعاييرها الذاتية ، وهنا فإنَّ التنافس القائم على رقعة النفوذ ونوع المصالح والتعبير عن الذات ستولد الكراهية جرّاء إختلاف نمط المعايير والمصالح المُعتَمدة لدى كل طائفة وفرقة وما تختزنه من طروحات ورؤى ، وستنتج عن هذه الكراهية حالات التصادم لا محالة .
   لذلك نزعم : أنَّ من أشد صُنّاع الكراهية والتصادم المجتمعي القادم هم صُنّاع المعايير والتجارب الضيّقة ،.. إنهم يعملون بالتضاد مع الوحدة الوطنية التي يجب أن تُؤسس على معايير المواطنة المتكافئة والمتساوية ، ولعل في طليعة طوابير صُنّاع الكراهية والتصادم المجتمعي في بلدنا تأتي السلطة الحاكمة كأكبر قوة صانعة للكراهية والتصادم بين أبناء البلد الواحد وذلك من خلال برامجها القائمة على أساس المعايير الضيّقة كالطائفية والعِرقية والعائلية .. لضمان تسيير المجتمع والسيطرة عليه من خلال تشتيته ،.. وأيضاً فللغرباء المستوطنين لبلدنا ولجسدنا العراقي الحالي في أغلب مفاصله والذين لا تشتملهم المعايير الوطنية وفي طليعتها الإنتماء العراقي .. لهم الدور الحاسم في صناعة معايير التشتت ، لأنَّ أي تطبيق لمعايير المواطنة العراقية واستحقاقاتها سوف تلفظهم خارجاً ، فكيف يمكن قبول تولي غير العراقي لمرافق القيادة والنفوذ والعمل الوطني العراقي سواء كان دينياً أو طائفياً أو قومياً أو سياسياً ؟! من هنا فالتعويم والإستلاب للهوية العراقية واعتماد معايير الأنا الضيّقة في الرؤى والمصالح على حساب المعايير الوطنية الشاملة ستمكنهم من الإستيطان والتحكم والنفوذ في بلدنا ومجتمعنا ،.. والحال نفسه ينطبق على القوى الخارجية الطامعة .
      * إذن : فالمشكلة في بُعدها الحقيقي تتمثل أساساً بقدرتنا على إعادة إنتاج ذاتنا العراقية على أساس معايير وطنية راسخة تتوحد كوجود متناغم ومتكامل تُحدد الأنا العراقية بوضوح قبال الآخَر أيّاً كان ،.. فالذّات العراقية متداخلة والآخَر لحد النخاع !! فالكُل ومن خلال كافة المسميات الطائفية والعِرقية والمصالحية داخل فينا كأحدنا ، ونحن خارج دائرته !! إنك لن تجد ذاتاً وطنيةً مُستباحة كذاتنا العراقية !! فهل من وقفة نعي فيها صيرورتنا ومستقبلنا ؟
 








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تحذير دولي من كارثة إنسانية في مدينة الفاشر في السودان


.. أوكرانيا تنفذ أكبر هجوم بالمسيرات على مناطق روسية مختلفة




.. -نحن ممتنون لكم-.. سيناتور أسترالي يعلن دعم احتجاج الطلاب نص


.. ما قواعد المعركة التي رسخها الناطق باسم القسام في خطابه الأخ




.. صور أقمار صناعية تظهر تمهيد طرق إمداد لوجستي إسرائيلية لمعبر