الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مجزرة إصلاح التقاعد في المغرب: الآثار الاجتماعية و الاقتصادية

إياد السكتاوي

2015 / 12 / 27
الادارة و الاقتصاد


أبى السيد ابن كيران إلا أن ينهي ولايته الحكومية هذه بالتوقيع على مجزرة في حق الأسر و المواطنين المغاربة، ذلك أن هذا المشروع لا يمس فقط فئة الموظفين العموميين، بل سيتعداها و بطريقة غير مباشرة نحو المس بجميع فئات الشعب المغربي.. فبالإضافة إلى كون الاقتطاعات لفائدة الصندوق ستمس حوالي ست مائة ألف أسرة، و هذا هو عدد الموظفين المعنيين بهذا الإصلاح، أي أن هذا العدد الهائل من الأسر سينخفض دخلها بين 500 درهم و 1500درهم علما أن الاقتطاع سيكون مضاعفا في حالة انتماء الزوج و الزوجة معا لقطاع الوظيفة العمومية، و بالتالي فإن معدلات إنفاق الأسر و مؤشر الإدخار سينخفضان بشكل كبير مما قد يؤدي إلى نوع من الركود الإقتصادي على مستوى جميع الأنشطة. مما يعني أن الإصلاح المفترض ستتضرر منه الأسر الجديدة بشكل أكبر بسبب كثرة الالتزامات المالية و القروض التي تثقل ميزانيتها المثقلة أصلا، و عدم قدرتها على تحمل أي قدر من الإقتطاع مهما كان بسيطا، مما سيدفعها إلى التراجع عن الكثير من المشاريع الاستهلاكية و المخططات الإدخارية. و هكذا فإن خطة ابن كيران لإصلاح التقاعد ستؤدي وبشكل ميكانيكي إلى خنق الاقتصاد الوطني الموجود في غرفة الإنعاش، حيث سيتلقى ضربة موجعة و خطيرة سيصعب على أي حكومة قادمة التقليل من آثارها، و سيقلل من القدرة التنافسية للمقاولة المغربة و سيرسخ تبعيتها للخارج حيث تتواجد المنافسة الشرسة بسبب ضعف الاستهلاك الداخلي.
أما على مستوى التشغيل فإن الرفع من سن التقاعد إلى 63 أو 65 سنة سيكون له إنعكاسات خطيرة جدا على معدلات التوظيف التي سيتطيع إحداثها الإقتصاد الوطني، باعتبار أن الدولة أهم مشغل. فما يجهله عموم الناس و ما لم يتطرق له أحد هو أن الرفع من سن التقاعد سيعني مباشرة توقف القطاع العام عن التوظيف لمدة ثلاث أو خمس سنوات، حيث أننا نعلم جيدا أن سياسة التوظيف التي انتهجتها هذه الحكومة منذ توليها تستهدف أساسا تعويض المتقاعدين من الموظفين دون أن تهدف إلى إحداث مناصب جديدة بهدف الرفع من جودة الخدمات التي يقدمها المرفق العام. هكذا فإننا سيواجه الآلاف من خريجي الجامعات و مراكز التكوين و المعاهد و المدارس العليا شبح البطالة، و سيجد أنفسهم مضطرين للردوخ لشروط القطاع الخاص مهما كانت مجحفة، رغم ما يعرفه هذا الأخير من مشاكل و من خروقات، و من خرق مستمر لحقوق العمال و لقانون الشغل، و تفضيل أرباب العمل للعمال الحرفيين عوضا عن العمال المؤهلين و الحاصلين على شواهد عليا في مجالات تخصصهم، هذا الأمر يجعل القطاع الخاص نفسه غير قادر و غير مؤهل على استقطاب الأطر العليا المؤهلة بسبب تشبثه بآليات قديمة وبائدة في إدارة الموارد البشرية. كل ذلك سيجعلنا نعود إلى فترة نهاية الثمانينات و التسعينات التي توقفت فيها الإدارة العمومية عن التوظيف بشكل شبه نهائي و أدخل جيلا كاملا من الشباب المغربي المتعلم و الحاصل على شهادات عليا في أزمات إقتصادية و اجتماعية و نفسية لا يزال يعاني منها خريجي الجامعات في تلك الحقبة إلى الآن. و لم تستطع فحتى فترة الانفتاح على التوظيفات الجديدة مع حكومة التناوب أن تقلل منها بسبب تجاوز الكثيرين منهم سن القانوني لولوج الوظيفة العمومية. مع العلم أن هذا الإنفتاح كان غير ممكن دون خطة المغادرة الطوعية التي تبنتها تلك الحكومة و التي سمحت للعديد من الموظفين بالخروج من سلك الوظيفة و التقاعد مفسحين أماكنهم لآلاف الشباب الذين كانوا في أمس الحاجة لها.
هكذا فإن قضية الرفع من سن التقاعد يجب عدم فصلها عن قضية فصل التكوين عن التوظيف بخصوص الأساتذة المتدربين و قضية الخدمة الإجبارية للأطر الطبية من ممرضين و أطباء، فالحكومة تعي جيدا أنها ستخفض بشكل كبير من التوظيف في السنوات المقبلة، و يظهر ذلك واضحا إذا ما أخذنا تصريحات السيد رئيس الحكومة الأخيرة و التي تربط بداية الإصلاح في سنة 2017، لذلك هي لا ترغب في أن تتورط في إلزام نفسها بتوظيف جميع خريجي مراكز التكوين من الأطر العليا التربوية و الطبية، و بالتالي فإن المراسيم الأخيرة المتعلقة بهذين القطاعين كانت تستهدف أساسا الإعداد للأرضية المناسبة لتمرير هذا الإصلاح الجريمة.
إن محاولة الاعتراض على فكرة أن الدولة هي الدينامو المحرك لمجال الشغل في المجتمع، بدعوى أن القطاع الخاص يجب أن يقوم بتعويضها لهو اعتراض متهافت و مجانب للصواب، و يأخذ مشروعيته من نظريات اقتصادية نيوليبرالية لا تناسب الواقع المغربي، و تنعدم فيها أي مقاربة اجتماعية شمولية للمسألة الاقتصادية، فتحاول أن تجعل الدولة مجرد متفرج في الساحة الاقتصادية، بينما دورها الحقيقي يكمن في كونها المؤسسة الضامنة لاستقرار المجتمع، و الضامنة لتحقيق التوازنات اللازمة بين مختلف الفاعلين الاقتصاديين، حتى لا يطغى أي فاعل منهم على الآخرين. كما أن الخدمات التي توفرها الدولة للمواطن في المثال المغربي لا يمكن إطلاقا تعويضها من القطاع الخاص، خصوصا مع انتشار الفساد الإقتصادي و الجشع و التلاعب بالمستهلك لعدم وجود قوانين و أعراف أخلاقية تحميه.. كما أن القطاعات العمومية المستهدفة بهذا المرسوم هي القطاعات المرتبطة أكثر بالحاجات الأساسية للمواطن، و التي لا يمكن أبدا و تحت أي حجة المتاجرة بها، كالتعليم و الصحة و الخدمات الأمنية، لذلك فإن أي محاولة، للتقليل من عدد الموظفين في هذه القطاعات سيؤدي بالضرورة إلى الزيادة في تردي الخدمات المقدمة للمواطن من خلالها، أكثر مما هي متردية الآن، و بالطبع سيعاني أبناء الفئات الفقيرة من هذا الأمر أكثر من غيرهم، و سيعاني أبناء الطبقة المتوسطة بشكل مضاعف لأنهم لن يستطيعوا الحصول على خدمات ذات الجودة التي تناسبهم من القطاع الخاص إلا بتخليهم له عن راتبهم الشهري بشكل كامل، كما ما يحدث حاليا في مجال الصحة و مجال التعليم حيث تدهورت الجودة في القطاع الخاص بشكل أصبح يصعب إيجاد مصحة أو مؤسسة تعليمية في المستوى المطلوب، و إذا ما وجدت فستطلب مبالغ مالية خيالية يستحيل على موظف يقال عنه أنه من الطبقة المتوسطة تأديتها. زد على ذلك الحالة النفسية و البدنية التي سيكون عليها الموظفين المقبلين على التقاعد و المعنيين بشكل مباشر أكثر من غيرهم بهذا الملف، عندما سيضيف السيد رئيس الحكومة بشكل تعسفي من ثلاث إلى خمس سنوات في عمرهم الوظيفي !!! دون الأخذ بعين الاعتبار الخدمات الجليلة و الجبارة التي قدمها هؤلاء للوطن، فكيف يعقل أن يستمر الأستاذ في أداء مهامه بشكل جيد و أن يضبط سلوك أزيد من 45 مراهقا في مقتبل العمر داخل الفصل الدراسي و هو قد بلغ من العمر عتيا، و كيف يعقل أن تطلب من طبيب إجراء عملية جراحية دقيقة و هو يعاني من ضعف البصر و السمع و التركيز بحكم سنه، و هل يجوز أخلاقيا أن نطلب من شرطي عمره 63 سنة بأن يطارد المشتبه به في عمر 18 سنة و يلقي القبض عليه !!! فعوضا أن تشكر الدولة الموظف الذي بدأ يشعر بالملل من المهام التي يقوم بها في وظيفته و الذي ينتظر التقاعد بأحر من جمر المقبل على الستين و تمنحه تقاعده المستحق و الذي ادخر له طيلة سنوات طوال، براتب محترم جزاءا له على التضحيات التي قدمها للوطن، لتعوضه بموظف آخر شاب حيوي و نشط و مقبل على المستقبل بتفاؤل و متحمس لكل القيم الأخلاقية و المبادئ النبيلة التي يؤمن بها الشباب، ستجذها بفعل على هذا الإصلاح المشؤوم تطيل من المعاناة و الملل الوظيفي للشيخ و ترمي بالشاب في مستنقع البطالة، و السجون حسب أحد التصريحات الأخيرة للسيد رئيس الحكومة !!!
لذلك فإننا لن نبالغ إذا قلنا أن هذه الخطة التي تسمى زورا بإصلاح التقاعد و هي في حقيقة الأمر تخريبا له، ستكون مجزرة حقيقية ضد جميع الأسر المغربية و جريمة فعلية ضد مستقبل هذا الوطن.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كاليدونيا الجديدة: كيف ستدفع الدولة فاتورة الخسائر الاقتصادي


.. كيف تؤثر جبهة الإسناد اللبنانية على الإقتصاد الإسرائيلي؟




.. واشنطن تفرض عقوبات اقتصادية على بضائع صينية، ما القطاعات الم


.. وكالة ستاندرد آند بورز تصدر توقعاتها بشأن الاقتصاد المصرى




.. برشلونة يتراجع عن استمرار تشافى ومنافسة بين فليك وكونسيساو ل