الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التعليم بمدينة الرحمة : هل هو عامل للاندماج ام للتمايز السوسيو مجالي؟

صديق عبد الوهاب

2015 / 12 / 29
مواضيع وابحاث سياسية


تلعب المدرسة دورا هاما في بناء الانسان، و بناء الحضارات، و الدول و رقيها، وجعلها في مصاف الدول المتقدمة. و التعليم، يعد، حسب بعض الباحثين، ضرورة اجتماعية وإنسانية، وليس سلعة. وتعميمه من خلال مبدا المجانية، لا ينفي تحقيق الجودة . كما ان هذه الاخيرة، لا ينبغي أن تخلق التمايز ، عبر اقتصار التعليم على فئة ما، ولكن يفترض أن تكون متوفرة للجميع، لتحقيق تكافؤ الفرص، ضمانا للعدالة الاجتماعية . اذن مالادوار التي تضطلع بها المدرسة؟
أ‌- المدرسة :تكوين النشئة ام تعميق التمايز ؟
تتكون المدرسة، حسب بعض الباحثين، من عدد محدد من الافراد في وضعية "تفاعل مستمر، حول العديد من المبادىء، و القيم، المقبولة اجتماعيا، و يسودهم الشعور بالانتماء للجماعة " ويعرفها فرديناند بيوسون (Ferdinand Buisson) بأنها "مؤسة اجتماعية ضرورية، تهدف إلى ضمان عملية التواصل" ،بهدف دمج الأجيال الجديدة، في إطار الحياة الاجتماعية. ومن جهته، حلم جاستون باشلار" « Gaston Bachelard » بمجتمع اسس من اجل المدرسة، و ليس بمدرسة اسست من اجل المجتمع"، بمعنى المجتمع، الذي يستطيع ان يضمن للمدرسة، المكانة اللائقة بها، في اطار استقلاليتها .كما يفترض في المدرسة، ان توفر الاطار المناسب لصقل القدرات، و المواهب، لا ان تكون على حد تعبير- كارلسون (Garlson)- مؤسسات مدجنة و مدجنة " .واما النظام التعليمي، فيمكن تحديده بمجموع "الاليات المؤسساتية و المعتادة، التي من خلالها، يتم ضمان انتقال الثقافة الموروثة من الماضي بين الاجيال." كما تميل "النظريات الكلاسيكية، الى فصل اعادة الانتاج الثقافي، من وظيفة اعادة الانتاج الاجتماعي، و تجاهل التاثير الخاص بالعلاقات الرمزية في اعادة انتاج علاقات القوة " .
في غياب تاطير كافي، لساكنة احياء الرحمة ذوي الاصول الصفيحة ، و الانقطاع المبكر عن فصول الدراسة، و قلة فرص الشغل، وما وكبه من واقع الفقر و التهميش، كلها عوامل، جعلت هذه الساكنة، اكثر عرضة لدخول السجن، اما بسبب العمل الارهابي (التطرف الديني) ،او لاسباب اخرى (بيع المخدرات…). وكما يقول الكاتب الفرنسي فيكتور هوجو ( Victor Hugo) "من فتح مدرسة فقد أغلق سجنا "فدور المدرسة، يجب أن يتجاوز عملية التعليم إلى عملية التربية والبناء، (أي التربية العلمية والثقافية…)،والتنشئة الاجتماعية والوجدانية والأخلاقية.فهل تقوم مدارسنا بهذا الدور؟ اكيد لا نظرا لاعطاء الأولوية القصوى لعملية التعليم و اهمال باقي الجوانب التربوية.
ب- التربية عملية ادماجية : الهدف منها، ادخال الفرد تدريجيا في الجماعة ،التي يفترض ان يكون عضوا فاعلا فيها، و ان يتمسك بعاداتها، و بمعتقداتها، و بمشاعرها و بكل انماط عيشها. لكن، هناك من يرى، في المقابل، ان التربية او المدرسة، تعمل بدلا من" تقليص التفاوت الاجتماعي، تساهم في إعادة إنتاجه" و انها تعد "أداة خفية للهيمنة"، لان "الثقافة المدرسية هي ثقافة الطبقة المهيمنة".مبررا ذلك، بقوله انه هناك وجود" تشابه بين أسلوب اشتغال المنظومة المدرسية، وتمثلات وممارسات الطبقات المسيطرة" وان المدرسة- يضيف الباحث- توظف " كأداة لإضفاء الشرعية على التفاوت الاجتماعي".
ان سعي الدول الى تطوير واقعها الاجتماعي، و الثقافي، و الاقتصادي، يفرض تطوير قطاع التعليم، الذي يكتسي اهمية بالغة في حياة الفرد، و المجتمع، بالنظر الى العلاقة ،التي تربطه بجميع الانشطة الاقتصادية، و الاجتماعية، و الثقافية، في زمن اصبحت فيه، المعرفة مصدر ثروة و سلطة .
يساهم العمل الذي يزاوله الشخص داخل المجتمع، في بناء علاقات اجتماعية .لكن أهم تحدي يطرح الان بالمغرب، و على غرار باقي الدول النامية، هو مشكل بطالة خريجي الجامعات، والمعاهد العليا، والتي تعد الرأسمال البشري الحقيقي، الذي يجب الاستثمار فيه، وتوظيفه بشكل جيد، اذ عجزت الحكومات المتعاقبة، عن ايجاد حلول ناجعة، لادماج هؤلاء في مسلسل الانتاج الاقتصادي. الشيء الذي يدفعنا الى التساؤل، عن اهمية اعادة النظر في المنظومة ،و البرامج التعليمية، و خاصة، في عصر اصبحت فيه التكنولوجيا و المعلوميات ذات اهمية قصوى …
و بخصوص حالة الرحمة، (جماعة دار بوعزة) فان عدم الاندماج الاجتماعي، ناتج عن محدودية الدخل (ضعف الانتاج) و ضعف المشاركة في اتخاذ القرارات على المستوى المحلي، بسبب ضعف الانخراط في الحياة السياسية، و الجمعوية.. فضلا عن، انعدام جودة الخدمات الطبية، و تعليمية، الشيء الذي يسهم في عدم التجانس، في المدرسة و التكوين بين المتمدرسين. كما ان، هناك فئة، تفضل المدارس الخاصة، التي يمكن القول على انها تعتبر " العلبة السوداء للتمايز المدرسي" . كما تلعب التربية دور الواجهة بين السياق السوسيواقتصادي المحلي (الحي مثلا) ، و النظام السوسيو اقتصادي العام مثل المدينة.
على ضوء ماسبق نستخلص ان المدرسة تلعب دورا فعالا في تكوين الراس المال غير المادي لاي بلد . فما المقصود بالراس المال غير المادي؟
د- الراس المال غير المادي : ظهر مفهوم الرأسمال غير المادي(immaterial capital) في أواسط القرن الماضي في الغرب ، في محاولة لتجاوز الطابع اللاإنساني، الذي كان يعتمد في حساب الثروة. ويشمل هذا الرأس المال غير المادي، أساسا التكوين والبحث العلمي ،و الثقافة، والتكنولوجيا، والوصول إلى المعلومة.و من زاوية اخرى، فان الرأس المال البشري (غير المادي) هو المعارف، والمهارات، والكفاءات، و كل ما اكتسبه الانسان، طوال فترات التمدرس و التكوين. و حسب البنك الدولي، فان اكبر تحدي لدى الدول النامية، ذات الدخل المنخفض، للرفع من راسمالها غير المادي هو "التصويت، والمساءلة السياسية، الاستقرار السياسي، وانعدام العنف، فاعلية نظام الحكم، النوعية التنظيمية، سيادة القانون، محاربة الفساد بكل أنواعه وفي جميع المجالات"..كما ان رأس المال غير المادي، هو إعادة الاعتبار للعنصر البشري ، ودوره في تحقيق التنمية المستدامة.هاته التنمية، التي تولي اهمية خاصة للتعليم والتكوين المستمر، في العمل وتحسين جودة الخدمات الصحية، والاجتماعية ،والرياضية، وترشيد الممارسة السياسية .
و من زاوية اخرى، هناك من يرى، ان الرأس المال غير المادي، هو مجموع الأصول غير الملموسة التي تشكل، إلى جانب التراث المادي للسلع والخدمات، قيمة البلد. و لقد كرس مفهوم الرأسمال غير المادي من طرف البنك الدولي، من أجل فهم أفضل للحالة الاقتصادية والاجتماعية لبلد ما، لأنه لا يكفي أن تكون الصحة الاقتصادية والمالية جيدة، فمن الضروري أيضا، أن ننظر إلى كل هذه التفاعلات، بين العوامل الاقتصادية، والسياسية، والاجتماعية. هاته الاخيرة (التفاعلات الاجتماعية) التي تساهم بشكل قوي، في تعميق ما يسمى بالرأسمال الاجتماعي. فماذا يعني الراس المال الاجتماعي؟
فيتمثل الرسمال الاجتماعي، حسب- كولمان- في العلاقات الاجتماعية السائدة، فهو يتيح الفرصة للحصول على المعلومات و المنافع. و بالتالي يقلل من عدم المساواة ،التي يمكن ان توجد بين الطلاب .
اما ببيار بورديو (P.Bourdieu) ، فيرى ان راس المال الاجتماعي، يتمثل في "الموارد التي تنشا من العلاقات، هذه الموارد تؤدي الى عدم المساواة، بين الطبقات الاجتماعية" و يعرفه بانه، "اتصال الافراد بعضهم البعض، بوعي و مشاركتهم في الحياة العامة، لبناء اشكال مختلفة، من راس المال او القوى الاجتماعية، ثم محاولة استخدامها للاستفادة منها" .
ج- ماالعلاقة بين الراس المال الاجتماعي و الانواع الاخرى للراس المال؟ اذا كان راس المال المادي، يشير الى الاشياء المادية، و راس المال البشري، يشير الى خصائص الافراد، فان راس المال الاجتماعي، يشير الى الروابط بين الافراد، و الشبكات الاجتماعية، و معايير المعاملة بالمثل، و الجدارة بالثقة التي تنجم عنها. كما ان راس المال الاجتماعي، يعمل على توطيد العلاقة، بين المدرسة، و المجتمع المحلي، حيث يساعد على فاعلية الاتصالات المهنية، او الشخصية مع الادارة التعليمية، لحل مشكلات المدارس.
اما سلبيات راس المال الاجتماعي، في مجال المدرسة، فتتضح في كون "المدرسة مصنع لاعادة انتاج ،كل اشكال عدم التكافؤ، و الظلم، و القهر السائدة في ثقافة ما"، و ذلك عن طريق تحويل، العملية التعليمية، الى عملية اعادة انتاج، القيم الثقافية البالية، في المجتمع من اجل اخضاع الطبقات المحرومة، لهيمنة ثقافة الطبقات المسيطرة … و هذا ما قد ينتج، عنه تكوين مجموعات تقوم بالشغب داخل المدارس انتقاما من هذه الوضعية .لان المدرسة، لا تضمن لهم الثقة، و الشعور بالامان في مستتقبلهم . و يبدو، ان هذا يدخل ضمن، معوقات تكوين راس المال الاجتماعي بالتعليم، التي من اهمها : "قلة الوعي باهمية العمل الجماعي، و كذلك التطوعي، بسبب تقوقع الافراد على انفسهم، و ضعف مستواهم الاقتصادي، و اهتزاز شعور الافراد بالامان الاجتماعي ….".
المراجع :
-فاطمة الجربوعي "دور المدرسة في إدماج الفرد في المجتمع" الادماج والاندماج...الرهانات والاستراتيجيات والمرجعيات أعمال الندوة العلمية الدولية تنسيق عز الدين دخيل جامعة تونس http://www.isajc.rnu.tn/sites/default/files/integration-ar2.pdf
- عبد الكری-;-م بزاز علم اجتماع بی-;-ار بوردی-;-و دراسة لنی-;-ل شھادة دكتوراه العلوم كلی-;-ة العلوم الإنسانی-;-ة والاجتماعی-;-ة جامعة منتوري قسنطی-;-نة2007 – 2006 .
- يوسف زروق الرأسمال اللامادي والتنمية 2015 . http://sociomaroc.blogspot.com/2015/06/blog-post_44.htm
- عبد الرحيم العلام مفهوم رأس المال غير المادي وفق دراسة البنك الدولي2014 http://www.hespress.com/writers/237933.htm
- مريم بنصالح مفهوم الرأسمال غير المادي من الناحية الاقتصادية؟http://elkanoon.blogspot.com/2014/12/blog-post.html
- سهير محمد حواله و هند سيد احمد الشوربجي راس المال الاجتماعي بالتعليم مقوماته و معوقاته دراسة تحليلية معهد الدراسات و البحوث التربوية جامعة القاهرة .
- Pierre Bourdieu et jean –claude passeron, la reproduction éléments pour une théorie du système d’enseignement les editions de Minuit,Paris,1970.
- Jean-Paul Payet, Ségrégation scolaire : état des lieux, perspectives d’action, les cahiers du DSU décembre, 2002.
- Jean-Paul Fitoussi,ségrégation urbaine et intégration sociale, , la documentation Française .Paris, 2004.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. -أسلحة الناتو أصبحت خردة-.. معرض روسي لـ-غنائم- حرب أوكرانيا


.. تهجير الفلسطينيين.. حلم إسرائيلي لا يتوقف وهاجس فلسطيني وعرب




.. زيارة بلينكن لإسرائيل تفشل في تغيير موقف نتنياهو حيال رفح |


.. مصدر فلسطيني يكشف.. ورقة السداسية العربية تتضمن خريطة طريق ل




.. الحوثيون يوجهون رسالة للسعودية بشأن -التباطؤ- في مسار التفاو