الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الأرض السورية تقاتل

بدر الدين شنن

2015 / 12 / 29
مواضيع وابحاث سياسية


" إن الجغرافيا هي إحدى حقائق التاريخ ــ هيغل ــ "


كشفت الحرب السورية ، بعواملها وأبعادها ، الداخلية ، والخارجية ، عن حقائق هامة ، يندر أن تتحقق مجتمعة في حرب واحدة ومكان واحد ، في حروب أخرى . وهذه الحقائق تتضمن ، داخلياً ، الصراعات حول السلطة ، وحول توزيع فائض القيمة ، ومستوى المعيشة . كما تتضمن ، خارجياً ، عمليات التدخل والاجتياح والاحتلال ، التي تشترك فيها جيوش مموهة بأشكال مجموعات إرهابية مسلحة ، معظمها من دول مجاورة أو مستجلبة من بلدان بعيدة في قارات العالم ، مدعومة إقليمياً ودولياً رجعية واستعمارية ، مالاً وسلاحاً ورجالاً وإعلاماً ، وأفكاراً مذهبية متطرفة متعصبة .

وحقيقة الحقائق هي الرابط الشاذ الوثيق ، الذي يجمع بعض الداخل والخارج المعادي في حرب واحدة للسيطرة على الدولة .. وعلى الأرض . فقوى الداخل المعارضة المسلحة ترمي الوصول إلى السلطة .. " الدولة " .. وقوى الخارج التي تمثلها الجماعات المسلحة ، ترمي إلى السيطرة على الدولة .. " الأرض " .. وتبرز الأرض .. الجغرافيا السياسية السورية لدى الجميع هدفاً ، لابد من الفوز به ، للتمكن من دحر الآخر ، وهنا يتجلى دور الأرض المتميزة السياسي ، في الصراعات والمتغيرات السياسية الدولية .. وفي صنع التاريخ . وبالمعنى السوري .. في الحرب السورية .. إن الأرض تلعب دوراً مقاتلاً أيضاً .. في تقرير مصير الحرب .. وفصل من فصول التاريخ .
ولذلك ليس من التكرار ، أو المبالغة ، أن يقال أن السبب الرئيس للحرب السورية ، فيها وعليها ، هو الأرض ، وما في باطنها . أي الاشتباك مع الأرض لنهب ثرواتها المخزونة والمنتجة بعرق وجهود شعبها .

وفي حال تفاقم واحتدام الصراعات الدولية حول الجغرافيا السياسية .. أي الأرض .. يزداد دور ووحدة الشعب في الذود عن الأرض وحماية الوجود . وفي حال فشل هذا الدور ، تتمكن الدول المعتدية من إحكام سيطرتها على الأرض ، وتحويل الشعب إلى كتل مهاجرة ، أو مقيمة مستعبدة تحت الهيمنة . ويصبح ابن الأرض غريباً فيها . وتكف الأرض عن التفاعل مع محيطها .. وشمسها .. وهوائها كما في السابق .. كما يحصل بعد الزلازل الكبرى . وتكبر المأساة .. الأرض تحت الاحتلال يعني أن الشعب .. أو من بقي من الشعب .. هو مهان ومستعبد .

ولا غلو بالقول ، أن الإنسان والأرض جسد واحد . يوحدهما عدد من المكونات المشتركة في بنية الجسد والتفاعل بآليات وحواس كونية . يعبر عن ذلك الكثير من معطيات علم الفلك وعلم الفضاء . وعلوم أخرى . وهناك مثال بسيط جداً ، إن الإنسان الذي يعيش في الغربة ، يحس بحنين لا يوصف للمكان الذي ولد وترعرع فيه ، وعند عودته للوطن أول شيء يقوم به هو تقبيل الأرض واستنشاق عبق أديمها ، وإن قارب الموت ولم يعد له فرصة للعودة ، يوصي برجاء أن يدفن إلى جوار أبيه وجده في وطنه .

الحقيقة المرة ، أن الأرض في زمن الحرب ، تصبح الضحية الأولى .. تصبح هدفاً للقوى المتحاربة ، وتتحول إلى طرف في الحرب . إذ بقدر اكتساب أو خسارة الأرض ، وما عليها من عمران وقيم مادية ، تقاس نسبة الربح والخسارة . وكل طرف يقدر حجم قواه ، بقدر مساحة ما يسيطر عليه من الأرض . ولتحقيق ذلك ، تقوم الحرب بتشويه الأرض .. تمزقها إلى أجزاء ، وكيانات مفككة .. تدمر معالمها .. ومسيرات الطبيعة فيها .. تحرق محاصيلها التي أعطتها من أعماقها نسغ الحياة لتنمو وتثمر .. وتعطل حركة عطائها الأبدية ، بتهجير إنسانها المتفاعل بحنو وجدية مع خيراتها ومواسمها .

وكلما ابتعد الوصول إلى قواسم مشتركة بين الدول الخارجية المتصارعة على الأرض " الجغرافيا السياسية " المتسمة بها ، طالت الحرب ، وعوقت من طرف آخر ، وصول تجمعات الداخل المتصارعة إلى اتفاق . غير أن مسؤولية امتهان الأرض وضياعها ، هيمنة ، واحتلالاً ، وتمزيقاً ، مرتبطة موضوعياً وواقعياً بقوى الداخل الوطنية والشعبية على مختلف أطيافها . والسؤال المطروح هنا هو : هل يمكن أن تتجاوز هذه القوى انقساماتها وحساسياتها من بعضها البعض ، للحفاظ على وجودها كقوى تشكل جزءاً من مقومات البقاء الوطني .. وللحفاظ على حق الحياة لكل أبناء الشعب ؟ .

من أسف ، إن الخريطة السياسية السورية ، تبين بوضوح ، أن تجمعين اثنين يتقاسمان الأرض . هما تجمع الحكومة والجيش السوري الوطني والقوى الشعبية الرافضة للإرهاب ، واحتلال الإرهاب لمساحات من الأرض ولعدد من المدن وممارسة أشكال التعصب والتخلف على من يقع تح سيطرة مسلحيه . وتجمع قوى المجموعات الإرهابية المسلحة ، وقوى مدنية معارضة مسلحة ، التي تقودها كلها قوى إقليمية ودولية . وهناك تجمع معارض سياسي ، يتواجد معظمه حيث تسيطر قوى الحكومة ، وهو يكابد تعدد وجهات النظر حول جدوى الوسطية بين التجمع المعارض المسلح وبين الحكومة . وقد نسي الجميع ، أن هناك طرفاً رابعاً ، هو الطرف الأساس ، الذي يتمثل بالأرض ، التي تجري عليها الحرب والتغيرات الميدانية والمصيرية وبتفاعله الطبيعي مع الحرب .

بإيجاز .. إن الحرب التي تقاتل فيها الأرض ، هي الحرب التي تدور للسيطرة عليها وعلى مكانتها الجغرافيا السياسية ، التي تدفع فيها الأرض ، لاسيما الحرب الخاسرة ، ثمناً باهظاً ، من وحدتها ، ومكوناتها الطبيعية ، والسكانية ، المتكاملة معها ، ضمن إطار وطن ، له حدوده ، وهويته ، وقيمه ، وحضارته ، وطموحاته ، والتي تلعب فيها خيانة أطراف داخلية ، لكل ما تمثله الأرض ، من قاعدة حياة ، ووجود وطني وإنساني ، وتبادله ، أو أجزاء منه ، مقابل مال ، أو سلطة ، أو تحقيق ثأر ، ومغنم ، تعصبي متطرف .

وسلاح الأرض السورية ، في قتالها ضد المعتدين والخونة ، هو مفاعيل جاذبية الجغرافيا السياسية القاتلة للطامعين والمعتدين المتنافسين على السيطرة عليها ، وقيمتها التبادلية التي لا تقدر بثمن ، المغرية للخونة والمتآمرين ، التي تتحول إلى وصمة عار أبدية ، ترسل ارتدادات إدانة سياسية وأخلاقية وحضارية للحرب ، وللمعتدين ، والخونة ، الذين أشعلوا الحرب ، وتسببوا بالدمار الهائل ، ومآسي النازحين ، والمهجرين ، والمشوهين جسدياً ونفسياً ، والضحايا التي لا تحصى فيها .

كثيرة هي الهجمات ، والغزوات ، والاجتياحات ، والفتوحات الهمجية ، والفتوحات ، والاحتلالات الإمبراطورية التوسعية ، التي تعرضت لها الجغرافيا السياسية السورية ، من الشرق ، أو من الغرب . قبل الميلاد وبعده . بيد أن الغزاة هزموا ، أو رحلوا ، وانهارت الإمبراطوريات .. وبقيت سوريا .. الجغرافيا السياسية السورية .. الأرض المتميزة .. تثير طمع الطامعين والمعتدين . وتتكرر في الظروف الحالية حروب حول الأرض السورية .. وتجري فيها هزائم .. وانتصارات .. ومتغيرات .. لكن سوريا باقية .. وستبقى .
إن من يخون الجغرافيا .. ويتجاوزها .. لن يستطيع أن يتغلب على تحدياته ويهزمها .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. شاهد| سقوط مظلة حاملة للمساعدات على خيمة نازحين في خان يونس


.. هاليفي: نحقق إنجازات كبرى في القتال في رفح لإغلاق المتنفس ال




.. السيارة -الخنفساء- تواصل رحلة حياتها في المكسيك حيث تحظى بشع


.. قوات الاحتلال الإسرائيلي تهدم منازل فلسطينيين في بلدة بير هد




.. وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي أنهوا اجتماعهم الشهري دون الات