الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الشاعر لينا شدود/تقود ثورة احتجاجية

وجدان عبدالعزيز

2015 / 12 / 29
الادب والفن


الإنسان الشاعر ، حينما يُحاصر ، لايجد أن الفن وكل ما صنعته يد الإنسان كافية ، لتحقيق الخلاص ، فالرؤية الرومانسية مثلا لاتكفي للتحليق في أجواء التحرر الافتراضي المنشود ، لان اللحظة الراهنة ليست نهائية والوضع القائم ليس كائنا ولا ممكنا ، فحينما سقط الإنسان من الفردوس وفقد براءته لازال هناك وعد مستمر في الهداية متصل بالمستقبل ، وبهذا الوعد تكون الحرية سلاح لمكافحة القمع الاجتماعي والتجاسر على القوانين التعسفية القامعة لتطلعات الإنسان ونزوعه نحو الخلاص ، وان الشعر لغة حوارية تتخفى في كلماتها التي تحاول بدورها اخفاء معانيها ، وتدعو المتلقي ، ليعد العدة في التمعن والبحث بين تلك الكلمات يقول ادونيس : (فالانسان يتوق الى ان يتخطى ظواهر الاشياء الى ما وراءها، ومن مهمات الشعر ان يفتح دروبا الى ذلك العالم الخفي وراء العالم الظاهر، ويتيح للانسان ان يتخلص من العوائق، ويصير شبيها بسائل روحي يتمدد في العالم) ، ومن هنا وجدت الشاعرة لينا شدود في قصيدتها (تمارين)، تتمدد في بحثها عن الحقيقة والجمال والشعور بذلك الغياب الذي تحاول استدعاءه .. فحينما تقول : (أتمرّن على سماعك) اشم في هذه العبارة الغياب الذي تعانيه .. بدليل قولها :

(ربّما عليّ..
أن أعود إلى الحياة
بروح مغامرة..
تُصارع كل جهات الهلع،
ولو أن نصيبي من الضوء لا يكفي
لنفي الحزن،
وحرق الانتظار.)

اذن كانت محاولاتها جادة في مصارعة جهاد الهلع ، لكن نصيبها من الضوء والمقصود المكاشفة غير كافية لحرق حالة الانتظار .. لاكتشافها بمكيدة الاخر اضافة للقيود الاجتماعية التي تكبل تلك الغرائز وتصادمها بوصايا التابوات المحرمة .. يقول شلوفسكي : (إن الناس الذين يعيشون على الشواطئ سرعان ما يتعودون على هدير الأمواج ، حتى أنهم لايحسون بها ولايسمعونها عادة ، ولنفس السبب فإننا لانكاد نسمع كلماتنا نفسها .. وننظر إلى ما نألفه فلا نراه ومن هنا يضعف إحساسنا بالعالم ، إذ يكفينا أن نتعرف عليه ، ومهمة الفنان محاربة هذا الروتين الآلي بنزع الأشياء من إطارها المألوف وتجميع العناصر المختلفة على غير انتظار ، ولذلك فان الشاعر يعمد إلى كسر القوالب اللغوية الجاهزة ، ليجبرنا على تجديد تلقينا للأشياء من خلال التحول المجازي ، وهذه عملية التشويه الخلاقة التي تعيد لنا حدة التصور بعد ان تثلمها العادة ، ونكشف كثافة العالم المحيط بعد أن يفرغه الروتين)، وهكذا اجد الشاعرة لينا تتمرن على رفض الانتظار والانفعال والاحتجاج على ما هي عليه .. لهذا تقول :

(لا أخافك يا كابوس
ولو جَنّت خيالاتك وازدحمَت..
أنتظر دهشتك وأنا أمنحك غفلتي.
مازالت ساحاتنا تغصُّ بفزّاعات باردة..
هم زبائن حياة سابقة..
سطّحوا رغباتهم، وعبروا بخطواتهم المغصوبة
على جسورٍ تَعامَت ..
عن أنهم كانوا هنا يوماً.)

اللغة الانفعالية، (أو اللغة المحملة) هو صياغة الكلمات بطريقة تحاول التأثير على القارئ أو المستمع بمخاطبة مشاعره بدلاً من عقله بكلمات وعبارات عاطفية قوية محملة بدلالات تحاول أن تولد لديه رد فعل قوي إيجابي أو سلبي يزيد على المعني الحقيقي الحرفي للعبارات. وتستغل اللغة الانفعالية الضعف الإنساني الذي يجعل الفرد يتصرف بناء على الاستجابة العاطفية ولذلك فهي لغة مقنعة للبعض. يقول بودلير : ("الشعر تجاوز للواقع العيني، فهو ليس حقيقة كاملة، سوى ضمن عالم مغاير وأخروي" فـ(النص الشعري الحديث حوار دائم ودينامي مع الاشياء، حوار ثر مبني على ديالتيك خاص، مشحون بقيم اصيلة تتسم بالتشابك والعمق والتعقيد، يقوم بمهمة تشكيل النسيج الداخلي عن طريق ربط الاجزاء المتوازية والمتقاطعة والمتضادة في النص الشعري، وينعدم في هذا الحوار ذلك التواطؤ التقليدي القائم بين عالم القصيدة ومساحة الفاعلية الذهنية المستقبلة عند المتلقي، والمعتمدة على خاصية الاشباع المحايد لمراكز الانتظار والتوقع فيه، لذلك فهي تصدم ذوق المتلقي التقليدي بما لاينتظر ، بمعنى ان المتلقي سيفقد فيها لذة تعود عليها، وتأسس نمط ذوقه على اساسها، لذلك فانه سوف يحتاج على هذا الاساس نوعا من تطبيع العلاقات مع عوالم النص الشعري الحديث،الذي ينهض بذوق المتلقي ويرتفع به الى مناطق جمالية طرية وطريفة ومباغتة، تضج بسحر غير قابل للنفاد فيكبر وعيه نحو استثمار قدرات العقل على نحو اكبروافضل واكثر جذبا ومتعة. على هذا الاساس يخرج النشاط الشعري من اطار اشباع الحاجة، فليس هو تمرينا جماليا مجردا، انما هو فعل خلاّق خصب، يلد قدرة لامتناهية على الابداع والخلق واستمرارية الانجاز)، هذا الحوار يجعل من الشاعر حاملا رسالة معينة ، يحاول ايصالها للاخر ، كما تفعل الان الشاعرة لينا شدود في قصيدتها هذه ..تقول الشاعرة :

(ما معنى أن يلسعك العجز،
وأنت تعضُّ على اللغة،
فتُخفِق في إطلاق حمائم الودّ.

كيف لك أن تبطش بالخيبة،
وأن تلوي العاصفة ،
وأنت تحتمي بطمأنينة يوم عادي؟!
هل ستكتفي بلمّ الزعيق من صدرك..
حتى تصير الصدى؟؟)

وهكذا مثلت روح المثقف الشاعر المحترق في طريق البحث عن حقيقة الحياة من خلال ثورة اللغة ، ليكون الشعر ثورته الاحتجاجية ، لايصال رؤيته وموقفه للاخر ..


قصيدة (تَمارين) للشاعرة السورية لينا شدود








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. نقيب المهن التمثيلية يكشف حقيقة شائعة وفاة الفنان حمدى حافظ


.. باراك أوباما يمسك بيد جو بايدن ويقوده خارج المسرح




.. حوار من المسافة صفر | المسرحية والأكاديمية عليّة الخاليدي |


.. قصيدة الشاعر العقيد مشعل الحارثي أمام ولي العهد السعودي في ح




.. لأي عملاق يحلم عبدالله رويشد بالغناء ؟