الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هؤلاء الإعلاميون الجهلة: أولى بهم أن يكملوا تعليمهم

محمد السعدنى

2015 / 12 / 29
مواضيع وابحاث سياسية


ماكاد الشيخ الوقور ينتهى من درسه فى رواق المجلس حتى عاجله واحد من المتحذلقين يسأل: يامولانا، هل يجوز دخول الحمام بالموبايل المخزن عليه القرأن؟ الشيخ: نعم يجوز، ودار الحوار التالى، السائل: يا شيخ القرأن الكريم مخزن فيه، الشيخ: لا بأس أليس محفوظاً في شريحة الذاكرة؟ السائل: نعم يامولانا، بس ده القرأن، الشيخ متأففاً: وهل أنت من حفظة القرآن؟ السائل: أحفظ خمسة أجزاء كاملة، الشيخ: خلاص لما تيجي تدخل الحمام إبقى سيب دماغك برة. ولأنه لجوج لزج، فقد أضاف: يامولانا وهل يجوز أكل لحم البطريق؟ وعاجله الشيخ الذكى بلباقة وسرعة بديهة: إذا لقيته أو أمكنك إصطياده فكله، وفى تنطع يحسد عليه إستأذنه فى سؤال أخير: ياشيخنا لو أنا بأصلي في غابة و طلع عليا أسد هل أكمل صلاتى أم أقطعها؟ وجاءت إجابة الشيخ قاطعة مهذبة وموحية: لو إستطعت أن تظل محافظاً على وضوئك حال مهاجمة الأسد لك، فأكمل الصلاة. بالطبع الشيخ يعرف بالضرورة أن مقاصد الشرع خمس، هى أن يحافظ للمسلم على حياته ودينه وعقله وعرضه وماله، وأنه ليس مطلوباً من أحد أن يعرض حياته للخطر من أجل أداء فرض، رخص لنا فيه سبحانه وتعالى الجمع والقصر والقضاء، وأن الدين يسر لاعسر، هذا مالم يقله الشيخ الذكى، الذى لم يغب عن إدراكه منذ اللحظة الأولى، أن صاحبنا لايسأل حتى يفهم أو يتعلم، إنما هو يفتئت على الدين فى محاولة للتثاقف وإدعاد المعرفة، وأنه يفترض قضايا تخاصم الواقع وليست محلاً لخلاف فكرى يحوز أولوية تؤرق الناس وتحيط بالمجتمع، إذ ماضرورة أن أحمل معى الموبايل إلى الحمام أو أتركه، هذا إذا ماتوجب علينا أن يكون لكل منا موبايل من الأصل، ناهيك أن يكون هذا شرطاً من شروط الإيمان أو الأركان الخمس للإسلام، ثم هل إعتاد الناس الإختلاف إلى الغابة كل حين؟ وماهى ضرورة الذهاب المتواتر للغابة، فى مثل حياتنا العصرية التى يندر فيها وجود الغابات أو يتحتم الولوج إلى أحراشها والتعرض للمفترسات فيها؟ وهل تحول البطريق إلى واحد من الأكلات المعروضة علينا فى الأسواق؟ أو التى يعز وجود بدائل لها. هذه تساؤلات تتبادر إلى الذهن بمجرد النظر فى نوع أسئلة الرجل، ولعلها تشى بأنه يحاول التقعر والتنطع وإفتراض مايصعب إفتراض وقوعه واحتماله. وهذا السيد المتنطع يقترب بسلوكه المستهجن هذا ممن أضاعوا وقتنا فى فقه دخول الحمام والخروج منه، والطقوس المقترحة بشأنه، وهو كمن تنطع من قبل فى تراثنا فراح يسأل عن حكم من حمل قربة من الفساء على ظهره؟ وهل ينقض هذا وضوءه؟ إنها محاولة لإجتراح المستحيل واللامعقول نثقل به تراثنا الفكرى المرهق من مثل هذه الترهات والإفتراضات اللامنطقية، وكأننا نبحث فى لزوم مالايلزم، نعقد الدين ونحرج الفتوى ونفترض مالانعتاده فى حياتنا، فنتكلم عن رضاع الكبير ونكاح الوداع ومفاخذة الصغيرة والتشافى بشرب بول الرسول. هل هذا معقول، وهل أضحى من ضرورات حياتنا المعاصرة؟ أم هو نوع من التنطع دون مقتضى ولا مسوغ من عقل أو دين أو ضرورة؟. ولعله كذلك، ومالم يكن الشيخ المسئول بأعلم وأحكم وأعقل من السائل، ماجاءت إجاباته بهذا القدر الذكى اللماح الذى يحمل من التقريع والسخرية والاستهجان أكثر مما يحمل من جدية، ولعل الشيخ قد أكتشف بشخصه النابه عدم موضوعية السائل ومحاولات تقعره رغم جهله وفضاء عقله وسخف قوله ولاموضوعية سؤاله وضيق أفقه.
شئ من هذا، أو لنقل ربما كل هذا يتبادر إلى ذهنى كلما أوقعنى حظ عاثر فى متابعة أمر مما يطرح على شاشات قنواتنا الفضائية فيما أسموه " التوك شوز" ولعله "التوك شوك" بما ينضح بالغباء والجهل ومحدودية المعرفة وضيق أفق بعض الإعلاميين الجدد، ومايرشح من أفكارهم السطحية البليده حين يتعهدونا بالنعيق والزعيق والصراخ فى وجوهنا، بحجة أنهم يعلمون الشعب ويثقفون الناس ويدرسون لنا شئون السياسة وقضايا الوطن، وشروط المواطنة، وكيف علينا أن نتحول إلى قطيع من السائرين نياماً خلف شعاراتهم المدرسية الباهتة وأفكارهم العبيطة. ولا أغالى إذا ماقلت أن على كثيرين منهم أن يستكملوا تعليمهم، ولا أقول ثقافتهم، فهم أبعد مايكونوا عن الفكر والثقافة والمعرفة، ويالغرابة مانحن فيه بسبب هؤلاء المسطحين الجهلاء، لا لغة سليمة، ولادراية بأمر مايتحدثون فيه، ولاجهد مبذول فى الإعداد ولا التنفيذ، اللهم إلا الجهد الضائع فى الصراخ والزعيق.
إنه لأمر مؤلم أن يعطى إعلامنا وفضائياتنا الفرصة لمن يحتاجون إكمال تعليمهم ليكونوا أساتذة يدرسون للناس مالاعلم ولاقبل لهم به، أقصد الإعلاميين لا الناس. لقد زاد الأمر عن حده، ولعله إنقلب بالفعل إلى ضده. ولعل شجاعة المواجهة تقتضينا القول بأن أزمة الإعلام التى تفاقمت فى بلادنا تزامنت مع دخول الصحفيون إلى عالم الفضائيات، فاحتكروا الصحافة وهووا بمستواها واحتكروا الفضائيات وأهانوا بجهلهم العلم والفكر والسياسة، ولا أستثنى منهم إلا قليلاً ممن رحم ربى ممن هم مؤهلون للكلام والإضافة، أما الغالبية المفلسة من صحفيى الفضائيات فهم خير عنوان على أزمة الإعلام فى بلادنا وعلى مانعانيه من تخلف وتغييب وعى، أضافوا إليه نفعية مقيتة وشللية مسيطرة فصاروا تايكونات كما "الكومبرادور" يصادرون الشاشات والجرائد والمواقع الإلكترونية والبوابات الإخبارية ويتحكمون فى نافذة الناس على الخبر والرأى والثقافة والحقيقة، ويعملون لصالح رؤوس الأموال المحمولة جواً كما شرحنا فى مقالات سابقة. زاد الطين بلة إحتكار الإعلانات من جانب بعض المشبوهين الذين يفرضون رؤاهم وشروطهم على أصحاب القنوات، وهى فى مجملها ضد صالح الوطن وضد مصالح الشعب الذين يعملون على تغييب وعيه وتسطيح أفكاره ببرامج التفاهات والمسابقات العبيطة وبرامج مذيعات "البورنو" اللبنانى، ويفرضون مذيعين على شاكلة صاحبنا اللجوج اللزج المتحذلق بلا تبعة أو مبرر، الذى راح "يفتكس" ويتنطع على الشيخ بالأسئلة فى لزوم مالايلزم، ومذيعات بعينهن من أنصاف المؤهلين وفنانات الصف العاشر والراقصات، وكأنها مؤامرة على عقل الشعب ووعيه، تزرع قيم السلب والجهل والاستسهال والعبط فى أذهان الشبان والمراهقين وتفرض الوصاية على شعب أجهده غباء الإعلام، وتؤسس للتخلف والتفاهة لتجعلها عنواناً للإعلام المصرى، فتتصدر شاشاته وسهراته برامج الفضائح والجن والعفاريت والمتحولين جنسياً والمثليين والإغتصاب والتشهير، وبرامج الخيانة الزوجية وتسويغ متابعة الشباب لأفلام البورنو، ومسابقات الغناء والرقص، بينما تغيب عنها أى برامج هادفة للإعلام والتثقيف والسياسة وصياغة الوعى، ومالم ننتبه نكون على أعتاب كارثة تحيق بنا، فهذا إعلام يؤخر ولايقدم، يثير البؤس والشفقة ويلطخ وجه الوطن.
وأحسب أنه واجب الوقت على الدولة والبرلمان للإسراع بإصدار القوانين المنظمة للإعلان والتنبه لإحتكارات شركات الإعلان المشبوهة والتصدى لمهازل نحن فى غنى عنها. وأن توضع الضوابط لحمايتنا جميعاً صغاراً وشباناً وكباراً من أولئك الذين عليهم مغادرة الشاشات ليركزوا فى إكمال تعليمهم. هذا أو الكارثة، وقانا الله وإياكم وحفظ منها ماتبقى لنا من عقل وفكر وبعض وعى.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. رغدة تقلد المشاهير ?? وتكشف عن أجمل صفة بالشب الأردني ????


.. نجمات هوليوود يتألقن في كان • فرانس 24 / FRANCE 24




.. القوات الروسية تسيطر على بلدات في خاركيف وزابوريجيا وتصد هجو


.. صدمة في الجزائر.. العثور على شخص اختفى قبل 30 عاما | #منصات




.. على مدار 78 عاما.. تواريخ القمم العربية وأبرز القرارت الناتج