الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الدعلج

حسن الغبيني

2015 / 12 / 29
الادب والفن


أنا غريب وخائف في عالم لم اصنعه؟
( هوسهن)
الدعلج
مثل أصيل مبهم تغلغل في عالمنا ، نحن سكان الأحياء الفقيرة ، سائقو العربات ، والباعة المتجولون ، وهؤلاء الذين التحفوا السماء شردهم الجوع والحصار ، ساكنين بيوت الصفيح والعائشين على هامش المدينة المكتظة بالزحام .كان يهجم علينا مثل غيوم سوداء ، هو قدرنا اللعين قدر أسود يصادر كل ما يجد في طريقه محطماً كل من يقف أمامه، تناثرت البضائع في كل الاتجاهات محطمة واجهات المحلات ، وأصحاب (الچنابر) لا أحد يستطيع أن يصد هجماته بائعو الخضراوات ذاقوا ذرعاً به ، وحمالو السوق أصابهم اليأس ، انكمشوا حول أنفسهم مثل لحمة مشوية ، وهؤلاء الذين قذفتهم المدينة على أرصفة الجوع ، خريجون عاطلون ، قديسون ومجانين محاربون ومنبوذون متسولون وبقايا مقامرين وتجار وعابري سبيل .. لم يسلم أحد من سوط سهيل، ترتعد الحوامل من ظل سوطه حين يطبق بفكه الأسود ليفترس المدينة. كم وكم شهد نهرنا الجميل من دموع ، وعويل حين يهيم علينا مثل ليل حالك السواد والظلمة، عنيف وبارد يقيم حفلته الأسبوعية ، حيث يتقطر الأسى من قلوبنا، نسمع عويل الأرامل وصراخ الأطفال ، ودموع العذارى وحزن الرجال ، هؤلاء الذين أفقدتهم الحروب كل معنى وتخاصم معهم القدر لينقذفوا في زحام مدينة لا ترحم .مثل فئران مذعورة كنا نلوذ بأنفسنا في الأزقة الضيقة هاربين بأنفسنا تاركين بضائعنا نهباً لكلابه المسعورة وهي تلهب بسياطها الجهنمية ، حافرة في داخلنا مرارة الهزيمة وذبول الحياة فينا ، ونعود إلى بيوتنا منكسرين مهزومين نلملم جراحنا ، كان يحتل في مخيلتنا نحن الفقراء مساحة مثل مساهمة الجوع الذي يعوي في البطون ، كنا نلوذ منه هاربين يائسين وهو يرمي أحلامنا في النهر .... أرامل ونسوة دموع وعذارى .. رجال وأحلام ... بضائع وهموم كل شيء يبتلعه قاع النهر .....
نسجت حوله الأساطير ...قالوا عنه إن صدره يتسع ليسع مدينة كاملة ، وصوته مثل زمجرة الرعد وسطوة الطبيعة حين تكون عنيدة وقاسية . كان مخيفاً مثل الريح والعوارض والرعود ، يتناسل ويكبر في الحروب . حسبناه لا يموت خالداً فينا ، هو قدرنا المكتوب على الجبين ، هكذا قالت عنه العرافات ، وتناقلت حكمه الشيوخ ... قالوا عنه لابد أن يأتي عبر الزمن من رحم المجهول ، ينبثق من جوف الظلمة ومن بواطن الرذيلة ينمو، زمنه زمن الحروب وينكر الابن أباه ... وتقفر الدروب لا حدود لطغيانه خالدٌ فينا مثل الزمن لا يموت .... يتناسل في فجيعتنا .. ينذرنا بالغناء مخلفاً وراءه ... دموعاً أوجاعاً وأنيناً .رأيناه في زمن ذبوله وانكساره اقتربنا منه كان الخوف ينخر في قلوبنا . نساء ورجال أرامل وشيوخ ، منبوذون متسولون قديسون وبغايا كلنا انطلقنا لنرى سقوطه وزمن أفول نجمه كنا نحمل المعاول والسكاكين دخلنا نفتش عنه . دخلنا دهاليزه وغرفه – السرية ... رأينا آثار أقدامه انحساره على الجدران، رأينا كلابه المسعورة تلوذ بالفرار تدخل في دهاليزها المظلمة وأقبيتها المصنوعة في الظلام ، صعقنا من هول ما رأيناه من هول ما ترك فينا من ندوب وجروح – دماء وقبور حطام وجماجم وعويل وصراخ مخاوف وهروب . سمعنا صراخنا المخنوق في الأقبية رأينا أحلامنا المشنوقة على جدران قلاعه الملساء . أكثرنا صلابة راح يبكي وينوح ... أكثرنا صلابة أصابته الدهشة .... رأيناه دميماً وقيحاً ... رأيناه وحيداً ومنهزماً ... مثل فأرٍ فر أمامنا تاركاً قلاعه ودهاليزه السرية ... تاركا فينا زمناً باهتاً لا طعم فيه سوى طعم الهزيمة والندوب ومثل مثير راح يبحث عن آثار للظلمة كي يدفن نفسه فيه ..

حسن الغبيني








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. صباح العربية | بينها اللغة العربية.. رواتب خيالية لمتقني هذه


.. أغاني اليوم بموسيقى الزمن الجميل.. -صباح العربية- يلتقي فرقة




.. مت فى 10 أيام.. قصة زواج الفنان أحمد عبد الوهاب من ابنة صبحى


.. الفنانة ميار الببلاوي تنهار خلال بث مباشر بعد اتهامات داعية




.. كلمة -وقفة-.. زلة لسان جديدة لبايدن على المسرح