الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حدث في قطار آخن -25-

علي دريوسي

2015 / 12 / 31
الادب والفن


سحب أحمد هواء من قِنّينة السعادة، فاحت الرائحة، كَوَّرَ شفتيه، نفث الدُخّان بتواتر زمني قصير على شكل خطوطٍ مستقيمة متوازية تعلو بعضها البعض، تداخلت الخطوط، شكّلَت مستوياً يشبه متوازي أضلاع بزوايا حادة ومنفرجة، طار المستوي، بحث في الفضاء عن حالات تقاطع وتزاوح، شَّمّ رائحةَ اشتياق آتية من مخروطيّ دُخّان في رحلة بحثهما عن حالة عناق ثم اختراق، مخروطين أبدعتهما تَكْويرات شفاه الشرطية والممرضة، لامسَ المتوازي مخروط الممرضة بحنان، دخل فيه، قطعه برفق، فرح مخروطها، اِغْتَمَّ مخروط الشرطية، حالة الحب مع مخروط الممرضة بعثت في نفسه الحُزْن، اِضْمَحَلَّ وانحلَّ شيئاً فشيئاً حتى تلاشى، أخذت الشرطية نفس كوكايين أعمق، نفخت من فمها عطرَ سعادة باتجاه وجه الضابط، قرأ المستوي رسالة الغَضَب والغَيْظ، قرأ فيها عن حاجة مخروطها لحالة اختراق ثم عناق، رائحته حركت مشاعره، مال إليه، دخل فيه، اخترقه، قطعه ثم عانقه... أما أنتَ أيها المستوي إذا ذهبتَ إلى البحر، إلى النهر، إلى السباحة البيولوجية، إذا تورطت في العشق بين أمواج الكوكايين، فلا تقل: مخروطها في قلبي، بل قل: أنا في قلب المخروط.


- إن التداخل والتقاطع الحضاري الثقافي في المجتمعات التي تتبّنى هذه السياسة، هو فرصة حقيقية لمواطنيها وكل من يسكن فيها من أجل تعلم الحب والجنس والديمقراطية والاندماج طويل الأمد أيضاً. قالت سابينه.
- هل قرأتما شيئاً للمهندس الشاعر الألماني كورد لاسفيتس؟ سأل أحمد.
- لم أسمع به.
- وأنا أيضاً لم أسمع به من قبل. أضافت هنيلوري.
- ما الذي خطر على ذهنك في هذا الوقت؟ سألت سابينه.
- ذَكّرَتني به مخروطات الدُخَّان! كنتُ قد قرأتُ له قبل أيام نصاً هندسياً شعرياً بامتياز، تحت عنوان "القصة المحزنة للمخروطات الغيورة"، كتبه في عام 1900... لقد أعجبني النص جداً رغم درجة تعقيده، لذلك قمتُ بترجمته إلى لغتي الأم، كي لا أنساه.
- شَوقتّني، ما هي فكرة النص؟ سألت هنيلوري.


ذات مرة مخروطان هندسيان،
أحبّا بعضهما حباً أخوياً،
جلسا على المحور نفسه،
قبّلا بعضهما في الرأس،
نقطة اِلتقائهما.

فجأةً، جاء مستوي،
أملس كما المستويات كلها،
طائراً بسرعة البرق،
فسحبه أحدهما إلى جانبه.

موازياً لجانبٍ من المخروط،
تمدّد المستوي بحنان،
فرحَ المخروط المرح
لولادة قطع مكافئ.

للأسف،
بدا الأمر للمخروط المُطلَّق مدعاة للتفكير والشك،
أوه! المستوي العزيز لن يقطعه أبداً.

كَلّمه بمُداهنة: أوه، تعال إلى ذراعي يا مستوي!
أَمِلْ لجانبي أيها الغالي المغناج!
سطحي المخروطي لين ودافئ.

طَرُبَ المستوي لسماعه الكلمات الحلوة،
أصيب ببعض الغرور،
فَكرَ لبرهة، ولما لا؟
ولادة قطع زائد ستجعل الحالة ألطف على نحو مضاعف.

قطع المستوي المخروطين كليهما على حد سواء،
دامت حالة القطع لحظات قصيرة...
ثم ما لبثت الغيرة أن جرّت الأخوين الملتهبين إلى النزاع.

ضغطا بعنفٍ على محورهما،
تهاوى الرأس المشترك بينهما،
وعلى حافة المستوي المخدوع تمزقا بفظاعة.

صرخ المستوي: أنا البائس، أنا الروح التعيسة!
بالغتما بتدويري كثيراََ،
بالغتما بفتلي،
ها أنا أتغير إلى شكل قطع ناقص!
ذلك المتناهي،
أجده في منتهى الغباء.

لم يرغب المخروطان سماع آهات المستوي واستجداءاته،
سحباه، شدْاه إلى المنتصف،
حتى صار المقطع أصغر فأصغر.

في زخم غضب المخروطين،
انبثقت آهة ألم كعواء،
وصل المستوي إلى نقطة الرأس،
مرّ منها، فجأة،
انتهت عمليات القطع.

انفصل سطحا المخروطين الممزقين عن بعضهما للأبد،
ذَبُلت نقطة الرأس المشترك...
هكذا كانت النهاية المروعة للمخروطين.



- لستُ جاهلة بالرياضيات. هل قلت شيئاً يا أحمد؟ لم أفهم من هذا النص سوى محطة قطار وسرقة حقيبة فقط! أليس لديك ما هو أسهل للتسلية في هذا المساء. قالت سابينه.
- ماذا تقصدين بمحطة قطار وسرقة حقيبة سفر؟
- أقصد، بأني لم أفهم شيئاً.
- لماذا تقولين محطة قطار إذنْ؟
- أتعبتني يا رجل! دعنا نمضي هذه الساعات بسلامٍ دون نقاشات شرقية.
- أعدكِ بهذا، لكن اشرحي لي من فضلك مغزى قولكِ!
- أنت تتكلم أكثر من هابي كيركيلينغ.
- ومن يكون السيد كيركيلينغ؟
- من يعيش عندنا، هنا في ألمانيا، ينبغي عليه أن يعرف من يكون الكوميدي اللامع والممثل الألماني هابي كيركيلينغ!
- هل يشعر الكوميديون بالراحة في برامجهم التلفزيونية؟ لا أعتقد... عودي إلى الموضوع من فضلك ووَضِّحي لي المغزى!

- سأشرح لكَ، شريطة أن تلبي إحدى رغباتي.
- موافقٌ على تنفيذ كل رغباتك ودون شروط.
- إنه فقط تعبير اِصطلاحي... ويعني: قل ما تريد، اشرح بقدر ما تريد... أنا لا أريد أن أَفْهَمَكَ.
- هل تحاولين إغضابي؟ قال أحمد وعيناه جاحظتان.
- كن صبوراً يا سيادة الضابط. أصل العبارة غير واضح تماماً، في عام 1923 استخدم النائب البرلماني والنقابي إميل هيللَين، من الحزب الشيوعي في ألمانيا الذي تأسس في عام 1918، في إحدى الجلسات العامة الوحدة العبارية التالية: "... نعم، حضراتكم لا تريدون أن تسمعوا شيئاً، عندما يأتي الحديث عن مثل هذه الأمور، لأنكم تسمعون حينئذ دائماً: محطة قطار."
- جميل! قال أحمد مدهوشاً.

- فيما بعد ورد استخدام هذه العبارات مكتوبةً في روايات هانز فالادا، في العقد الرابع من القرن العشرين، مثلاً في كتابه "ذئب بين الذئاب":
"هل قلت شيئاً؟ أنا أفهم دائماً محطة قطار."
- بعضهم يقول: أنا أفهم دائماً فقط بطاطا مقلية. تدخلت هنيلوري ضاحكة.
- ما المغزى من محطة قطار؟
- الشخص المنشغل في سفرته التي تبدأ من محطة قطار كنقطة انطلاق للرحلة، لا يستطيع أن يفكر في أي شيء آخر وليس لديه القدرة على الإصغاء بتركيز. كما خَمَّنَ كونراد دودِن في قاموسه الشهير والشامل للغة الألمانية. أوضحت سابينه.
- غالباً ما تصير محطة القطار رمزاً للإجازة والراحة وزيارة بيت العائلة وخاصة بالنسبة للجنود الذين أنهكتهم الحرب. أضافت هنيلوري.
- هل فهمت يا أحمد؟ سألتا بصوت واحد.
- شكراً لكما، لقد تعلمت شيئاً جديداً.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فيلم الممر مميز ليه وعمل طفرة في صناعة السينما؟.. المؤرخ ال


.. بكاء الشاعر جمال بخيت وهو يروي حكاية ملهمة تجمع بين العسكرية




.. شوف الناقدة الفنية ماجدة موريس قالت إيه عن فيلم حكايات الغري


.. الشاعر محمد العسيري: -عدى النهار- كانت أكتر أغنية منتشرة بعد




.. تفاصيل هتعرفها لأول مرة عن أغنية -أنا على الربابة بغني- مع ا