الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ليبيا.. أسباب الفشل ومسار التصحيح..

محمد عبعوب

2015 / 12 / 31
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي


مبدئيا ولوضع أيدينا على الأسباب الفعلية للفشل الذي وصلت له ليبيا بعد مضي خمس سنوات على تغيير 17 فبراير 2011، يجب علينا أن نضع جانبا مشجب النظام السابق وما رسخه في عقلية الليبيين على مدى أزيد من أربعة عقود من أخلاقيات هدامة وثقافة عدمية لا نشك في دورها في ما آلت له البلاد من تفكك وانهيار، ولكن لا يجب أن نتجاهل دورنا كليبيين ، نخبة ومواطنين في تنفيذ وإدارة عمليات الهدم الممنهجة للدولة الليبية والوصول بها الى حافة الانهيار الكامل التي باتت على قاب قوسين أو أدنى منها.
لا يختلف عاقلان على أن برلماني طبرق الفاشل، و ريكسوس المنتهية ولايته والذي دخل مرحلة التمرد مستقويا بمليشيات مناطقية خارجة عن الشرعية، لا يختلف عاقلان على أنهما المسئولان الرئيسيان بالدرجة الأولى عن هذا الوضع الكارثي الذي وصلت له البلاد بعد مضي خمس سنوات تقريبا على توليهما السلطة التشريعية في البلاد والوصول بها إلى حالة الانقسام الراهنة، وذلك بتخليهما الواضح عن المهمة الرئيسية التي انتخبهما الشعب للقيام بها وهي إعادة بناء الدولة الليبية على أسس قوية وسليمة تضمن الخروج بالبلاد من أزمتها الناتجة عن مجريات صراع 2011م التي قوضت النظام السابق، وانهماكهما في صراعات سياسية وقبائلية وعرقية وجهوية وحتى فردية مدمرة أخذت كل وقتهم وحولتهم من نواب للشعب الليبي إلى نواب لأحزاب فضفاضة لا تربطها بالوطن أي صلة ومرتهنة بالكامل لقوى أجنبية، ولقبائل وأعراق و جهويات متخلفة تختزل الوطن في مصالحها الضيقة.
ولكن السؤال المهم الذي يطرح نفسه هنا، هو : ما هي أسباب فشل البرلمانين المذكورين في إنقاذ ليبيا من الانهيار و وضعها على مسار إعادة البناء؟ طبعا لابد من التذكير بأنني لا أبرئ النظام السابق من المسؤولية عن جزء مهم من هذا الانهيار، كما لا أتجاهل غياب وتغييب جزء مهم من الليبيين عن المشاركة في انتخاب هاتين المؤسستين سواء بتهجيرهم خارج مناطقهم سواء في الداخل او الخارج ، أو منعهم من اختيار مؤسسات بقناعاتهم لتمثيلهم في هذا السباق الذي تعد حرية الاختيار قاعدته الأساسية .. ولكن هناك أسباب أخرى مهمة لابد من التطرق لها باعتبارها هي الأسباب التي يمكن التعامل معها وتصحيح وقائعها بما يضمن تصحيح مسار إعادة البناء.
لا يشك مراقب في أن أعضاء البرلمانين المشار إليهما قد انتخبا بطريقة سليمة عبر صناديق الاقتراع، وشهد العالم كمنظمات دولية شاركت في مراقبة انتخابهما على سلامة العملية الانتخابية وخلوها من أية شوائب قد تسبب في الطعن في سلامتها، هذه الشهادة التي تقتصر على مراقبة مجريات العملية الانتخابية دون أن تنظر في أبعادها وخلفيات مجرياتها، قد تعطي انطباعا للمراقب بأن الخلل ليس في المؤسستين التشريعيتين، ولكن في جهة أخرى.. وهنا يجب علينا أن نحلل وندقق في الخلفيات الثقافية والسياسية للأوساط التي أنتجت لنا هاتين المؤسستين الفاشلتين، أي الشعب الذي انتخبهما، وهي الجهة التي عادة ما نتجاهلها ونقفز عليها بحثا عن مشاجب ولو وهمية لنعلق عليها أسباب فشلنا وهو ما أبقانا ندور في حلقة مفرغة ونعجز عن تلمس الطريق الصحيح للخروج من الأزمة.
يجب أن نعترف بأن الناخب الليبي في ذلك اليوم الذي وقف فيه أمام صندوق الاقتراع، وهو مثقل بثقافة التقوقع على الذات التي ترسخت في وعيه على مدى اربعة عقود مضت، لم تحتل ليبيا كوطن في وجدانه المرتبة الأولى، وسيطرت مشاعر الولاء للقبيلة او الجهة او العرق أو حتى الأسرة على وعيه، بل إن بعض الأطياف كانت معبأة عرقيا وجهويا بأفكار وقناعات تتجاوز ليبيا كوطن للجميع ولا تعترف بالمخالفين لها عرقيا او جهويا كشركاء في هذا الوطن!!.. وناخب بهذه القناعات المتقوقعة على الذات، المتجاهلة للوطن ترى أي نوعية من النواب سيختار لإدارة هذه المرحلة الخطيرة من تاريخ البلاد؟!!
لمحاولة إنقاذ ليبيا من المصير الذي تدفع له اليوم بتخطيط أجنبي وأيدي ليبية متآمرة مع الأجنبي والذي ينذر بزوالها كدولة وتشظيها الى كيانات قزميه مناطقية وقبلية و عرقية، ومن أجل وضعها على المسار الصحيح الذي يمكن أن ينقذها من هذا المصير المدمر، يجب علينا أولا الاعتراف كمواطنين بجزء مهم من المسؤولية عما وصلت له البلاد من خلال خياراتنا الخاطئة التي على أساسها انتخبنا المؤسستين التشريعيتين الفاشلتين، وأن نستخلص الدروس المفيدة من هذه الأخطاء الجسيمة وأن نعيد ترتيب أفكارنا ومفاهيمنا للوطن، وأن نتخلى عن هذه النظرة القاصرة والأنانية التي أنتجت لنا هذه المأساة.. علينا أن نتعامل مع هذه المخاطر بواقعية ملتزمة تحترم خيار المسار الديمقراطي الذي انتفضنا من أجله، وأن لا نعول على تدخلات القوى الأجنبية والمؤسسات الدولة التي أصبحت تتاجر علنا وبكل وقاحة بقضايا الشعوب ومصيرها، ولنا في دورها المدمر في كل من أفغانستان والعراق والصومال واليمن وسوريا أوضح مثال. يجب علينا أمام هذه الواقع المفجع والمخيف أن نضع بناء ليبيا كوطن يجمع كل الأطياف والتوجهات نصب أعيننا، وأن نتوقف عن السير في هذا الطريق الخطير.
إن الحلول الملغومة التي تسوق لنا من الخارج وتحديدا من القوى التي كان لها دورا محوريا في تفاقم المأساة الليبية ، يجب ألا ننساق وراءها بثقة عمياء، وأن نعي أن الحلول المستوردة مهما صدقت نوايا مدبجيها فهي لا تراعي الجذور العميقة لأزمتنا وتتعامل مع مظاهرها فقط، وأن نعي أن جزءا مهما من هذه الحلول وضعت لخدمة مصالح قوى أجنبية وعلى حساب استقرارنا ومصالحنا.. لقد حان الوقت أيها الليبيون ، بل فات منه الكثير، لمحاسبة الذات وتصحيح الأخطاء و مراجعة أنفسنا والإسراع بتصحيح مسارنا والعمل بروح وطنية وتفان لإنقاذ ما تبقى من هذا الوطن لضمان مستقبل أبنائنا الذين سيذكروننا بما نتركه لهم؛ فكونوا حريصين على أن يذكركم أبناءكم بكل خير، وألا يلعنوكم بخطايا يدينكم بها الله يوم الحساب قبل أن يدينوكم هم بها في الدنيا..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. قتلة مخدّرون أم حراس للعدالة؟.. الحشاشين وأسرار أول تنظيم لل


.. وكالة رويترز: قطر تدرس مستقبل المكتب السياسي لحركة حماس في أ




.. أوكرانيا تستهدف القرم.. كيف غيّرت الصواريخ معادلة الحرب؟| #ا


.. وصول وفدين من حماس وقطر إلى القاهرة سعيا لاستكمال المفاوضات




.. نشرة إيجاز بلغة الإشارة - وفد من حماس يصل إلى القاهرة لاستكم