الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مؤتمر لندن و تعقيدات الواقع

ناجي عقراوي

2003 / 1 / 20
اخر الاخبار, المقالات والبيانات


                                                                                                 
                                                                     
      
قبل الخوض في موضوع النقد الموجه إلى بعض أطراف المعارضة العراقية ، و الذي وصل إلى حد التشهير و الطعن والإسقاط و التخوين ، دون مراعاة البعض لأصول و قواعد النقد الذي يراد به البناء لا الهدم ، لا بد من القول بأن التاريخ لا يصنع من فراغ  لكنه يكتب ويسجل بأيدي الفاعلين و العاملين ، ولا بد أن تعترف أطراف المعارضة العراقية من أن النظام العراقي الحالي قد جعل من الأزمة العراقية مسالة دولية تدخلت فيها عناصر أجنبية ، فأن أي غياب للمعارضة   العراقية يؤدي إلى فراغ سياسي ، ويعتبر هذا الغياب العراقي بمثابة الكارثة لمستقبل العراق ، و تبين من خلال السجال الذي حصل على هامش المؤتمر في لندن وما بعده ، عدم استيعاب البعض تأثير العامل الدولي في القضية العراقية المتشنجة منذ عقود ، و آخرين بالغوا في مدى تأثيرهم وحجمهم ، ومن هذين التصورين ظهر بعض المنتقدين لمؤتمر المعارضة العراقية كأنهم متخصصون في المزايدة ، و حاولوا زراعة الخيبة من العمل المعارض في نفوس الذين يعانون الإحباط ، بحيث لا يستطيع أحد التكلم عن النواحي الإيجابية للقرارات المؤتمر ، و المغالطات كانت واضحة في بعض الكتابات إلى حد التشويه ، في حين كانت المناقشات التي جرت في أروقة المؤتمر لم تكن صراعات اثنيه أو دينية وان بدت  كذلك ، بل كانت ترجع لعوامل معقدة و لأحداث مرت على العراقيين خلال عمر الدولة العراقية ، و هي دلالة أيضا بان المعارضة العراقية ليست كتلة صماء ، لذا يعتبر اجتماع لندن و نتائجها في نظر الكثيرين بأنه كان مؤتمر للمكاشفة و المصارحة ، وفي نظر اكثر المحللين اعتبر المؤتمر حدث تاريخي لأنه انعقد في ظروف معقدة و وسط متغيرات و تحولات واسعة و عميقة تنتظر العراق و المنطقة ، والعالم حولنا يتعين التعامل معه تأثيرا فيه و تأثرا به بأساليب إيجابية متناسبة ، و بالتالي  المؤتمر يعتبر إضافة متجددة إلى رصيد الحركة الوطنية العراقية .
من الطبيعي أن يعتقد البعض بان مؤتمر لندن لم يكن شاملا و كاملا وهذا هو نصف الكأس الفارغ ، و لكن لا نستطيع أن نقول  بأن مؤتمر لندن كان فاشلا بل كان موفقا إلى حد ما ، ونتائجها مقبولة في نظر البعض الآخر و إن كانت متواضعة  ، و هي  بالتالي من إفرازات  تعقيدات القضية العراقية ، ويجب أن نعترف بان في مؤتمر واحد لا يمكن وضع حلول نهائية للازمة العراقية ، إلا أن هذه القرارات  كانت رؤية واضحة و مهمة جدا لتحسين شروط الحلول .
نعم توجد اختلافات في وجهات النظر بين أطراف المعارضة العراقية ، و كذلك توجد اجتهادات لبعض فصائل المعارضة قد تصل إلى درجة الخلاف ، من المؤكد بان هذه الاختلافات و الخلافات رغم كل الظروف تحتاج إلى التفاهم و إلى اتفاق جدي  بين فصائل المعارضة العراقية ، فعلى جميع الأطراف التحرك بطريقة إيجابية و محكمة و حقيقية ، للوصول إلى قرارات عملية بعيدة عن الصياغة الإنشائية ، لأنه ليس من المصلحة أن يقال هذا الطرف أو ذاك ، لكون الخسارة سوف تطال الجميع بلا استثناء و ليس الطرف المقيل أو المبعد فقط .
كتبت في جريدة الزمان الغراء عدد 1396 في 3/1/2003 مقالة بعنوان ( العراق في قلب العاصفة ) ذكرت فيها تشرذم المعارضة وضرورة توحيد صفوفها و تمنيت أن تحصل اجتماعات المعارضة العراقية على الإجماع المطلوب ، انتقاد  البناء للمعارضة أو لبعض أطرافها أو لقراراتها هو حق طبيعي لكل عراقي لإبداء رأيه و وجهة نظره .
الوطنيون العراقيون الذين انتقدوا بعض قرارات مؤتمر لندن بأسلوب عملي و علمي ، بعيدا عن التشنج و الإسقاط  و التخوين ، كان بسبب مخاوفهم و لا سيما مرت عليهم ممارسات ظالمة من قبل سلطة القتل و الجهل ، ومنهم من اجتهد اكثر و اعتبروا نتائج المؤتمر  و طريقة انعقاده لم تكن بالمستوى المطلوب حسب نظرهم ، و استفسر البعض على أي أساس بنيت قرارات المؤتمر ، ومنهم من قال بان لديه مآخذ على أعضاء اللجنة لان بعضهم كان يتصرف بما يشبه التعالي و تجاهل الآخرين .
مع كل ما تردد عن أعضاء اللجنة التحضيرية ، هناك حقيقة يجب أن لا نتجاهلها من أن أعضاء اللجنة هم بشر ، و الإنسان حينما يجتهد قد يصيب أو يخطئ و خاصة في مثل هذه  الظروف الصعبة  التي تمر بها الفسيفساء العراقية ، و لم يقل أحد بان  هؤلاء الاخوة هم من صنف الملائكة ، و لا يجوز أن ننسى وطنية هؤلاء  و تاريخهم في مقارعة الديكتاتورية ، عملوا بهمة و نشاط  و اجتهدوا و وصلوا إلى هذه الاستنتاجات ، و لتسارع الأحداث و لضيق الوقت لم يكن أمام  أعضاء اللجنة التحضيرية الوقت الكافي لأجراء حسابات طويلة و معقدة ، و لم ينظر البعض منهم إلى الوراء بتركيز أعم متصورين من أن ذلك يدخلهم في متاهات معقدة قد يؤدي إلى ربط المستقبل بأغلال الماضي ، فيكون من الطبيعي أن تصدر بعض ردود الفعل المتباينة هنا و هناك ، و كما ذكرنا من حق العراقيين تقليب الأمور على جنبيه ، وهو شئ مطلوب و مرغوب للوصول بالحوار البناء إلى شاطئ الأمان ، و ليس من حق أحد أن يرفض النقد و وجهات النظر المخالفة لرأي الآخرين .
كان درجة حدة المنتقدين متباينة و مختلفة ، فمنهم من صور الأمر كأن التواجد في محل انعقاد المؤتمر بأنه تواجد في مكان غير لائق ، يعاقب على التواجد فيه و حتى إن كان مجرد تواجد ، و البعض الآخر شارك في المؤتمر و لكنهم حينما  شعروا  بان فرصتهم اقل من فرصة كسب اليانصيب انسحبوا ، ومن ذهب خرج البعض دون ضجيج ،  ومنهم من احدث ضجيجا و صخبا و هاجموا المؤتمر ، ومن ثم ارتفعت أصوات أخرى كانت خامدة عندما كان إعلام النظام يمرمط  سمعة المعارضة العراقية في الرغام ، أعربوا عن جزعهم كأن المعارضة العراقية ( اللجنة السداسية ) تنوي ذبح معارضيها ، هنا يمكن تقبل بعض هذه الآراء ومناقشتها ، و لكن ليس من المنطق تقبل المحاولات المستميتة من قبل البعض و العمل على تلويث سمعة هذا الطرف أو ذاك ، الذي يراد منه إضعاف الروح المعنوية لبعض أطراف المعارضة  وإحداث خلل لا يستفيد منه سوى النظام العراقي و المحسوبين عليه و خاصة حينما يجري تغييب الصالح العام  ، و مع الأسف قام البعض الآخر بنحر أشخاص في المعارضة العراقية و جرى التركيز عليهم محاولين تلويثهم و اغتيالهم سياسيا و بثوا إشعاعات و تلفيقات يهدفون منها تصفية حسابات أو التنفيس عن أحقاد مكبوتة ، و الدليل هذا الطوفان من الافتراءات و الطعن و التشهير  و التخوين  و الإسقاط ، هؤلاء الذين يتصاعد بين ثناياهم دخان خانق يكتم الأنفاس ، و هذا التربص في الظلام أسلوب لصيق الصلة بأسلوب النظام  .
هناك أيضا البعض ممن ينتقد كأنه قوة مسيطرة و أن من حقه فرض وجوده و ذلك عن طريق تزييف الحقائق و الوقائع و المعايشة  جاعلا من عملية المعارضة  كأنها  مهنة أو حرفة في حين المعروف عن  العمل المعارض بأنه مواقف  جدية  و سليمة ضمن الواقع ، و نجد من كتابات هؤلاء صلة وثيقة تجمع بين المعلومات التي يطرحونها ، كأن الهدم و التشهير و الطعن و الإسقاط و التخوين اصبح بالنسبة لهم موديلا ، مع الأسف اصبح البعض من المنتقدين مثل المريض الذي حار فيه الأطباء و لا تجدي معه محاولات العلاج .
الفعل و العمل المعارض و كذلك أطراف المعارضة العراقية مسؤولة أمام الوطنيين الحقيقيين و أمام الشعب العراقي ، وليس أمام كل طاعن و قاذف حيث تهيأ له لمجرد أنه كتب أو كذب ، و إلا سوف يصبح الحكم في وطنية الناس  في يد القاذفين و المفترين و أصحاب الأهواء من الطاعنين.
أما العرب و العجم من الذين يهاجمون المعارضة العراقية ، و الذين كانوا و لازالوا يسكتون عن ممارسات النظام العراقي حينما يذبح و يقتل و يدمر المباني على من فيها من الساكنين دون تمييز ، هؤلاء التجار المرتزقة  باسم الحرص على العراق  و شعبه يصطفون مع النظام العراقي ، من هنا يبرز الشك في بواعث حملتهم التي لم و لن تكن لمصلحة العراقيين أرضا و شعبا لأن الواقع يكذبهم .
نقول لكل المنتقدين من الذين يرفعون راية التشهير و الطعن ضد المعارضة العراقية ، بأن محاولاتهم لا تجدي نفعا و لا يستطيعون إقناع أحد بطروحاتهم الخبيثة و اللئيمة ، و لا يستطيعون تشويه صورة الوطنيين العراقيين .
ليتوقف خفافيش الظلام عن امتصاص دماء الشرفاء ، و نقول لهم جميعا لن يبقى في النهاية إلا ما ينفع الناس في الأرض .

نشرت في جريدة المؤتمر الغراء عدد  334 في 17 – 23 / 1 / 2003
 








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. لماذا لم تتراجع شعبية ترامب رغم الإدانة؟| #أميركا_اليوم


.. 10 شهداء بينهم أطفال وعدد من الإصابات في قصف استهدف منطقة رم




.. بن غفير: الصفقة تعني التخلي عن تدمير حماس فإذا ذهب نتنياهو ب


.. تشويه لوحة فرنسية شهيرة بسبب التقاعس بمواجهة التغير المناخي




.. تظاهرة في مدينة بينغول التركية دعماً لفلسطين وغزة