الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حدث في قطار آخن -26-

علي دريوسي

2016 / 1 / 2
الادب والفن


- والآن جاء دورك يا أحمد لتفي بوعدك.
- أنا جاهز.
- أريد أن أرى كيف تنفخ سعادتك في فم الشرطية.
- سأفعل ما تشائين، فأنا أثقُ بكِ بدون سبب، أشعر بقوة عجيبة لم أشعر بها من قبل، أحتاج فقط إلى قطعة شوكولاه.
- خذ ما ترغب واعطنا ما نرغب... هذه مذاقها طيب! لا تمضغها، دعها تسيل في فمك. قالت سابيته ثم ناولته قطعة شوكولاه.
- اخلع ملابسك يا أحمد، صار الطقس حاراً.
- لا تتَلَكّأ طويلاً في خلعها حتى لا تصير غريباً عن الغوص في أعماق النساء.

فَكَّ أَزْرَارَ سُتْرَته، لامست أصابعه عضلات صدره المشدودة، تذكر الكلمات التي قرأتها صديقةُ زميلتهِ في الجامعة بعد أن وزعتها مكتوبةً على الحضور...


بلاطة سطح جسده الرخّامي تشبه أرضية منزلها!
تلك المغطاة بألواحِ خشبِ "باركيه" طبيعي،
بجودةٍ عالية،
مزودة بنظامِ تدفئةٍ تحت أرضية.
بعض مساحات جسده حارّة،
حَمِيمِيَّة تنِزّ الحب كَباركيه غرفة جلوسها،
مساحات دافئة برائحة ماضٍ غريب،
كرائحةِ معجناتِ مطبخها الشهية
كضحكاتِ أولادٍ في يومِ عيدٍ ريفي.
بعض جسده أقل دفئاً كَباركيه غرفةِ حمّامها،
مساحات برائحةِ عطرٍ،
كرائحةِ صابونها وشامبو شعرها.
بعضها الآخر بارد ولطيف
كسطحِ أريكةِ البَلْكون تنتظرهُ كل مساء،
مساحات برائحةِ نهرٍ،
كرائحةِ النَّهْرِ الجاري أمام المنزل،
تحت شُرْفَتها.

هذه كانت بداية خطاب المرأة الشقراء الحزينة في ساحة المدينة، عندما حلّ دورها لرثاء حبيبها الأفريقي، الهارب إليها من بلاد الحرب، الذي زارها مرةً واحدةً، الذي غرق صباح يومٍ، على متن قارب موت مع مئتين من الهاربين من دمار المدن، يبحثون جميعهم عن وطنٍ بديل!



- يا الله ما أجمل جسدك يا أحمد، وما أطيب رائحته؟
- الجمال لله وحده فقط يا هنيلوري!
- لم أره لأصدقك... لكنني رأيتُ جمالاً، جسدك على سبيل المثال!
- يقولون في القانون أنّ شاهد الإثبات مُقدّم على شاهد النفي والإنكار، إذا أنتَ قلت على سبيل المثال، لم أشاهده، فهذا لا يعني أنه ليس جميلاً... قد يكون غيرك قد شاهده، وبهذا يكون التقصير فيّك أنت! أما إذا قال غيرك: أنه شاهده جميلاً... فهو دليل حقيقي وقطعي على جماله فعلاً...
- دعنا هذا المساء دون الله والفلسفة والقانون كما وعدتَ، وكي لا أُغضب شرقيتك، كي لا تتهمني وتتهم هنيلوري بالكفر، سأقول لك ما كتبه الألماني كارل فريدريش ماي في روايته "الأرض وأمير الجن"!
- ما الذي قاله هذا الرجل؟
- "الله محبة، ومن يبقى في المحبة، يبقى في الله والله فيه".
- أنا احترم فكرة الله! بدأتُ أحب هنيلوري، لكنني أحبك وأشتهيك أكثر بكثير ممّا أحب الأطفال الرضّع في عمر الزهور، في عمر الساعة الأولى وبضعة دقائق، حتى عمر "35039" ساعة وبضعة دقائق! فقط حين لا يمرضون ولا يبكون، فقط حين ينامون الليل بطولهِ ولا يرضعون، فقط حين تبقى ثيابهم نظيفة! أحبّك أكثر بكثير ممّا أحب الأطفال الرضّع حين ينظرون، يندهشون، يبتسمون وحين يناغون...


الذي يزيد من عذابي أنه لا يوجد في حياتي أي شيء جميل يعوضني ويلهيني عن التفكير بكِ، حياتي مملة ورتيبة جداً، نفسيتي متوترة ، لا شيء يعجبني، كل ما حولي تافه وتعيس، لا تفكري في كل هذا، اعتبريه مجرد فشة خلق.
تُربكني اِمرأة غنية وأنيقة وشهية مثلك، أنا الرجلُ الذي عادةً لا تربكه النساء! تحيرني، تدهشني وتُشنّجني، أرسمُ بين يديها خريطة جسدي وأغرق في دنياها، في وجهها وبين نهديها، في سجائرها وأنفاسها...
يا لحقيبتها الحمراء التي تلوعني كل مساء! يا لشفتيها باللون الأحمر!

من هو الأحمق الذي تفزلك: في الليل، عندما تُطفئ الأنوار تتشابه جميع النساء! من أين أتيت أيتها المرأة؟ ماذا تريدين؟ من فضلك كوني معي كالأَرْض الوَاسِعَة الطيبة، لا تَكُوني كالأَرْض الْمُضِلَّة الْمُهْلِكَة، كيْ أحبك أكثر، من خلالك أرى صوراً أخرى للحياة، ما الذي جعلك تختلفين عن تلك المرأة "فهيمة"، ما أسهل أن ينتصر الرجال على النساء العاديات مثل فهيمة! نساءٌ بلا فراشات أو فرح في الحدقات، ما أسهل أن تنسى ممراتهن، معابرهن، ما أسهل أن تكسب معاركهن في كل الساحات! ضَيَّعْتِني يا اِمرأة أو تكادين، يا ليتك ضِعتِ بي، سَيحاسبكِ التاريخُ يوماً!


أهلكهم الفقر، هبط المساء، عاد من عمله في ورشات البناء، وصل البيت، ماتت الكهرباء، لعن الظلام، سَبّ الرئيس، ذهب إلى خمّارة شيخ رويش، شرب حتى انتّشى، رجع إلى الأولاد وأمهم "فهيمة"، جلس مهموماً في غرفة الجلوس البسيطة، داعب ذقنه الطويلة وقططه، عاشت الكهرباء، شتم الكبير، شغل جهاز تلفزيون سيرونكس، اختفت الصورة، حدثت الخشّة، سمع صوت انفجار قذيفة! بكى الأولاد، تضاعفت كآبته، جنّ جنونه، أم الأولاد فهيمة تنشر الغسيل على السطح والريح تلعب بفستانها...
صرخ بأعلى صوته: يا فهيمة... يا فهيمممممة، دون صدى.
صرخ مرة أخرى: يا بهيمة... يا بهيممممممة!
سمعته أم الأولاد، أجابت: شو حالك يا مقصوف الرقبة؟
ردّ: صحتُ بكِ فهيمة لم تسمعي! صحتُ بكِ بهيمة سرعان ما سمعت ندائي! هههههه، ضحكَ عالياً...
لعنته زوجته وسألته عمّا يرغب؟
قال: حتى الصورة ميتة! حَركي أنتيل التلفزيون، وجهيه إلى السرسكية، ضيعة أهلك، كي أرى وأسمع ما يحكي أهلك للناس عني!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فيلم الممر مميز ليه وعمل طفرة في صناعة السينما؟.. المؤرخ ال


.. بكاء الشاعر جمال بخيت وهو يروي حكاية ملهمة تجمع بين العسكرية




.. شوف الناقدة الفنية ماجدة موريس قالت إيه عن فيلم حكايات الغري


.. الشاعر محمد العسيري: -عدى النهار- كانت أكتر أغنية منتشرة بعد




.. تفاصيل هتعرفها لأول مرة عن أغنية -أنا على الربابة بغني- مع ا