الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


وداعاً لينين...ما جمعه الله وفرقه الأنسان

محمد يسري

2016 / 1 / 2
الادب والفن


لم يعد من السهل في تلك الايام ان تجد عمل سينمائي يستحق عناء مشاهدته، فما بالك وانت تبحث عن فيلم لمشاهدته وكتابة مقال نقدي عنه
هي مهمة صعبة اذن ... بل هي مهمة في غاية الصعوبة
وبينما انا واقع في حيرتي، لفت نظري عنوان فيلم ألماني قديم، هو فيلم Good Bye Lenin وترجمته بالعربية (وداعاً لينين)
هو فيلم كوميدي تراجيدي، صدر عام 2003م، من إخراج وتأليف ولفغانغ بيكر، وقد تم ترشيحه لعدد من الجوائز العالمية المهمة مثل جائزة الجولدن جلوب لأفضل فيلم أجنبي، وجائزة البافاتا لأفضل فيلم ناطق بلغة غير اللغة الإنجليزية
الفيلم يتناول فترة تاريخية صعبة في تاريخ الأمة الألمانية، واقصد بها الفترة التي سبقت توحيد المانيا الشرقية مع جارتها الغربية في عام 1990م
يطرح الفيلم سؤال مهم حول إذا كان من الممكن ان يفرق الأنسان ما يجمعه الله؟
حيث ترى العقيدة المسيحية ان الزواج وتكوين العائلة هو سر من اسرار الكنيسة الأساسية التي لا يمكن ان يتم نقضها بمعرفة الانسان من تلقاء نفسه، وتستند في ذلك الى ما ورد في الكتاب المقدس
(والمفروض أن يدوم هذا الرباط الزوجي رباط مقدس حتى الموت لان ما جمعه الله لا يفرقه إنسان) انجيل متى 6:19
فهل تستطيع الخلافات السياسية بين الدول والأيدولوجيات أن تفرق شمل العائلة وتفك عرى الرباط المقدس بين الزوجين؟
هذا هو السؤال الذي يحاول الفيلم ان يجاوب عليه
يتناول الفيلم الاوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية لأسرة من الطبقة المتوسطة في المانيا الشرقية، تمزق شمل هذه الاسرة في فترة مبكرة بعد ان غادر الاب الذي يعمل كطبيب الى المانيا الغربية بينما بقت الام مع طفليها في ظل ظروف عصيبة في بلدها الاشتراكية ذات التوجه الشيوعي.
وامام حالة الحصار والاختناق السياسي المفروض في المانيا الشرقية تعجز الام عن مواصلة روتين حياتها الطبيعي فتتعرض لازمة صحية نفسية ويتم احتجازها في المشفى لمدة ثمانية شهور كاملة، وعندما تخرج تقلب حياتها رأساً على عقب، وتصبح عضواً نشطاً ومؤيداً في الحزب الحاكم، وتندمج في كتابة رسائل دعم وتشجيع سياسات الحزب ولا تكتفي بذلك بل تقوم بتحفيظ الاطفال الصغار لأناشيد العدالة الاجتماعية واغاني طبقة البروليتاريا الكادحة.
وبعد عشر سنوات من الصراع بين الجارتين الشرقية والغربية، تتعالى الصيحات المطالبة بالإصلاح والتغيير في المانيا الشرقية، ويشترك الابن في تلك المظاهرات كغيره من الشباب الذين يبحثون عن الاصلاحات السياسية.
وفى احدى تلك المظاهرات الغاضبة، ترى الام ابنها يتم القبض عليه بواسطة السلطات الحكومية امام عينيها المذعورتين، فتنهار وتسقط في غيبوبة طويلة لا يستطيع الاطباء تحديد متى تفيق منها.
وفى خلال ثمانية أشهر تحدث الكثير من التغيرات السياسية في المانيا الشرقية، فتستقيل الحكومة الاشتراكية وينهار سور برلين ويتم السماح بالخروج للجارة الغربية دون قيد او شرط وتغزو المنتجات الالمانية الغربية والاوروبية والامريكية التي تتسم بالسمت الرأسمالي الاسواق التي لطالما اعتادت من قبل على المنتجات المحلية المغلفة بطابع التقشف والفقر.
فلأول مرة تعرف المانيا الشرقية مشروب الكوكاكولا الشهير، كما ان مطاعم الكنتاكي والهامبرجر والوجبات السريعة تأخذ مكانها المميز في شوارع المانيا الشرقية
وتتأثر الاسرة بتلك المظاهر كما تأثر باقي الالمان الشرقيين، فيعمل الابن في شركة مختصة في انظمة اطباق الاستقبال الفضائي التي فتحت حديثاً في المانيا الشرقية، بينما نجد اخته التي كانت تدرس في الجامعة قد تركت دراستها والتحقت بالعمل في أحد مطاعم الوجبات السريعة كما انها تعرفت على صديق وانتقل هذا الصديق ليعيش معها في بيتها على الطريقة الغربية.
وفجأة تستيقظ الام من غيبوبتها فيما يشبه المعجزة وينبه الاطباء على ابنائها بضرورة عدم تعريضها لأي صدمة او مفاجئة حتى لا تحدث لها انتكاسة مما قد يعرضها للموت.
وهنا يبدا دور الابن الذي يقوم بكل ما يمكنه ليخفي معالم المجتمع الجديد عن امه، فهو يغير ستائر المنزل الحديثة بالستائر القديمة التي اعتادت عليها امه ... ويجتهد في احضار عبوات قديمة مستعملة من نوع المخللات المحلي -والذي توقف انتاجه وتصنيعه -التى تفضلها امه ويضع فيها قطع المخلل المستورد من هولندا والذي غزا الاسواق الالمانية بعد هدم سور برلين
ويقوم كذلك بتسجيل حلقات فيديو من النشرة الاخبارية المحلية ويعرضها على جهاز الفيديو على كونها حلقات جديدة مباشرة
وفي عيد ميلاد امه، يجمع العديد من اصدقائها القدامى من ذوي التوجه الاشتراكي الذين اصابهم الاحباط والياس بعد حالة التغيير السياسي التي اصابت بلادهم...وكذلك يؤجر عدد من الاطفال لإنشاد الاغاني القديمة امام امه

كوميديا سوداء... ذلك اقل ما يمكن ان توصف به هذه المشاهد، فأنت لا تعرف إذا كان من المفترض بك ان تضحك على كل التناقضات التي تقع امامك بعفوية ودون قصد ام انه من الاجدر ان تبكي بحرقة على حال هؤلاء البشر الذين وجدوا أنفسهم على حين غرة على هامش الزمن وخارج التاريخ
وتصل تلك الكوميديا الى ذروتها عندما يعرض الابن بعض المشاهد المتلفزة على امه ويخبرها ان الالمان الغربيين يرحلون من بلادهم ويتجهون الى المانيا الشرقية وهم يطلبون اللجوء السياسي، فيكتسي عندها وجه الام الغارقة في احلام المثالية بالحزم وتقول لابنها يجب ان نشارك في مساعدتهم.
وتعتبر لقطة الفيلم الرئيسية والاهم، هي اللقطة التي تخرج فيها الام المريضة الى الشارع وتمشي هائمة على وجهها وهي تلاحظ تغير الكثير من معالم شوارع مدينتها القديمة
وبينما هي على حالها تدخل الى المشهد طائرة هليكوبتر تحمل النصف العلوي من التمثال الشهير للينين، ذلك التمثال الذي يشير فيه زعيم الثورة البلشفية بيده للعمال والفلاحين داعياً اياهم للقضاء على البرجوازية والرأسمالية المستغلة والوحشية
وفي لحظة يقف فيها الزمن او يكاد، تشاهد الام تمثال لينين ... تنظر اليه وينظر لها .... وما بين نظرات الاندهاش والخوف والذعر تعرف الام ان الزمن قد تغير وان لينين الذي كان الشيوعيون في شتى انحاء العالم يستمدون منه القوة والعزيمة والالهام، فانه الان ربما ينظر لها تمثاله نظرة مستعطفه اخيرة يطلب فيها منها النجدة والغوث قبل ان يلقى به بين جنبات بيت مهجور او في متحف قديم على أحسن تقدير.

تنهار الام بعد ذلك وتعود الى غيبوبتها بعد ان تخبر ابنائها ان ابوهم لم يتخلى عنهم وأنها هي التي خافت ان تنتقل بهم الى المانيا الغربية خوفاً من ان تقوم الحكومة الشرقية بالتعرض لطفليها.
يذهب الابن بعدها الى ابيه بعد ان يستقل سيارة اجرة يقودها مثله الأعلى ذلك الذي كان في يوم من الايام اول رائد فضاء في المانيا الشرقية، فقط لتستدير به الايام ويصبح مجرد سائق لسيارة اجرة في بلد لا يعترف بالموهبة او التميز
وفي مشهد حمل الكثير من المشاعر الجياشة الغير معتادة في الافلام الالمانية، يتعرف الاب على ابنه ... ويدور بينهما حوار قصير عميق
ويذهب الاب لزيارة زوجته السابقة التي كانت قد افاقت من غيبوبتها وعرفت جميع التغيرات السياسية التي حدثت فترة غيبوبتها الاولى
ويحاول الابن الذي لا يدري ان امه قد عرفت كل شيء، ان يضع نهاية مثالية وطوباوية يرضي بها امه ويساير بها الواقع المرير الذي قد لا يحتمله قلبها المريض فيصنع فيلم بمساعدة صديقه ورائد الفضاء السابق، حيث يتم الاعلان عن توحيد المانيا وانهيار سور برلين بعد الطلب المتزايد من الشعب الالماني الغربي الذي انهكته الرأسمالية المتوحشة واعياه الصراع الطبقي المستمر فقرر ان يلتجئ الى احضان الدولة الشيوعية وان يفر الى جنة الاشتراكية الشرقية
الابن يشاهد الفيلم وعيناه المتشككتان تتمنيان ان تصدق امه ما يدور امامها حتى تستطيع ان تساير الواقع القاسي...بينما تنظر الام اليه وعيناها تمتلئان بدموع الامتنان لابنها ودموع الحسرة على حياتها ودولتها واحلامها القديمة البالية
وبين النظرات التي تحمل الكثير من الرسائل المهمة ...تأتي نهاية الفيلم بوفاة الام وبطلبها ان يتم احراق جثتها ووضعها في صاروخ واطلاقه الى الفضاء ويتم تنفيذ وصيتها وسط حضور من اصدقائها وافراد عائلتها الصغيرة الذين اطرقوا برأسهم في حزن ورهبة، بينما كان الالمان شرقا وغربا يحتفلون بتتويجهم ببطولة كأس العالم لكرة القدم عام 1990 م معلنين بذلك انتهاء عصر الفرقة واندماجهم في كيان سياسي واحد وهو (المانيا الاتحادية).








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الفنانة هاجر السراج : حالة الزخم كانت كبيرة فى النسخة السابع


.. تعالوا نشوف رأي يوسف عثمان في فيلم رفعت عيني للسما




.. الوقوف دقيقة حداد على روح حسن يوسف ومصطفى فهمى بختام مهرجان


.. الفنانة القديرة لبلبة لسه فيها روح الطفلة?? | #معكم_منى_الشا




.. توزيع الجوائز علي الفائزون في ختام مهرجان الجونة السينمائى ب