الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الراحل الشيخ علي الشرقي شاعر المعاناة والحب والنهوض.-القسم الثاني.

جعفر المهاجر

2016 / 1 / 3
الادب والفن


الراحل الشيخ علي الشرقي شاعر المعاناة والحب والنهوض.
جعفر المهاجر.
القسم الثاني.
يمتاز شعر علي الشرقي بسلاسة العبارة وإشراقتها، وغزارة المعنى، وقوة الموسيقى، والخيال الخصب المتدفق كنبع عذب، يرافق ذلك الإلمام الواسع بأسرار اللغة العربية وبلاغتها وفنونها. وعندما يعالج موضوعاته شعريا لايمسها من الخارج فقط بل يغوص في أعماقها ليقدم تجربة ناضجة وبرؤية جديدة تدل على الأصالة والوعي والفهم العميق للوجود. وعندما يتطرق في شعره إلى التراث لايقف عنده موقف الناقل أو الناسخ دون أن يرفده بتجربته الشعورية والفكرية المتوقدة والمعاصرة لكي يقدمه للقارئ ومتذوق الشعر حيا نابضا عميق الدلالات , بعيد الأغوار . ففي قصيدته الجميلة المتوهجة (تحية بابل) يتناول فيها حضارة العراق العريقة بنفس فني له تأثير عميق في نفس المتلقي فهو إنسان عراقي وشاعر مرهف وأديب وباحث متفاعل مع تراث أمته إلى حد الانصهار. يعبرعن حزنه وشجنه لما آلت إليه تلك الحضارة العريقة التي بنتها أيد خلدها التأريخ وتعرف عليها العالم بأسره. وتعرضت إلى غزوات الطامعين البربرية التي سرقت معظم هذه الكنوزونقلتها خارج الوطن تحت مرأى ومسمع الحكام الغارقين في ملذاتهم وسباتهم وأهوائهم دون أن يحركوا ساكنا أو يهتز لهم جفن وهم يرون بأم أعينهم حضارة وطنهم تسرق وكأن الأمر لايعنيهم. ولكن رغم كل هذه النكبات والمحن فإن حضارة العراق ستبقى متوهجة الرؤى , ناصعة الجبين لأن كنوزها لاتقف عند حد مهما تكالب عليها الأعداء وحاولوا طمسها ستظل الوسام الذي يزين هام الوطن، ولم تتمكن أية قوة في الأرض أن تزور التأريخ والقيم الحضارية مهما بلغ عتوها وجبروتها وعداءها للشعوب. ويختار الأسد رمزا لتلك الحضارة الخالدة حيث يقول في قصيدته ( أسد بابل):
قد شجاني أسد في بابل
رابض ليس له عشق وهامُ
حارس الكنز عتابا ضمنه
لوعة قد سرق الكنز الطغامُ
ضاع لما ضيعت آثارنا
مجدنا الغالى وأجداد عظامُ
ذمة لو خُفرت ماانتُهِكًتْ
فليقرعنا كما شاءً الذُمامُ .
إنها مرارة الشاعر وإحباطه ،وخيبة أمله من حكامه الذين لم يكونوا بمستوى المسؤولية والأمانة للدفاع عن الوطن وحضارته وليتك تدري أيها الشاعر العراقي الأصيل مافعل الغزو الأمريكي بآثار العراق وكيف تركها تسرق وتنهب ويعاث فيها فسادا من نفوس شريرة حاقدة على العراق وحضارته دون أي عقاب. واليوم يكمل الغزو الداعشي البربري تلك الجريمة بتدمير حضارة العراق وسرقة ماخف منها وبيعها للسماسرة وتحويل أموالها إلى قنابل ورصاص ومتفجرات لقتل العراقيين. ولو كنت حيا وشهدت تلك المأساة لبكيت دما ولكتبت بدمائك ووجدانك الوطني المتوقد قصائد تعبر بهاعن هول الكارثة .
إن أسد بابل الذي خاطبته قبل عشرات السنين هو اليوم أكثر حزنا وقهرا وقد ترك الغزاة الذين لم يأتوا إكراما لعيون العراقيين كابوسهم الثقيل عليه بعد أن عاثوا فسادا في تلك المنطقه التي تعتبر قلب حضارة العراق .
وفي هذه القصيدة نرى شاعرنا كيف يخاطب بابل العظيمة وتأريخها الشاخص في العيون والقلوب وكأن لسان حاله يقول : يابابل العظيمة الخالدة بقدر ماتترك ذكراك في نفوسنا الخشوع والإكبار فأنها تترك في قلوبنا وأرواحنا اللوعة والألم لما آل أليه واقعنا الذي حوله الحكام إلى ظلام حيث يسترسل في تدفقه الشعري (أسد بابل ) قائلا:
بابلٌ ماأنا إلا حالمٌ
بك يصبيه انطباعٌ وارتسامُ
هامت الذكرى بقلب مولعٍ
بك والذكرى آلتياعٌ وهيامُ
طابت الكأس فمن يشربها ؟
وحلا الشدو فهل فيك حمامُ ؟
ريفك المأنوسُ في أحلامه
موحشٌ كل نواحيه ظلام !
رقد السمارُ عنه وهفا
سامر يحزنه الريفُ المضامُ
والرياحينُ التي أنبتها
سفحكُ الزاهي تولت والبشامُ !
ترى هل كان الشاعر يتنبأ بما سيخبئه المستقبل لبابل حتى نزف هذا الشعر من قلبه ووجدانه وكأنه قطرات من الدم سطرها على الورق ؟
ويستمرعلي الشرقي في تلك التراجيديا التي تعج بالأوجاع ويصف الربى بأنها حبلى بالقهر والضيم ولابد أن تعصف الثورة التي ستتفجر من ربى العراق لتعصف بالذين سرقوا ونهبوا وظلموا وعاثوا فسادا في أرض الحضارات التي قدمت للعالم أوهج حضارة عرفها التأريخ وأن الأجيال القادمة التي ستنجبها الأمهات في أرض الحضارات هي نواة الثوره وشرارتها التي ستحرق الطغاة. والفراتيون الذين عرفوا برباطة جأشهم ودفاعهم البطولي عن وطنهم هم الدروع التي تحمي الشعب والسهام التي ستصد كيد الأعداء حيث يقول في نفس القصيده :
الربى حبلى وأطفالُ الربى
تتبارى فرضاعٌ وفطامُ
بابلٌ أي بناءٍ شامخٍ
لم يزعزعه خراب وانهدامُ
والفراتيون إذا حفزتهم
للملمات دروعٌ وسهامُ !
وشاعرنا الشرقي من المتحمسين والداعين للوحدة العربية لأنها في نظره تمثل الإنقاذ والخلاص من ربقة الأجنبي ومن كل المحن التي لحقت بالأمة العربية جراء تمزقها وتشتتها فنراه يشحذ الهمم ويذكر العرب بحكامهم الذين استغلوا هذه الأوضاع المزرية أبشع استغلال وكرسوا العزلة بين شعوب المنطقة، وباعدوا بين أبناء الشعب الواحد، وأقاموا السدود والحواجز وأوغلوا في خيانتهم وجرائمهم بحق شعوبهم واهتموا فقط بقصورهم الفارهة ولم يشعروا بما يعانيه الفقراء من فقر وفاقة وحرمان من أبسط متطلبات الحياة بعد أن سرقوا كل شيئ منهم. ويخاطبهم أين ستذهبون أيها الحكام ياأصحاب القصور والسيارات الفارهة اللامعة والمتنكرون لشعوبكم إذا توقدت جمرة الغضب في عيون الجياع؟ حيث يقول في أحدى قصائده :
ماأجدد الأخوة من أم وأبْ
أن تبعد الشك وتنفض الريبْ
هذا أوان الطلع يانخيلنا
إلام نبقى سعفاتٍ وكربْ ؟
يامطلعً الفجر وياأمً القرى
إن القرى مابين سلب ونهبْ
أرى قصورا من جديد نهضت حولي
وقومي في بيوت من قصبْ !
كم خطفت أبصارُنا سيارةً
في أرض شعب زاحف على الرُكبْ !
من يسأل القرية عن آمالها ؟
فكم جروح في القرى وكم ندبْ ؟
في غمرة الفقر ويجري حولها
وادي الفرات العذب أو وادي الذهبْ
مايصنع الفلاحُ في عروشكم
أن تغصب السلة منه والعنبْ !!!
لقد أصبح وادي الذهب ياشاعرنا الراحل حكرا على اللصوص الكبار فنهبوا منه ماشاء لهم أن ينهبوا أما فقراء شعبك فأنهم ما زالوا بين مهاجر يعيش على الإعانات الأجنبية، ومهجر من وطنه تبتزهم الدول بقوانين ماأنزل الله بها من سلطان، وباحث في أكوام القمامة ليسد به رمقه وكل حزب بما لديهم فرحون في عراق الطوائف والمحاصصات .
يستمر الشاعر في قصيدته منبها ومحفزا شعوبها وفي يقينه أن الأمة لابد أن تنهض من كبوتها عن بكرة أبيها لتصنع تأريخا جديدا على أنقاض هذا الواقع البائس الذي يكاد يوصل الأمة ألى حافة الهاوية حيث يقول :
هل تدري صنعاء ونجد أننا
نحتاج تأريخا جديدا للعرب !
قد طوي الفسطاط من مصروقد
نامت بنو حمدان عنك ياحلب !
وكما نامت نواطير مصر عن ثعالبها حينما أطلقها المتنبي صرخة ضد كافورالإخشيدي حاكم مصر آنذاك.
وفي نهاية هذه القصيده يخاطب أمته العربية مرة أخرى ويرمز إليها بـ( الشعلة القدسية ) التي جُللت صحراؤها الشاسعة بالنار والضياء. هذه النار التي ستحرق أعداء الأمة والضياء الذي يحمل في توهجه عوامل النهضة والتجدد والنهوض :
ياشعلة قدسيةً قد سطعتْ
تجلل الوادي ضياءً ولهبْ !
وللشاعر الكبير قصيدة أخرى نظمها عام 1912م أثناء هجوم الايطاليين على طرابلس الغرب مما يدل على أن الهم القومي قد أخذ مساحة شاسعة من شعره وإنه كان يعتبر الوطن العربي الكبير وطنه رغم كل الحواجز التي بين أقطاره فلا فرق بين بغداد وطرابلس ودمشق والخرطوم وغيرها من المدن العربية التي وضع المستعمر وعملاؤه الحواجز المصطنعة بينها وإن شعور كل مواطن يعيش في هذا الوطن الممزق نحو أخيه هو شعور الأخوة والمحبة والمصير المشترك :
قومٌ من العرب لم تبردْ حميتًهُمْ
حر الظبا وعلى جمر الثرى بردوا
أن فورت سورة العليا دماءًهمُ
لنهضة فبغير السيف ماقصدوا
تروم أبناء روما أن تناضلهم
هيهات لايستوي الطليانُ والأسُدُ
دون النزال ترى أرواحها صعدت
خوفا وفي ودها لايصعد الجسدُ
في البر والبحر أشباحٌ مرفرفةٌ
لها المحيط رقيبٌ والفضا رًصًدُ
زرعٌ لرومةً أهدتهُ طرابلسا
فأهزم المحل أبناها بما حصدوا
ويستمر الشاعر إلى نهاية القصيدة التي يتنبأ فيها بانتصار قوى المقاومة ضد الغازي الايطالي الذي ضرب بكل حقوق الشعوب وآمالها بالتحرر والإنعتاق. ولابد أن تكون الهزيمة مصير كل معتد وغاز وطامع في هذه الأرض المقدسة مادامت تنجب ثوارا كبارا أمثال عمر المختاروصحبه الذين لم يناموا على ضيم، ولم يرضخوا لعدو طامع في أرضهم خلافا لكل لوائح حقوق الإنسان التي أقرتها قوانين الأرض والسماء . وللبحث صله.
جعفر المهاجر.
3/1/2016م








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. قبل الامتحانات.. خلاصة مادة اللغة الإنجليزية لطلاب الثانوية


.. احتجاجات في جامعة ديوك الأميركية ضد الممثل الكوميدي جيري ساي




.. المغرب.. إصدارات باللغة الأمازيغية في معرض الكتاب الدولي بال


.. وفاة المنتج والمخرج العالمي روجر كورمان عن عمر 98 عاما




.. صوته قلب السوشيال ميديا .. عنده 20 حنجرة لفنانين الزمن الجم