الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حدث في قطار آخن -27-

علي دريوسي

2016 / 1 / 4
الادب والفن


أذكرُ أنّكِ سألتني عن سُرّ غياب المرأة الشرقية في حياتي، أذكرُ أنّكِ قلت لي عندما رويتُ لكِ قصة فهيمة: ما الذي يمنعك من إحضار شبيهة شرقية للمرأة الصبورة فهيمة؟ أتذكر بأنني أجبتكِ: الرجل في الغُرْبَةِ، بدون اِمرأة من وطن الغُرْبَةِ، أعْرَج! والمرأة في الغُرْبَةِ، بدون رجل من الغُرْبَةِ، عمياء.

أذكرُ أيضاً أنّكِ مثل الكثير من الغربيات سألتني ساخرةً: ألا ترغب أن تحافظ على التقاليد الإيجابية لمجتمعكَ الشرقي عن طريق الزواج باِمرأةٍ شرقية؟ كان جوابي واضحاً، قلت لكِ: الحفاظ على التقاليد الإيجابية للمجتمع الشرقي لا يعني بتاتاً الزواج من مسلمة أو التَّمَسُّك بالإسلام، بل يعني العمل على متابعة تقديم شُّعْلَة الفكر التنويري العلماني، وأضفت: قد يكون الاِرتباط غير المشروط مع اِمرأة غربية تحب الحياة ضرورةً لا غنى عنها.
الحياة بشقيها، المهني والخاص، مع الإنسان الغربي أكثر إغناءً للعقل وصفاءً للروح... الحياة مع الشرقي تشوبها البطالة، الإحباط، النفاق، الفقر الروحي واللون الواحد... الشرقي ولا اَستثني ذاتي، كائن مُثْبِط، متخلف بكل المعاني حتى في أفضل الظروف، غريب الأطوار، حقود، لئيم، طمّاع، أناني...

نحن متخلفون حتى العظم، حتى التعب، هذه حقيقة بديهية، نحن متخلفون في القانون وكتابة الأدب، متخلفون في السياسة وفي الحب، متخلفون في العلم وطبيعة الطعام والشراب، متخلفون حتى في مشاعرنا... اَعتَرِفُ لك يا سابينه بأني خسرتُ أكثر من نصف هويّتي الشرقية، بكل المعاني والمفاهيم، ولست نادماً.

نحن سيكوباتيون حتى الاِنهيار... أدركُ تماماً أنّ الشخصية السيكوباتية متواجدة في المجتمع الغربي كما في المجتمع الشرقي، يلتقيها الإنسان في كل الأماكن، في الجامعات، في المدارس، في الأحزاب السياسية، في مجال الأعمال التجارية، أثناء العمل، في البيت، في أماكن العبادة وحتى في بيوت الدِّعارة والفساد. أعرف أنّ الإنسان يلتقي في كل المجتمعات بالشخصية النرجسية والشخصية الافتراسية-المعادية للمجتمع والشخصية المرتابة والشخصية غير مستقرة عاطفياً.

أعرف أيضاً أنني لا أتكلم بطريقة علمية، ولا حق لي في التَعْمِيمِ، لا تعجبني أقوال عالم الفيزياء ألبرت أينشتاين عندما يتكلم بشكلٍ تعميمي بليد عن غباء الإنسان: "هناك أمران لا نهائيان، الكون وغباء الإنسان... أما فيما يتعلق بأمر الكون فأنا لست متأكداً تماماً من لانهائيته بعد".

ومن أين لي أن أتكلم بمنطقية وحيادية وعلوم الإحصاء والتحليل النفسي في الحضيض، علمياً قد أكون على خطأ وقد أكون على صواب، لكني هنا أتكلم عن مشاعري وتجربتي الذاتية، تحليل الحالة وتعميمها يتطلّب بناء نظام ديمقراطي علماني تنشأ في ظله وحدات بحث علمية مختصة، هي من يبحث عن الأسباب ويدرس الحالات ويقدم النتائج...

أعتقد أنه لا مكان في الشرق للدراسات الإحصائية، للتحليل النفسي، للطب النفسي، للدراسات النفسية أو للكتابة والتأليف بالمعنى الأكاديمي أو الأدبي حول وعن الاضطرابات النفسية المرعبة في مجتمعاتنا الشرقية وانعكاساتها على الوسط المحيط... أعتقد أن كل ما لدينا في هذا الشأن تمت سرقته من المجتمع الغربي، حيث جملة الظروف الموضوعية والذاتية في غاية الاختلاف والتناقض.

- هل ارتكبُ حماقة أو أكذبُ حين أقولُ مثلاً: لا أثر لثقافة البوسة أو العناق في الشرق، لذا ينبغي الاهتمام بهذه الثقافة يومياً!
- هل أقسو على الشرق حين أدعو مع صديقتي لإطلاق حملةٍ اِجتماعية تثقيفية، شعارها: "معاً نحو مستقبل أفضل"... وكتابة الميم والسين والتاء في كلمة مستقبل بحبرٍ سري!؟
- هل حدث هذا الحوار بيني وبينك فعلاً؟ أم بيني وبين اِمرأة الكوكايين؟
- من أنتما؟ من هي الممرضة؟ من هي الشرطية؟ هل تبادلتما الأزياء أم الأجساد؟


- ما سبب تحول متوازي أضلاعي إلى مستطيل بزوايا قائمة؟ أتعبني هذا الانتصاب! أريد لمستطيلي أن يسترخي قليلاً! كيف حال مخروطك أيتها الشرطية؟ أظنه يغني واقفاً على كفيه! هل لمخروطك أَكُفّ؟ كيف حال مخروطك أيتها الممرضة؟ أظنه سكراناً، مجنوناً من النشوة! هل يَسْكَرُ مخروطك في العادة؟
- لا تخف من الزوايا القائمة! هل يؤلمك انتصابها؟
- وحدهما الممارسة والتدريب ما يجعلان منك مع مرور الزمن ذاك "المعلم" الذي يتقن مهنته. قالت سابينه.
- توقف عن رضاعة الخرطوم قبل أن تصبحا إِخْوَة من الرَّضاعَةِ! يكفيك ما تناولته لهذا اليوم. قالت هنيلوري.
- معك حق، فأنا صرتُ أرى "الطوطم" يسعل دخاناً...
- أحسبك في لحظة تحشيشك العالية، هنيئاً لك، لقد اجتزت ربع الامتحان الأول. قالت سابينه.
- اِجلس على الأريكة، ليلنا طويل، اِجلس ولا تفكر إلا بالأشياء الحلوة، بالنجاح، بالحب، بالسفر وبالحياة. قالت هنيلوري.
- ما تحتاج إليه في هذه اللحظة هو سيجارة بولمول فقط وقطعة شوكولاته! هي العادة في هذا الدار، كوكايين ثم يأتي البولمول، إذا تأزمت الحالة يأتي دور الشاي البارد. قالت سابينه.
- نعم يا أحمد، سابينه أستاذتنا في هذا الكار، اِعمل بنصيحتها، لن تندم! "ما يحتاج إليه الإنسان هو الإرادة... والسجائر"، كما يقول قدوتنا في التدخين، السياسي والمثفف الأهم، المُدخن من الطراز الرفيع، السيد هلموت شميت، مستشار ألمانيا الغربية بين أعوام 1974 إلى غاية 1982.
- انتظرنا يا أحمد، دقائق معدودات ونعود إليك.



المطر في الخارج عنيف، الدفء في الداخل شَدِيد، جسدي يرتجف، صَوتي يَتَقَطَّع في اِرْتِعَاشٍ، نبضات قلبي تُسابق الخيل، خائف أنا مما حولي، أشعر بالموت يقترب، ستكون نهاية وخيمة في بيت غريب، أين ذهبت الكلبتان؟ سأهرب من كهف الوفاء هذا، الوفاء للموت والكوكايين! الاعتدالية في كل شيء هي العلاج الفعّال للخوف والقلق في الغربة، وأنا لم أحترم الاِعْتدِال الربيعيّ يوماً ولا الخريفيّ منه حتى، لا أتناول طعامي باعتدال، لا أشرب ولا أسكر باعتدال، لا أدخّن باعتدال، لا أرقص ولا أحزن باعتدال، حتى مواقفي الاِجتماعية والسياسية لا اِعْتِدال فيها...

لا يجرؤ أحد أن يخبرنا علناً عن مخاوفه في الغُرْبَة... لعل الوقت لم يحن بعد للتذمر من الخوف في الغُرْبَة؟ مرت أجيال ولم يأت الوقت المناسب للكلام، الشيء الوحيد الذي علينا أن نخاف منه في الغربة هو أنفسنا مع حبيباتنا في المطبخ، تماماً وقت إعداد طعام العشاء، كل أصدقائي الأذكياء قَتَلوا زوجاتهم أو قُتِلوا من قِبَلِهنّ في المطبخ… الخوف والذكاء والقتل شجرات نخيل يجمعها أصل واحد، جميعها نتاج للأمل.

أعتقد أن المرأة قادرة على قتل الرجل الذي لا يطبخها دون أن يرف لها جفن! هل لي القدرة على ذبح المرأة التي أطبخ معها طعام العشاء؟ أعتقد أنّي غير قادر حتى على تقشير تفاحة أو برتقالة...

"وقفَ آخر الليل في المطبخِ جائعاً! سَالَ لُعَابُهُ لمنظرِ برتقالةٍ مغطاة بمعطفٍ أصفر ترقد في صحنٍ أبيض. سحبَ سكيناً من الدرج. رأى ظِّلُه البشع يحمل السكين، اِقشَعَرَّ بدنه... هاجمته لوحة الشهادة للأخوين "جون و بول"، التي شاهدها صباحاً في معرض الإيطالي الأحْوَل "غويرشينو الثاني"، خاطبه الظِّلُ: تَوَكَّل على الله يا رجل و اترك السكين جانباً، حتى حَبَّات البرتقال تموت حين تُقشّر!"

لم أسمع أبداً أن أصدقائي القَتَلة قد حُكِموا بالإعدام على جرائمهم المرتكبة في المطابخ! ولما عُقُوبَةُ الإِعْدامِ هذه؟ إنّها ليست إلّا الْقَتْل الْعَمْد الَّذِي يَتِمُّ عن سَبْقِ إِصْرَارٍ وتَّرصُّدٍ... لا يُمكنْ مُقارَنَتها بأيّ فعلٍ إجراميٍ خُطِطَ لهُ... المجرم لا يبلغ ضحيته مسبقاً عن وقت موتها المفجِّع بالضبط، قلّما نصادف مثل هذا الوحش في الحياة اليومية. حتى الأُسْقُف سوف لن يبقى أُسْقُفا ولا مسيحياً ولا حتى إنساناً إذا ما بارك الإعدامات السياسية، سيكون في هذه الحالة فقط مجرد كلب، مثله مثل كل من يأمر بعقوبة الإعدام انطلاقاً من البُرْج العَاجِيّ لإيديولوجيةٍ ما.

من تَفَلْسَفَ بما أَتَفَلْسَف به بالنيابة؟ هل كان الفرنسي ألبير كامو؟
لا أريد أن أتذكّر، أريد فقط أن أقتلهما الليلة معاً ثم أهرب!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فيلم الممر مميز ليه وعمل طفرة في صناعة السينما؟.. المؤرخ ال


.. بكاء الشاعر جمال بخيت وهو يروي حكاية ملهمة تجمع بين العسكرية




.. شوف الناقدة الفنية ماجدة موريس قالت إيه عن فيلم حكايات الغري


.. الشاعر محمد العسيري: -عدى النهار- كانت أكتر أغنية منتشرة بعد




.. تفاصيل هتعرفها لأول مرة عن أغنية -أنا على الربابة بغني- مع ا