الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


السعودية - إيران: فخ أمريكى

محمد السعدنى

2016 / 1 / 5
مواضيع وابحاث سياسية


ياالله ماأشبه الليلة بالبارحة، ورغمها لانتعلم الدرس أبداً، فكلما بدل الشيطان سمته أوقعنا فى حبائله من جديد وأسلمنا له القياد، ووقعنا فى نفس الفخ المنصوب. نعم التاريخ لايعيد نفسه، إلا أنه اعتاد مراوغة العقل العربى ومشاغلته مادام أسلم وعيه لمن يستهلكه ويتلاعب به، فالتاريخ لايعبأ إلا بالأذكياء ولايحسب حساباً إلا لمن يعرف مصلحته ويراكم خبراته ويتعلم ويتدبر ويفكر.
ذات يوم سألنى المثقف الكبير د. حسن ندير خير الله رئيس جامعة الإسكندرية الأسبق والتالى لرئيس الجامعة التاريخى الفذ د. محمد عبد اللاه، إذ كنت محظوظاً بالعمل إلى جوارهما وتمتعت بصداقة فكرية مع كليهما حين كانت جامعة الإسكندرية تنعم بقادة تاريخيين مثلهما. سألنى ندير: ياسعدنى فى تصورك من هو الذكى؟ قلت مباشرة: هو من يتعلم من أخطائه، وبادرنى بضحكته المجلجلة: ياعمنا هذا هو الغبى بعينه، إذ الذكى فى عرف حسن ندير هو من يتعلم من أخطاء الآخرين، ولا ينتظر أن يتعلم من أخطائه، ولعل إشكالنا العربى الكبير ومحنتنا أننا لانتعلم لا من أخطاء الآخرين ولا حتى من أخطائنا. نعرف بيننا وبين أنفسنا فى نظامنا العربى أن اليانكى الأمريكى المغامر بطبعه لم يخلص لنا أبداً قولاً أو فعلاً، بل كلما طرأ طارئ وجدناه فى صف العدو مخاتلاً مراوغاً ينوى الفجيعة دائماً، ورغمها نصدقه فى كل مرة يبدل فيها سمته فنبتلع الطعم ونسلمه قيادنا، يوقعنا فى مصيدته ويتلاعب بنا ويضرب مصالحنا ولا نتعلم الدرس مهما كانت كلفته باهظة على أوطاننا وشعوبنا ومصالحنا.
أقول هذا وأمامى مساحة عالمنا العربى المستباحة وقد حولها الأمريكان إلى صفيح ساخن، وآثر شيطانهم أن يبقى المنطقة ساخنة مشحونة مأزومة يتهددها الخطر تلو الآخر وتتلاعب بها المصائب من كل حدب وصوب، وتحيط بها المكائد من الرأس للسفح، فبعد أن أجهد العالم العربى سنوات طويلة واستهلك طاقتنا فى الصراع العربى الإسرائيلى، وأمات قضيتنا المركزية فى فلسطين المحتلة، راح يدمر العراق ويعيدها للعصور الوسطى، ولايتركها إلا بعد أن دمر جيشها وضرب فيها مخزون القوة العربية لصالح إسرائيل، وتركها فريسة لحرب طائفية بين سنة وشيعة وأكراد وعرضة للتقسيم، راح يلعب نفس اللعبة مع سوريا، وليبيا والسودان واليمن ولبنان، واستقر مخططه الصهيو أمريكى على إعادة رسم خرائط المنطقة فى سايكس بيكو جديدة، وشرق أوسط كبير تتحول فيه دول المنطقة إلى كنتونات صغيرة تتناوشها الحروب الإقليمية والطائفية والمذهبية، يدمر جيوشها ويستهلك طاقاتها ويسيطر على بترولها ويتلاعب بأرصدتها ويضرب إقتصادها، ويستنزف أموالها فى صفقات أسلحة لتحمى نفسها بعشرات المليارات تصب بسخاء فى آلة إقتصاده ولصالح صقور المجمع الصناعى العسكرى الأمريكى الذى يثرى على حساب إفقارنا. ساعده فى ذلك كله اليمين الإسرائيلى المغامر مثله، وانساقت وراءه أوروبا وحلف شمال الأطلنطى طمعاً فى جزء من التورتة، وغذى الأطماع الإمبراطورية الفارسية الإيرانية وترك لها الباب مفتوحاً لتلعب كيفما شاءت فى العراق وسوريا واليمن ولبنان، وعقد معها صلحاً تاريخياً يغريها به، ثم يوقعها فى حرب طائفية مذهبية بين السنة والشيعة، لتخلوا الساحة لقوى إقليمية تدور فى فلكه ويملك مفاتيحها، إسرائيل وتركيا، واستغل ضعف الذاكرة العربية، وطموح دويلة مارقة مثل قطر لتكون عراب الخراب والدمار فى المنطقة، ولعب كل أوراق حقيرة محتملة بداية من القاعدة، والنصرة وفجر الإسلام وتنظيمات بيت المقدس وغيرها وصولاً إلى داعش التى استخدمها حصان طروادة الجديد يهدد به العالم العربى ودوله خصوصاً بعد أن أحبطت مصر 30 يونيو مخططاته ومآمراته وأنهت على حلمه فى سايكس بيكو الجديدة، فراح يشعل المنطقة بالحروب، ويغذى الفرقة العربية، والوقيعة بين مصر والسعودية ودول الخليج الشقيقة وأجهض مشروع مصر العربى الاستراتيجى فى القوة العربية المشتركة لحماية أمننا القومى، ولعب على إصطناع تناقضات فى المواقف العربية العربية بشأن سوريا، واستطاع استقطاب على عبدالله صالح والحوثيين بمساعدة إيران للعب دور قذر فى تهديد الحدود السعودية فى جيزان ونجران، ولعب على التناقض الشيعى السنى فى البحرين ودق أسافين الفرقة بين الإمارات وقطر، وانزلقت أقدام السعودية فى حرب عاصفة الحزم فى اليمن، وغذى طموح القيادات الشابة فى السعودية للعب دور القيادة فى العالم العربى، وهو طموح مشروع، إلا أن القيادة الإقليمية لاتعطى ببيعة ولاتطلب بتحريك الجيوش والطائرات ولا تشترى بالأموال، القيادة الإقليمية نموذج تقدمه دولة حداثية، وهى دور له معطياته ومؤهلاته الجيواستراتيجية، وهى تراكم تاريخى تدعمه عناصر قوة بشرية وعسكرية وتنموية شاملة، لايصلح معها اللعب على التناقضات وتغذية النعرات الشوفونية وانتهاز الفرص التكتيكية بغض النظر عن ضعف معطياتها الإستراتيجية.
ولنعترف أن الأمريكان لعبوا أوراقهم باحتراف وغواية ونجحوا فى الوقيعة حد اللعب بالنار بين السعودية وإيران وتحولت المنطقة نيراناً مابين السنة والشيعة والأكراد والتركمان والإيزيديين والمسيحيين والموارنة والدروز وكل فصائل الإرهاب وتنظيماته، وهو أمر ليس فى صالح أحد من الفرقاء المحتملين، إنما هو على حسابنا جميعاً ولصالح مخططات صهيوأمريكية تركية وضد مصالح أشقائنا فى الخليج، وتستهدف جر مصر وإيقاعها فى الفخ المنصوب.
ومالم تنتبه مصر وتحسب لمواقفها حساباتها الدقيقة سنغرق جميعاً لا السعودية ولا الخليج وحدهم، والشاهد على ذلك إستنزاف الخزانة السعودية لتخرج موازنتها الأخيرة بعجز مقداره 87 مليار دولار، وسواء كان ذلك بسبب تكلفة الحرب أو تلاعب الأمريكيين بسعر البترول، إلا أنها سابقة لأول مرة تنذر بالخطر إذا ماتخطى العجز حدوده الخارجية إلى الداخل السعودى ومستوى معيشته وخدماته ومشاريع التنمية.
وفى تقديرى وبأى حسابات ممكنة لايمكن لمصر أن تتخلى عن السعودية، كما لايمكنها فى مثل ظروفنا الضاغطة المعقدة أن تنجرف وراء أصوات مغامرة حتى من الداخل المصرى تطالب فى الإعلام وتلوح باستخدام القوة العسكرية المصرية ضد إيران، هذا كلام غير مسئول غير أنه عاطفى، إذ على مصر أن تبادر بدور قوى فى احتواء الأزمة قبل تفاقمها، وأن تقوم بدور دبلوماسى فاعل فى تطويق الأخطار والتداعيات، وتفتح بكل شفافية وبلا أية حساسيات قناة دبلوماسية واستخباراتية مباشرة مع إيران وتضغط مصر بكل أوراقها لتهدئة الأمور، مصر دولة إقليمية كبرى وماتملكه بالدبلوماسية لايقل أهمية عما تملكه بالقوة العسكرية، وهى محام مؤتمن على مصالح السعودية والخليج التى هى فى ذات الوقت عنصر أساس فى دعائم أمننا القومى. وفى تقديرى أن إيران يمكن أن تستجيب للوساطة المصرية أكثر مما تستجيب لغيرها، ولعل تكامل الدور المصرى – الروسى يكون أكثر فاعلية لإحتواء الأزمة التى هى فى أساسها فخ أمريكى، فوق كونها مصيدة لمصر والسعودية والنظام العربى.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الأردن يحبط مخططا إيرانيا تخريبيا يهدف للعبث بأمن واستقرار ا


.. وزير الدفاع الإسرائيلي السابق أفيغدور ليبرمان: حماس والسنوار




.. 3 شهداء برصاص الاحتلال وعدد من الإصابات في مدينة طولكرم بالض


.. مسيرات في مدن فلسطينية عدة لإحياء الذكرى الـ76 للنكبة




.. بعد انسحابها.. قوات الاحتلال تخلف دمارا واسعا في حي الزيتون