الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


رفيف الفارس ... الوجع الشعري والتمسك والحياة

وجدان عبدالعزيز

2016 / 1 / 7
الادب والفن


كنت أضع الأوراق على طاولتي متأملا ، بينما كان الصمت متدفقا من نافذتي (على سهول لوعة) ، قد تنهدم في لحظة سعادة ما و(لاتبنى بعودة الفصول) ، الا إنها تعيش رؤى شاعرة متوجعة تحاول كشف أسرار هذا الوجع ، الا إنها تتعسل لذة المعاناة في البحث عن جمال الحقيقة فـ(أسرار الجمال الفني في الأدب ، انه كالنحت يمتلك القدرة على التجسيد ، وانه كالرسم يمتلك القدرة على التصوير ، وانه كالرقص في قدرته على تسجيل الحركة ، وكالموسيقى في قدرته على الإيحاء ، ثم انه بعد ذلك كله يمتاز على الفنون بقدرته المتعددة على الإفصاح) الطليعة الادبية وضمن هذه الأبعاد كانت الشاعرة رفيف الفارس تتحرك حاملة أوجاعها وبحثها القلق عن حقيقة الحياة ، مما جعل المتلقي لشعرها يتأمل بين السطور ويحاول المحاولات تلو الأخرى في استرداد المعاني .. لذا تقول :



(كالدويِّ تَسمعني

صوتي مُحملٌ بالرعود

بمواسم خَوفٍ

وعبودية

مُجنزر بالمدياتِ الصاخبة

على سهولِ لوعة

تسمعني .. وفي أُذنك حرقةٌ من طنينِ المتاهات

والمرافئ الخدرة بالزيف)



فهناك حضوران :

الأول :حضورها المحمل بالرعود ...

الثاني : حضوره الذي ينصت لانّات أوجاعها ، حيث يكون الصراع بين الحضورين صراعا مستمرا يتوهج كلما حاولنا الإنصات بهدوء الى إرهاصات الشاعرة الفارس لان عندها ...



(كذب هو الضوء

كذب هو فانوس رابعة الهجير

...من ألف عام

أدور ... لا أجد كتفاً لرأسي

لا حقيقة لكتبي

لا نور لأسطري

صرخة ملعونة لا تجد لها صوت

لمَ انا بلا يد

بلا فم

أُناديك من بُعد البعد

أن إمسح عن جبيني الماً مر بحلم

أسمعني آخر نبضةً لي

اخر ما تقاسمناه من نغم

وأهدني من عند بوحك

صوتاً أناديك به)



وهذا يؤكد بأنها تعيش الوحدة والعزلة وعدم الثقة الكاملة بالآخر الذي شكل حضورا إلى جانب حضورها ، رغم انها تقول : (لا أجد كتفا لرأسي) بمعنى أنها بالحقيقة تعيش الحياة بمراراتها المتكررة لوحدها ، بل هي تصور ان المرأة منذ زمن بعيد عاشت ويلات من مرارة تعسف النظم الاجتماعية المسيطر عليها ذكوريا ... ثم تقرر قضية العنونة (مستثنى بالوجع) وكانت الباء جواز عدم الاستثناء من هذا الوجع ، لأنها جددت الاختفاء وزادت من الصمت .. العلة إنها (مستثنى أنا من كل حلم / من الحياة) الا إنها باقية على وفائها له ، رغم كل أنين الوجع والظاهر ان الفارس قد استقرت على رؤية شعرية محددة عزفت على أوتارها ، وهي الاستثناء من كل شيء الا الوجع .. والوجع مسيرة حياتية تتشابك فيها الأحرف والجمل ، لتعبر اصدق تعبير عن رؤيتها في اقتراحات البديل والبحث القلق عن السعادات المفترضة ، فالشعر يعبر عن الاحتمال ويطرح مساحات للتحرك فيها .. وقد تكون نهاياتها ليس لها حد معين أي انها تتعامل باللاوصول ، فـ(مهما اهتزت الأرض

لا نهاية للبدايات

لا قوانين

كل ألم هو استثناء

كل هزيمة .. بداية انتصار)



الا إنها تركب (مسافات العطش) لتقول :



(ماذا أسميك

صلاة التبتل

أمير الوجد

فيضٌ تَفلت من طفولة الأنهار

أَنذرُ في حقولِكَ عمرا من وجع السنين

وأنتظر غيثك والأمنيات)



اذن كل شعراء العالم منذ الأزل يعيشون الحلم والأمل ومنهم الفارس التي زرعت هذا الأمل وحلم الرجوع والسكن مع الآخر .. لذا تخاطبه ..



(تائبا تعود

متمردا تعاند القدر

تَهدجْ

إمتزجْ

تَعبدْ

بالروحِ

بالجسدْ

بما فيكَ من نار ونور)

وتتخذ القرار النهائي مع كل الأوجاع بقولها :



(سأسكنكَ حتى آخر العمر

وستسكن أبعادي

فمن جنوني بُعِثت

على يدي كانت ولادة

وشهقات موت

دمي من سكر وسم)



لماذا ؟؟؟؟ ، لأنها ...

(مستبدة الحب

إلهية المصير

أبدية المطر

ستنهمر السماء أحرفا

أبدا ستغني على ينابيعنا العرائس

وتهدي الكون مجدا)

إذن هي أولا : ثبتت رؤيتها الجمالية في الحياة والحب .. وثانيا : رضيت الوجع حال لها كونه مهماز في إيجاد البدائل .. وثالثا : البقاء على الوفاء له أي الآخر مثال الحب كون الحب العلاقة الاسمى في الحياة .. لذا تعمق مسارها الشعري بقولها :



(سترحل ...

تعدو مسافات انتظار

وتنهمر

عطش يسلمك إلى عطش

تَعبُّ البحر

وليس في البحر ارتواء

ستلعنني

ستكرهني

لكن أبدا لن تخرج من دمي

تُرهِقك المسافات

سينكر جلدك كل لمسة

فيّ فقط اكتشفت إلهية ذاتك

وفُطِمتَ على شفاه من تمر

دوما ستكون كافرا

وتعود لتتوب بين يدي

تُكَفر عن ذنبٍ سالف

ذنبٍ إلى آخر العمر..)



وهنا تمثلت رحلتها المتوجعة لأجل إثبات ذاتها النقية أمام محكمة الحب في إيجاد دالة حياتية تتعامل مع الآخر بحذر ... فـ(ليست الأشعار كما يتصور الناس ببساطة مشاعر ـ قلنا هذه بما يكفي ـ انها تجارب . ولكتابة بيت واحد على المرء ان يرى مدنا عديدة وأناسا وأشياء . على المرء ان يتعرف على الحيوانات وأسراب الطيور والإشارات التي تعملها الأزهار الصغيرة عندما تتفتح للصباح . على المرء ان يتمكن من الرجوع بفكره الى طرقات في أصقاع مجهولة ، إلى مصادفات غير متوقعة ، والى انفعالات توقعها منذ حين ، إلى أيام الطفولة التي مازالت غير واضحة ، والى الأبوين اللذين جرحنا شعورهما عندما حاولا ان يقدما لنا بعض السرور الذي لم نفهمه .. لابد من وجود ذكريات من ليالي الحب ، تختلف الواحدة عن الأخرى ..) وهنا انقل قول الفيلسوف الاميركي ديل كارنجي حيث قال : (أيها الإنسان باستطاعتك ان تكون لينا مع صعوبات الحياة ولاتعاندها وذلك لكي تعيش سعيدا وطويلا في هذه الحياة ... ان انت جابهت الزمن ، فسهل تحطيمك ، وان أنت سايرته فتمتع بحياة هنيئة طيبة) من هذه الرحلة داخل اسطر الشاعرة رفيف الفارس قد نجد انفسنا امام وجع الإنسان في مسيرته الحياتية من اجل بناء علاقة افتراضية مبنية على الجمال ولا غيره وهي نظرة مثالية يسعى لها الناس المبدعون ...



مصادر البحث :

/ مجلة الطليعة الأدبية دار الشؤون الثقافية العامة بغداد العدد 5ـ 6 لسنة 1990

/كتاب (الصورة الشعرية) سيل دي لويس ت/د.احمد نصيف الجنابي ومالك ميري وسلمان حسن إبراهيم / مراجعة د.عناد غزوان ـ منشورات وزارة الثقافة العراقية لسنة 1982 م ص98

/كتاب (دع القلق وابدأ الحياة) دايل كارنيجي / المكتبة الحديثة للطباعة والنشر بيروت ص84








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فيلم السرب للسقا يقترب من حصد 28 مليون جنيه بعد أسبوعين عرض


.. الفنانة مشيرة إسماعيل: شكرا للشركة المتحدة على الحفاوة بعادل




.. كل يوم - رمز للثقافة المصرية ومؤثر في كل بيت عربي.. خالد أبو


.. كل يوم - الفنانة إلهام شاهين : مفيش نجم في تاريخ مصر حقق هذا




.. كل يوم - الفنانة إلهام شاهين : أول مشهد في حياتي الفنية كان