الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نجاح مجموعة بركس والدول النامية في التجارة الدولية

أحمد إبريهي علي

2016 / 1 / 8
الادارة و الاقتصاد


في الشهر الأخير من عام 2015 أصدرت الأمم المتحدة الكتاب السنوي الدولي لأحصاءآت التجارة الخارجية لعام 2014 . ونورد البيانات في هذا العرض المختصرادناه بمليارات الدولارات، والكسر العشري الذي سيظهر، بمرتبة واحدة، يعني مئات ملايين الدولارات.
وقبل إجراء المقارنات الزمنية، وما بين المجموعات والدول ، من المفيد التذكير ان الصادرات السلعية تعبر عن الأمكانية الأقتصادية الكلية للبلد المعني، وقدرته التنافسية الدولية، وهذه تعتمد على إنتاجية العمل التي تعينها التكنولوجيا والأطر التنظيمية من جهة وعلى الأجور واسعار المدخلات المحلية للسلع المصدرة من جهة اخرى. وعادة ما يقاس الأنفتاح التجاري بنسبة الصادرات ( او الأستيرادات) إلى الناتج المحلي الأجمالي والأخير مقياس للأمكانية الأنتاجية الوطنية. والأستيرادات تعتمد في تغيرها، عادة ،على الدخل الوطني واسعار المستوردات . والناتج المحلي الأجمالي اقرب تعبير عن الدخل الوطني، أما المقصود باسعار المستوردات فهو منسوبها إلى المستوى العام للأسعار في الداخل، بعد ترجمتها بسعر الصرف إلى العملة المحلية، ومن هذه الزاوية يؤثر سعر الصرف، في الأستيرادات كما في الصادرات، فهو يمكن ان يرفع او يخفض الأسعار النسبية للمستوردات ( الصادرات) لدعم القدرة التنافسية الدولية او إضعافها. ولهذا السبب كان الضغط على الصين لرفع قيمة عملتها كي تصبح المستوردات رخيصة والصادرات غالية فتنخفض قدرتها التنافسية الدولية ويتقلص فائضها التجاري.
وهناك خصائص يمكن تسميتها بنيوية تفسر تفاوت الدول في درجة إنفتاحها التجاري فمثلا الولايات المتحدة الأمريكية حتى سبعينات القرن الماضي لا تتجاوز صادرتها 7 بالمائة من ناتجها المحلي الأجمالي بينما صادرت بريطانيا اربعة او خمسة امثال هذه النسبة. والصين التي إعتمدت إستراتيجية النمو المقاد بالصادرات الصناعية على درجة عالية من ألأنفتاح التجاري رغم ان الأخير يتناسب عكسيا مع الحجم السكاني وتنوع الموارد. ومن جهة اخرى فإن المزايا النسبية والتكاليف المقارنة تدفع نحو مزيد من الأنفتاح للأنتفاع من التخصص. وفي العقود الأخيرة اصبح تنوع المنتجات لأشباع نفس الحاجة سببا آخر لأتساع التجارة الخارجية. وثمة عامل آخر يسمى سلسلة القيمة حيث تتكامل الصناعات عموديا عبر الدول، ويتجه قرار الأستثمار الصناعي اكثر فأكثر نحو تعظيم القيمة المضافة لأختيار الحلقات المناسبة من سلسلة القيمة لمختلف الصناعات.
والمقارنة ستكون بين عامي 2000 و2014 ، وهي لتجارة السلع دون الخدمات، والميزان التجاري هنا سلعي وبعد إضافة الخدمات، إستيرادا وتصديرا ، وتحويلات الدخل، داخلة وخارجة، نتوصل إلى ميزان العمليات الجارية وهو موضع الأهتمام في عجز او فائض ميزان المدفوعات. والتوازن بين الأستيرادات والصادرات السلعية على مستوى العالم متحقق بداهة، وعلى المستوى الوطني لا بد منه في الأمد البعيد. وفي الأمد القصير يمول عجز الميزان التجاري، حتما، من فائض في صادرات الخدمات وتحويلات دخل موجبة وتدفقات مالية من الخارج ( إستثمار اجنبي)، وهذه قد لا تكفي ما يضطر البلد النامي إلى إستنزاف إحتياطياته الدولية ، كما هو حال البلدان النفطية عام 2015 وهذا العام، أو الأقتراض السيادي من الخارج.
لقد تزايدت قيمة الصادرات السلعية للعالم من 6356.6 إلى 1866.3 مليار دولار وكانت بنسبة 20 بالمائة من الناتج المحلي للعالم عام 2000 لتصل إلى نسبة 24.1 بالمائة من الناتج المحلي للعالم عام 2014 ، بمعنى ان نموها اسرع من نمو الناتج العالمي. ولازال الأتجاه العام يؤكد الحركة نحو الأنفتاح التجاري وتنامي الثقل النسبي للتجارة الخارجية في إقتصاد العالم.
ومن بداية القرن السادس عشر وحتى نهاية القرن العشرين كانت المدة بين عامي 1950 و 1973 هي التي شهدت اعلى معدل نمو سنوي حقيقي في التجارة الخارجية وهو بالمتوسط 7.88 بالمائة ويفوق معدل نمو ناتج العالم والبلدان المتقدمة بفارق كبير لتلك المدة التي شهدت نجاحات إقتصادية واسعة النطاق في الدول المتقدمة.
اما المدة بين عامي 1500 و 1820 والتي تصنف اغلبها ضمن المرحلة التجارية، اي قبل التصنيع، فكان معدل نمو التجارة الخارجية السنوي خلالها اقل من الواحد بالمائة أو 0.96 ومع ذلك فهذا المعدل يفوق نمو السكان والناتج المحلي لتلك الحقبة، وتراكمت آثاره لتؤسس للتخصص وتقسيم العمل الدولي وأوجدت بيئة في غرب اوربا ساعدت على إحتضان حركة التصنيع في بداياتها. المهم، عندما توصف تلك المرحلة من تطور الأقتصاد العالمي بالثورة التجارية أوالرأسمالية التجارية فالمقصود نسبة إلى ما كان قبلها.
بينما اسهمت الثورة الصناعية في نهضة مشهودة للتجارة الخارجية إذ بين سنتي 1820 و 1870 وبين الأخيرة وسنة 1913 كان النمو السنوي للتجارة الخارجية على التوالي 4.18 بالمائة و 3.40 بالمائة سنويا وهو اعلى من نمو الناتج العالمي، و أعطى هذا النمو دفعة قوية للعولمة. وتقاعست التجارة الخارجية بين بداية الحرب العالمية الأولى ومنتصف القرن العشرين إذ كان نموها السنوي يقترب من 0.9 بالمائة، اي اقل من الواحد بالمائة ويذكّر بمرحلة ما قبل التصنيع، وهي سنوات الحربين وما بينهما. مصدر البيانات ( Our World in Data).
ومن عام 1973 وحتى منتصف الثمانينات كان معدل نمو التجارة الخرجية سنويا 3.65 بالمائة، وبين منتصف الثمانينات وحتى عام 2000 كان معدل النمو السنوي بين 6.55 بالمائة و 7 بالمائة، ومن عامي 2000 و 2011 إنخفض إلى 5 بالمائة سنويا.
والظاهرة اللافتة للنظر ان البلدان النامية بمختلف مراحل تطورها وبالمجموع اصبح لها نصف الصادرات في العالم عام 2014 بعد ان كان نصيبها 35 بالمائة عام 2000 وهو تحول كبير يستحق التأمل العميق. وسيكون لهذا التغير أثر في موازين القوى الدولية الحاكمة للنظام الأقتصادي في العالم وربما ايضا لا يخلو من نتائج سياسية.
والطريف من بيانات التجارة الخارجية ان دول بركس ( الصين وروسيا والهند والبرازيل) اصبحت حصتها من صادرات العالم 18 بالمائة عام 2014 بعد ان كانت 7.1 بالمائة عام 2000 وهذا التغير جوهري بكل المقاييس. والصين إلى جانب صادراتها البالغة 2343.2 مليار دولار عام 2014 حققت فائضا بمقدار 380 مليار دولار. وكذلك روسيا، ايضا، أحرزت فائضا في ميزانها التجاري بمقدار 211.2 مليار دولار من صادراتها التي بلغت 497.9 مليار دولار. لكن الهند سجلت عجزا تجاريا بمقدار 141.7 مليار دولار إلى جانب صادراتها بقيمة 319.8 مليار دولار بمعنى ان إستيراداتها 461.5 مليار دولار عام 2014. والبرازيل ايضا، سجلت عجزا طفيفا نسبيا بلغ 14.1 مليار دولار وصدرت ماقيمته 225.1 مليار دولار.
وحقق العراق فائضا تجاريا عام 2014 بحوالي 30 مليار دولار من صادراته التي تقترب من 89 مليار دولار، إستنادا إلى النشرة الدولية آنفة الذكر. بيد ان الفائض المذكور اغلبه تبدد في إستيراد خدمات بانواعها بما فيها السياحة والسفر، وإستثمارات للقطاع الخاص في الخارج، وبعضه وهو الأقل لسداد إلتزامات خارجية، بحيث كانت النتيجة عجزا طفيفا في الميزان الأجمالي للمدفوعات الخارجية.
وسوريا التي بلغت صادراتها 14 مليار دولار عام 2010 إنخفضت إلى 3 مليار دولار عام 2013 . وفي مصر كان ضرر" الربيع" اقل نسبيا من سوريا إذ انخفضت صادراتها من 30.5 مليار دولار عام 2011 إلى 24.7 مليار دولار عام 2014 ، لكن عجزها التجاري كبير نسبة إلى الصادرات فهو 36.3 مليار دولار عام 2014 ،وعسى ان تكفي تحويلات الدخل والمساعدات الخارجية والقروض وصادرات الخدمات ومنها السياحة لسد هذا العجز. اما تونس فهي الأقل تضررا في صادراتها التي نزلت إلى 16.8 مليار دولار عام 2014 بعد ان كانت 17.8 مليار دولار عام 2011 ولديها عجز تجاري بمقدار 8 مليار دولار وهو نسبة إلى الصادرات اخف منه في مصر.
بقي ان ننظر في التجارة الخارجية للولايات المتحدة الأمريكية فهي الدولة الأولى في الأستيرادات حوالي 2.4 ترليون دولار عام 2014، في حين اصبحت الصين الدولة الأولى في الصادرات 2.3 ترليون دولار تقريبا. والأقتصاد الأمريكي يعمل مع عجز تجاري بلغ 789 مليار دولار عام 2014، وتسهم التدفقات المالية إلى الولايات المتحدة الأمريكية بالجزء الأكبر في سداد هذا العجز كونها ، ايضا، السوق المالية الأكبر في العالم وعملتها هي العملة الأحتياطية الدولية الأولى. فالولايات المتحدة الأمريكية هي السوق الأكبر لأستقبال صادرات دول العالم، وهذا من عوامل نفوذها الأقتصادي. والصين بعدها تستورد ما قيمته 1963 مليار دولار اي اقل من 2 ترليون ولها ميزة من هذه الناحية، ايضا، تضاف إلى فائضها التجاري والذي تراكم إلى حجم هائل واصبح له التأثير الواسع في الأسواق المالية الدولية ولا تريد الصين التذكير به لأسباب سياسية. وقد يتباطأ نمو التجارة الخارجية للصين في السنوات القادمة ويبقى مع ذلك معدل نمو تجارتها الخارجية اعلى مما هو للولايات المتحدة الأمريكية لتكون هي الدولة الأولى إستيرادا وتصديرا.
تركيا توسعت تجارتها الخارجية كثيرا بما يشبه القفزة من 27.8 مليار دولار صادراتها عام 2000 إلى 157.6 عام 2014، لكن إستيراداتها كبيرة بحيث اصبح العجز التجاري عام 2014 بمقدار 84.6 مليار دولار، وهو يحتاج إلى تمويل بالتدفقات المالية الخارجية وصادرات خدمات وربما قروض بأشكال مختلفة.
أما إيران فقد كانت أبطأ نموا في تجارتها الخارجية مقارنة مع تركيا ودول بركس إذ وصلت صادراتها إلى 88.8 مليار دولار عام 2014 بينما كانت تلك الصادرات 130.5 مليار دولار عام 2011 ، لقد ضاعت منها فرص كثيرة في القيود التي فرضت عليها، لكن الأيجابي في المشهد ان لديها فائضا تجاريا بمقدار 36.8 مليار دولار عام 2014 .
د. احمد ابريهي علي








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. خبير اقتصادي القطاع الزراعي من الا?كثر تضررا بسبب الحرب في ا


.. د. آل حمد: هذه خطتنا لدعم النمو الاقتصادي في الخليج




.. مصر تبدأ أول خط إنتاج للسيارات فى عام 2025


.. ما حجم التبادل التجاري بين تركيا وإسرائيل؟




.. من عمر الـ54 عاماً لغاية الـ62... أماني ربيع تحقق عشرات المي