الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الفكاهة السوداء وفضح الزيف البشري في كتاب - فوق بلاد السواد- قصص وحايات ساخرة - للكاتب العراقي أزهر جرجيس

قحطان جاسم

2016 / 1 / 8
الادب والفن


تعتبر المجتمعات المغلقة الفكاهة والضحك تهديدا لوجودها وقيمها المحافظة، ولهذا فانها ترى في السخرية والتهكم والطرافة ادوات اجتماعية تتعارض مع اخلاقية التزمت والانضباط، التي على الفرد الالتزام بها للحفاظ على هيمنة القائمين على المجتمع. من هنا نرى ان الفكاهة هي خرق لهذا التابو والمنع والتزمت الاجتماعي. ولهذا تجد الشعوب عبر النوادر والسخرية كوة لتحرير الذات والوعي من الخوف والانغلاق.
في هذا السياق يمكن قراءة كتاب " فوق بلاد السواد" للكاتب أزهر جرجيس ، عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر الذي صدر عام 2015 في بيروت
الكتاب هو مجموعة من القصص والحكايات الساخرة ويتضمن34 قصة وحكاية . انها قصص تتحدث عن الحرب ، الزيف الاجتماعي، الكبت الجنسي، تربية الطفل، اللجوء ، الزيف الديني، وغيرها من الموضوعات.

تمتاز الحكايات والقصص بالاختصار والتكثيف ولها هدف سياسي واجتماعي. انها تغرف مباشرة من خزين الواقع المليء بالحياة والاحداث والشخوص والصور الغنية ، دون ان يغيب عنها اللمسة الجمالية الفنية التي يتميز بها هذا النوع من الادب، وتكشف عن فرادة قص تذكرنا بشمران الياسري في اعمدته الصحفية في طريق الشعب ورباعيته الروائية في سبعينات القرن الماضي ، التي كانت سببا في خروجه من العراق بعد تهديده من قبل صدام مباشرة لما تركته حكاياته من تأثير على وعي الناس وبصيرتهم بما يجري آنذاك. الا ان ما يميز ازهر عن الياسري، انه حافظ الى حد كبير في سرد قصصه على اللغة الفصحى، وحتى حين يستخدم اللهجة الشعبية المحلية ، فانه يحاول ان يقترب من تلك التجربة التي خاضها الشاعر الشعبي الراحل علي الشباني في شعره ، بحيث يقرّب بين العامية واللغة الفصحى او ما اطلق عليه الشباني "اللغة المحكية" التي تقع بين الاثنين، وهي لغة المتعلمين او لغة الطبقة الوسطى في المجتمع..
يمتلك ازهر جرجيس طاقة ابداعية كبيرة في التهكم بحيث تأتي حكاياته سلسلة متتابعة مرحة ذات غائية مركبة فنيا وفكريا، تلتقط الكثير مما يجري بين الناس، مازجا بين ما عايشه في النرويج، بلاد اللجوء التي رحل اليها الكاتب وبين شخصيات الماضي ، ماضيه، التي تعود اليه بين الحين والاخر لتشكل عوالم حكاياته؛ فحكاية مكي الاقرع الذي باع بستانه واشترى بدله سيارة وحولها في النهاية الى سيارة لنقل جثث الحرب ص.9-13،تكشف بتهكم اكاذيب النظام الذي كان يتشدق بانتصاراته فيها وهي حكاية تملك تعميما ويمكن سردها عن بلدان وانظمة مشابهة في سلوكها.

اما شخصية غريب المؤمن فانها تتحدث عن الطفولة والقمع واشكال التربية السيئة ص.14- 18، ثم زيف التربية الدينية والقائمين عليها التي تحول الدين الى مصدر للتجارة والربح، ثم نتابع في حكاية اخرى صبيح الذي فر من الحرب و وصل الى السويد، و تلك المشاعر المتضاربة التي تناوبته بين الحنين الى الوطن و الانعتاق عبر تفتح حاجته الجنسية التي تعبر عن جوع وقمع اجتماعي ماض شاخص في وعيه في مسعى للتحرر منه . وتكشف هذه الحكاية المحنة التي يعانيها اللاجئي بين الكبت الجنسي وسوء فهمه للحرية التي يواجهها في بلدان اللجوء، فلا هو يعرف رقصة بلاده ولا هو يعرف الرقصة التي ستتيح له الحصول على مريانا العاملة في معكسر اللجوء ص. 31 . فحين طلبت ماريانا منه ان يرقص لها اية رقصه يعرفها، فانه فشل في ذلك، حتى تذكر "رقصة نوفا" التي لم تكن رقصة، بل عذابا مستديما ..في هذه القصة نلمس الفكاهة السوداء التي تضيء السلوك الانساني ومحنته عبر التهكم والكوميديا اللاذعة ، وهي كوميديا تتضح على اشدها من بين قصص و حكايات آخرى في " بلد الزهور " ص. 129-131 ايضا. . حيث المقارنة الساخرة بين العراق والنرويج التي تشيها بعض من الفاجعة، حيث تصر الشخصية الرئيسية في الحكاية على التشابه الكبير بين العراق والنرويج، الى درجة ان كاترين الصديقة النرويجية ، لم تفهم تلك المقارنة، فتغادره وهو يقول لنفسه" يا لها من مسكينة ! لم تصدق كلامي عن العراق ..لقد فاتها الكثير !". ص.131 "
كتاب "فوق بلاد السواد" يمنحنا فسحة من المرح وسط كل هذا الخراب والظلام والموت الذي يحيق بحياتنا..انه يقول لنا؛ ما يزال ثمة كوة للامل والفرح في الحياة ، واتوقع ان يكون الكاتب أزهر جرجيس مستقبلا واحدا من كتاب السرد الساخر المهمين.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أمسيات شعرية- الشاعر فتحي النصري


.. فيلم السرب يقترب من حصد 7 ملايين جنيه خلال 3 أيام عرض




.. تقنيات الرواية- العتبات


.. نون النضال | جنان شحادة ودانا الشاعر وسنين أبو زيد | 2024-05




.. علي بن تميم: لجنة جائزة -البوكر- مستقلة...وللذكاء الاصطناعي