الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ليو تولستوي في مدينة زحلة

عماد الدين رائف

2016 / 1 / 8
الادب والفن


في بيوت سكان بلدة زحلة اللبنانية، القريبة من دمشق، تمكن الرحالة والسياح والحجاج الروس مطلع القرن الماضي من مشاهدة صور الكاتب الرروسي الكبير ليو تولستوي، في إطارات خشبية، وتحتها على الأرف، كانت تصطفّ كتبه. لكن كبف حصل ذلك؟ ولماذا في زحلة بالتحديد؟ لم يتمكن المستشرقو المتخصصون بالدراسات السورية من حل هذا اللغز.
وبقي الأمر مستغرباً إلى أن كشف الباحث الروسي ألكسندر شيفمان (1907 – 1992) عن السر، فأدرجه في كتابه "تولستوي والشرق" (1)، ثم خصص له حيزاً لا بأس فيه في كتابه "تولستوي: عالم كامل"، في العام 1976. (2) ويبدو أن شيفمان اللغوي والناقد الأدبي، كان قد كرّس عمله العلمي للتخصص في أعمال تولستوي وإبداعاته، مركزاً على علاقاته الدولية لاسيما مع دول الشرق. وكشف شيفمان في مسيرته الأكاديمية عن الكثير من الخفايا في حياة تولستوي، ونشر بحوثه بين العامين 1933 و1983 في روسيا، وكان آخرها "صفحات من حياة تولستوي" (موسكو، 1983). (3)

وعثر شيفمان على الجواب من خلال دراسة أرشيف مراسلات سكان المشرق العربي، مع الكاتب ليو تولستوي. ففي السادس والعشرين من تشرين الأول/ أكتوبر 1904، وصلت رسالة من سوريا إلى ياسنايا بوليانا حيث قطن تولستوي، كتبتها باللغة الروسية فتاة شابة اسمها رامزة هواويني.
جاء في تلك الرسالة:
"زحلة، 10 أكتوبر 1904.
البالغ الاحترام ليو نيكولايفيتش،
قد يبدو لك خطي غير المألوف غريباً، لكني في هذه اللحظة سأعرفك إلى السبب.. أنا عربية المولد من سوريا، من مدينة دمشق، اسمي رامزة هواويني. تخرجت من دورة "معهد فيلاريت الأبرشي المسكوبي للنساء"، وعدت إلى الوطن، حيث أقيم مع والدتي في بلدة زحلة، القريبة من مدينة دمشق.
سكان هذه البلدة يفخرون بتعليمهم الجيد، ويصل عددهم إلى 2700 نسمة، وكلهم معجبون بكم أشد الإعجاب، ومتشوقون لرؤيتكم ولو لدقيقة واحدة. وقد قصدوني غير مرة، طالبين مني الكتابة إليكم، لكني لم أجرؤ على اتخاذ القرار في ذلك. وأخيراً طلبوا مني أن أرسل إليكم بطلب واحدة فقط، وهو أن تتفضلوا بإرسال صورتكم الشخصية الغالية، وسيكونون في غاية الامتنان، حيث إنهم غالباً ما يجدونها تظهر على صفحات الجرائد العربية بشكل رهيب وغير واضح.
لذلك، أيها البالغ الاحترام ليو نيكولايفيتش، اغفر لي أن أتوجه إليكم بهذا الطلب، الذي آمل ألا ترفضه وهو أن ترسل بصورتكم العزيزة علينا كي نعلقها في بيوتنا التي تكن إليكم المودة، وكذلك لنشرها في الصحف والمجلات المحتاجة إليها.
مرة أخرى أرجو منكم التساهل، وعدم الالتفات، إلى كتابتي السيئة المتلعثمة.
أطيب المنى في الحياة.
من خادمتكم المطيعة. رامزة هواويني". (4)

ولما كان بريد ليو تولستوي واسعاً جداً، حيث كان يتلقى رسائل من جميع أنحاء العالم، فلم يجد الوقت المناسب للرد فوراً على طلب الفتاة السورية. لكن طلبها لم يكن طي النسيان.
ففي الحادي عشر من شباط/ فبراير 1905، وبعد اختيارة واحدة من الصور الملتقطة له، أدرجها طي رسالة أرسلها إلى سوريا البعيدة. وكتب فيها:
"أنا شديد الأسف سيدتي العزيزة، حيث لم أحقق حتى الآن رغبتك ورغبة طالباتك، المنصوص عليها. أبعث أليك بصورتي المتوفرة لدي، وأرجو منك قبول عذري على عدم فعل ذلك سابقاً".

صورة تولستوي المرسلة من روسيا، كانت هدية عظيمة لسكان بلدة زحلة. فقد تم استنساخها، وظهرت على صفحات الجرائد والمجلات العربية. وذلك كله بفضل الشابة رامزة هواويني، كما يقول شيفمان.
وقد شكرت هواويني تولستوي في رسالة جوابية بحرارة، تقول فيها: "من القلب، نتقدم منكم بامتنانا الكبير لتحقيق رغبتنا المشتركة، ونتمنى لكم وافر الصحة وسنوات عديدة من الحياة. رسالتكم المرفقة بصورتكم وصلت إلى عنواني في غيابي، وانتظرتني على الطاولة إلى حين وصولي. وما إن رأيتها حتى طرت من الفرحة، تقبلوا عذري مرة أخرى، مع خالص الامتنان لذكراكم الطيبة وللطفكم"، وقد كتبت الفقرة الأولى منها نيابة عن جميع سكان البلدة.
وفي حاشية رسالتها، ذكرت رامزة هواويني أنها مستعدة لإرسال أي مواد عن حياة شعبها، قد يحتاجها الكاتب في عمله الإبداعي. وسألت ليو نيكولايفيتش ألا ينسى العرب وأن يتجه إليهم بأفكاره "ولو مرة في السنة". ويهمل شيفمان في كتابيه تاريخ تلك الرسالة، ولا تظهر تفاصيل مهمة عن طبيعة عمل هواويني، على الرغم من كون تولستوي يشير إلى "الطالبات"، وقد يكون ذلك عائد إلى طبيعة المعهد الذي تعلمت فيه هواويني في موسكو.

والجدير ذكره أن مدرستين للبنين والبنات كانتا في عهدة "الجمعية الأمبراطورية الارثوذكسية الفلسطينية" في زحلة – المعلقة في تلك الحقبة، وعلى الأرجح أن تكون هواويني قد علمت في مدرسة البنات في زحلة بعد عودتها من الدراسة في موسكو، كما تذكر الباحثة الروسية اللبنانية تاتيانا كوفاشيفا، في كتابها "المدارس المسكوبية في لبنان". (5)
وللأسف، المعلومات المتوفرة عن رامزة هواويني قليلة جداً، وربما هي المرأة العربية الوحيدة في زحلة، التي كانت تجيد الكتابة بالروسية في تلك الفترة. ويذكر شيفمان من مصادره أنها مارست التعليم في بلدتها لفترة طويلة، حيث كانت تعلم طالباتها إلى جانب المواد التعليمية الأساسية حبها الحار للأدب الروسي. ثم سافرت إلى دمشق، وبعدها إلى القاهرة. ومن غير المستبعد أنه كانت لها مساهمة في نشر بعض أعمال تولستوي بالعربية، كما رجّح شيفمان.


------
هوامش
------
(1). تولستوي والشرق، ألكسندر شيفمان (موسكو: إصدارات الآداب الشرقية، ط1: 1960). ص 381 وما بعدها.
(2). تولستوي: عالم كامل، ألكسندر شيفمان (تولا: إصدارات برويك، ط1: 1976) ص 237. ويتألف الكتاب من قسمين، يتحدث شيفمان في الأول حياة تولستوي الكاتب والإنسان، متوقفاً عن وقائع وأحداث في سيرة الكاتب. أما القسم الثاني فيخصصه لسعة معرفة تولستوي، وتأثيره في أعمال الكثير من الكتاب حول العالم.
(3). تركزت الأبحاث حول علاقة تولستوي بالصين واليابان وإيران وتركيا والشرق العربي، وأصدر نتاج تلك الأبحاث في كتاب "تولستوي والشرق"، وقد لاقى الكتاب رواجاً واستحساناً كبيرين من قبل المتختصين. ومنح شيفمان جائزة جواهر لال نهرو الهندية الدولية، حيث سافر إلى الهند لاستلامها من أنديره غاندي في العام 1970.
(4). الرسالة محفوظة في قسم المخطوطات في متحف ل. ن. تولستوي.
(5). المدارس المسكوبية في لبنان 1887 -1914، تاتيانا بحر وبيوتر فيدوتوف (بيروت وسان بطرسبورغ: المتحف الحكومي للتاريخ الديني، ط1: 2012) القسم الثاني.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أدونيس: الابداع يوحد البشر والقدماء كانوا أكثر حداثة • فرانس


.. صباح العربية | بينها اللغة العربية.. رواتب خيالية لمتقني هذه




.. أغاني اليوم بموسيقى الزمن الجميل.. -صباح العربية- يلتقي فرقة


.. مت فى 10 أيام.. قصة زواج الفنان أحمد عبد الوهاب من ابنة صبحى




.. الفنانة ميار الببلاوي تنهار خلال بث مباشر بعد اتهامات داعية