الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نتنياهو قلق من انهيار السلطة الفلسطينية

يعقوب بن افرات

2016 / 1 / 8
مواضيع وابحاث سياسية


خلال اجتماع المجلس الوزاري المصغر الذي عقد يوم الاحد 3/1 قال نتنياهو: "علينا أن نمنع انهيار السلطة الفلسطينية وفي نفس الوقت يجب أن نجهز أنفسنا لحالة انهيار السلطة". هذه ليست الجلسة الأولى بل الثانية للمجلس المصغر خلال عشرة أيام مما يدل على أن الموضوع يكتسب خطورة بالغة بل وطارئة نظراً للوضع الاقتصادي والأمني في المناطق التي تسيطر عليها السلطة الفلسطينية. وكانت توصيات الأجهزة الأمنية الإسرائيلية واضحة عندما أكدت على ضرورة أن تتخذ الحكومة كل التدابير اللازمة لمنع انهيار السلطة، وحسب جريدة هآرتس فقد تبنى نتنياهو هذه التوصيات وبدأ بسلسلة من الإجتماعات مع وزير الدفاع، رئيس المخابرات والمنسق العام في المناطق المحتلة للبت في الموضوع ولكن بسبب ضغوط سياسية فإن أغلبية التوصيات التي عرضتها أمامه الأجهزة الأمنية لم تُنفّذ.
مما لا شك فيه أن الضغوط السياسية هي التي تمنع الحكومة -التي تستند على أغلبية ضئيلة جداً في البرلمان- من اتخاذ خطوات جدية لمنع انهيار السلطة الفلسطينية التي اصبحت ركناً اساسياً في وجود الاحتلال والاستيطان. إن الإعتبارات السياسية ذاتها هي التي قادت نتنياهو لوضع شروط تعجيزية بهدف منع أي تقدم في المفاوضات مع أبو مازن حتى تسبب في توقف العملية التفاوضية وبقت السلطة الفلسطينية معلقة بين الأرض والسماء أو بالأحرى بين الاحتلال من جهة والشعب الفلسطيني من جهة أخرى. إن العمليات الفردية، من دهس وطعن جنود ومدنيين إسرائيليين، التي اندلعت على خلفية حرق وقتل عائلة الدوابشة قد أوضحت للقاصي والداني أن السلطة الفلسطينية فقدت سيطرتها على الأحداث وأن انسداد الأفق أمام الحل السياسي يزيد من الغضب والإحباط عند الشعب الفلسطيني الذي ينتفض بشكل عشوائي، حتى أصبحت هذه السلطة عنصراً لا قيمة له أو اعتبار.
حتى الآن ترنح الموقف الإسرائيلي من احتمال حدوث انهيار للسلطة الفلسطينية بين اللامبالاة والإستهتار بكل من حذر من هذا الإحتمال بسبب ممارسات الاحتلال والطريق المسدود في المفاوضات. وقد استندت التقديرات الإسرائيلية إلى القرارات المتلاحقة التي اتخذت من قبل للجنة المركزية لحركة فتح والتي أوصت بوقف التنسيق الأمني مع إسرائيل وبالتهديدات المتكررة من قبل المفاوضين الفلسطينيين أنفسهم بتسليم المفاتيح للاحتلال إذا لم يتم إحراز أي تقدم في المفاوضات. غير أن كل هذه التوصيات والتهديدات كانت فارغة المضمون لدرجة وصلت فيها الحكومة الإسرائيلية إلى الإستنتاج المنطقي بان وجود السلطة الفلسطينية ليس مصلحة إسرائيلية فقط بل فلسطينية أيضاً بمعنى أن القيّمين على هذه السلطة يستفيدون منها ومن كل الإمتيازات الاقتصادية وسيستمرون في الحفاظ عليها بغض النظر عما تقوم به إسرائيل من قمع واستيطان. وقد دوّى تصريح أبو مازن الشهير أمام الصحافيين الإسرائيليين في مايو 2014 ومفاده "لا نريد سوى طريق السلام" وأن "التنسيق الأمني أمر مقدس".
بينما تستعد إسرائيل المحتلة لانهيار السلطة وتناقش الخيارات إزاء هذا السناريو لا يوجد في المقابل في الجانب الفلسطيني أي نقاش جدي حول هذا الاحتمال. إتفاق أوسلو أصبح إطاراً مقدساً لا بديل عنه وأقيمت في ظلّه سلطتين فلسطينيتين في كل من الضفة الغربية وغزة. وإن تداول هذا الموضوع المصيري كان من منطلق الإحتجاج دون أن يتم التخطيط الفعلي لأي بديل. فوقف التنسيق الأمني شيء مهم ولكنه لا يفترض حل السلطة الفلسطينية بكاملها، ومن الواضح أنه وفي حال اختفت السلطة الفلسطينية فلا بد لإسرائيل إلّا أن تعيد الإدارة المدنية وهذا كابوس لا تريده وستعمل كل ما بوسعها لمنعه. فاذا كانت إسرائيل لا تريد أن تحل مكان السلطة الفلسطينية والسلطة نفسها فقدت كل مصداقية وإمكانية للاستمرار في وظيفتها الأمنية والخدماتية فالبديل هو الفوضى إذن. إن تصرف إسرائيل من ناحية والسلطة من ناحية أخرى يدل على أنهما، ورغم التعاون الامني الوثيق بينهما، تقودان بسبب عجزهما السياسي إلى الفوضى التي ستؤدي إلى مآس لكلا الشعبين الإسرائيلي والفلسطيني في آن.
الغريب في الأمر هو أن من يدفع باتجاه مثل هذه الفوضى هم المستوطنون من ناحية وحركة حماس من ناحية أخرى. إن المستوطنين قد قتلوا رابين على خلفية تسليمه أجزاء من الضفة الغربية وغزة لياسر عرفات وهم يعارضون بشدة كل اتفاق يفترضُ إزاحة الاستيطان لتمكين الفلسطينيين من إنشاء دولتهم المستقلة. أما حماس فهي ترى في فتح والسلطة الفلسطينية عدوها الرئيسي لأن التنسيق الأمني موجّه ضد عناصرها وكل غايته منعها من السيطرة على الضفة الغربية من خلال إنقلاب على غرار ما حدث في غزة. وقد أصبح الإنقسام الفلسطيني واقعاً جامداً لا يمكن أن ينتهي إلّا في حال انتصر أحد الفرقاء على خصمه أو في حال انتصر الشعب على هاتين الحركتين اللتين تحتكران السياسة الفلسطينية منذ 25 عاما، باسم السلام تارة، وباسم المقاومة تارة أخرى يعيش الشعب الفلسطيني حالة من إنعدام الحياة السياسية، نظام ديكتاتوري في غزة والضفة الغربية تحت سقف الاحتلال الإسرائيلي.
وقد منعت هذه الديكتاتورية المزدوجة -التي تتنافس على السلطة من أجل تحقيق مصالحها وامتيازاتها الضيقة بعيداً عن معاناة الشعب وطموحاته- من بروز قوى سياسية بديلة. ومع أن غالبية الشعب الفلسطيني تعارض ما تقوم به فتح في مناطق سيطرتها في الضفة الغربية المحتلة وحماس في غزة المحاصرة إلّا أنه لا توجد حتى الآن قوة بديلة قادرة على استقطاب الشعب الذي يشمل كل من لا يستفيد من قيام هذه السلطة، وهم العمال والشباب الذين يعيشون دون عمل وأمل في المستقبل وأيضاً كل الذين يتعرضون للقمع الوحشي من قبل الاحتلال.
وإذا كان الربيع العربي قد جمع بين الشباب العرب على نطاق العالم العربي كله دون استثناء فإنه قد قفز عن فلسطين. إن السلطة الفلسطينية هي عدو لدود للربيع العربي، صديقة للإنقلابيين في مصر والنظام الأسدي المجرم في سوريا ولم نرى حتى الآن أي تعبير شبابي فلسطيني جدّي للتضامن مع الشباب المصري الذي يقضي في السجون أو مع الشعب السوري الذي يتعرض لأبشع الجرائم ضد الإنسانية.
إن هذا الإنعدام المطلق لأي بديل عن السلطة الفلسطينية وحماس يقود إلى الفوضى دون شكّ، وإلى خطر الإقتتال الداخلي. إنهيار السلطة الفلسطينية هو أمر محتوم فلا مبرر لوجودها منذ أول يوم أقيمت فيه. إن اتفاق أوسلو هو مقبرة النضال التحرري الفلسطيني واتضح بأنه إطار لتسهيل الإستيطان وإدامة الاحتلال لا غير. وقد ضيّع الشعب الفلسطيني 20 عاماً شهد خلالها كيف يتوسع الاستيطان من ناحية وانقسام داخلي كان سببه المنافسة على السلطة التي تم إنشاؤها في أوسلو من ناحية أخرى. إن انهيار هذا الكيان الفلسطيني الغريب الذي ولد من رحم أمريكا وإسرائيل ولا مثيل له في تاريخ الشعوب من الممكن أن يقود إلى فوضى ولكن من ناحية أخرى سيضع الشعب الإسرائيلي أمام الحقيقة المرّة إما العودة إلى أيام الاحتلال بكل ما تتطلبه من تكلفة مالية وصراع وعزلة دولية، أو التسليم بالحقوق الفلسطينية الكاملة.
ومن ناحية أخرى فإن انهيار السلطة سيخلط كل الأوراق السياسية وسيجبر القيادات الشابّة على تحمّل المسؤولية والانضمام إلى أشقائهم في العالم العربي الذين يعلموننا يوماً بعد يوم دروساً في التضحية من أجل الحرية ،الديمقراطية، والعدالة الإجتماعية. إن إرادة الشعوب لن تقهر وإذا ثار الشعب الفلسطيني ضد الاحتلال وهو يتمسك بمبادئ الربيع العربي فسيحظى بدعم وتضامن العالم كله إضافة إلى القوى الديمقراطية داخل إسرائيل والتي تعبر يوماً بعد يوم عن استيائها العميق من اليمين الإسرائيلي الذي لا يفتح أفقه إلّا للعداء ويسد كل أفق للسلام.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. السنوار ونتنياهو يعيقان سياسات بايدن الخارجية قبيل مناظرة ان


.. خامنئي يضع قيودا على تصريحات مرشحي الرئاسة




.. يقودها سموتريتش.. خطط إسرائيلية للسيطرة الدائمة على الضفة ال


.. قوات الاحتلال تنسحب من حي الجابريات في جنين بعد مواجهات مسلح




.. المدير العام للصحة في محافظة غزة يعلن توقف محطة الأوكسجين ال