الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أفلام العنف بين الأمس واليوم

ماجدة تامر

2005 / 11 / 9
الادب والفن


لم يعد ثمة شك في أن العنف الذي تقدمه لنا شاشات التلفزيون والسينما قد بلغ حداً مبالغاً فيه ، وأصبح من المعتاد جداً أنك كلما فتحت جهاز التلفزيون تندفق عليك أصناف وأصناف من العنف والقسوة لا يمكن احتمالها ، قتل واغتصاب وسطو وضرب .
وقد تعددت في الآونة الأخيرة الدراسات التي تتناول ظاهرة العنف السينمائي هذه، وتعالت الأصوات التي تطالب بتحجيم هذا الفيض من الدم والضجيج.
من بين الكتب الحديثة التي صدرت بهذا الصدد كتاب للمؤلف " مايكل ميدفيد " بعنوان "هوليود ضـد أمريكا " ويتهم المؤلف صناعة السينما الأمريكية بتدمير قيم المجتمع الأمريكي ، وإغراق الناس في بحور من العزلة وكره الآخرين .
ونظرا لما تنتجه هوليود من أفلام ومسلسلات يُعرض كثير منه في المنطقة العربية عموماً ، فإنه قد يكون مفيداً أن نتعرض لبعض ما جاء في هذا الكتاب .. لعلنا نتنبه!!
يرى المؤلف " ميدفيد " أن إدمان هوليود العنف هو أكثر العوامل التي تشكل خطراً على الثـقافة الشعبية ، ويؤدي هذا التركيز المبالغ فيه على العنف والقسوة إلى تشجيع مزيد من السلوك الرافض للمجتمع .

الآثار السلبية على الأطفال

ومن الدراسات الهامة بهذا الصدد دراسة أجراها فريق من الباحثين في جامعة " الينوى " الأمريكية ، وخلصت هذه الدراسة إلى أن الأطفال الذين يشاهدون مسلسلات العنف في التلفزيون بكثرة يكونون أكثر ارتكاباً للجرائم عندما يكبرون من غيرهم الذين لا يشاهدون مسلسلات العنف.

وكان من بين النتائج التي انتهت إليها هذه الدراسة أيضاً أن العنف التلفزيوني يؤثر في الأطفال من كل الأعمار ، ذكوراً وإناثا ً، ومن كل المستويات الطبقية ، وتنبه الدراسات إلى حقيقة أخرى وهي أن المشاهدين ينخفض إحساسهم بالإثارة يوماً بعد يوم نتيجة لكثرة مشاهد العنف.. وهنا يضطر المنتجون والمصورون وكتّاب السيناريو إلى زيادة جرعات العنف أكثر.. وهكذا تصبح المسألة دائرة مفرغة وتصبح مزيداً من العنف يؤدي إلى فقدان الإحساس بالخوف فيقدم المنتجون عنفاً أكثر وأكثر. وهكذا تتحول سينما العنف إلى ما يشبه الإدمان .
ولم تعد مناظر الدم والعنف التي كانت تخيف الناس في الماضي تثير خوف أحد ، بل والأكثر من ذلك أن هذه المناظر الدموية أصبحت جزءاً من الثـقافة العامة الشعبية للناس، ويترتب على ذلك أن التسامح مع هذا الكم الكبير من العنف الدموي على الشاشة ، وفي وسائل الإعلام يؤدي إلى التسامح مع العنف الدموي في الشارع وداخل البيوت .

وكأي إدمان آخر ، فإن مدمن أفلام العنف يحتاج دائماً إلى جرعة أكبر فأكبر ، وهكذا أصبح صّناع الأفلام يتفننون في زيادة عدد القتلى في الفيلم .
وعلى سبيل المثال فإن فيلم " ديك تريسي " وهو فيلم موجه إلى المراهقين والأطفال أساساً، احتوى على 14 حادث قتل .
ويقول أحد النقاد أن كتّاب السيناريو والمخرجين الذين يشعرون بالملل يتخلصون من مللهم بابتداع مزيد من مشاهد القتل والدماء .
وهكذا فإنهم ينقلون ساديتهم وعقدهم النفسية إلى المشاهدين ، حتى لو كان هؤلاء المشاهدون أطفالاً أبرياء !
وعـندما سـُئلت طفلة عمرها 12 عاماً تعيش في مقاطعة قريبة من واشنطن ، عن رأيها في فيلم " استدعاء جماعي " المليء بالدم والقتل قالت ضاحكة : " إنه فيلم ممتع.. وأكثر ما يمتع فيه منظر القتل ، ومنظر الرؤوس التي تسقط .. كم هو جميل أن نرى رؤوس
الناس تصاب بالرصاص .

التنكر للإنسانية

ويختلف العنف المقدم في هوليود الآن عن العنف الذي كان صانعوا الفيلم يقدمونه في الماضي ، ورغم أن صانعي الأفلام ينفون هذه الحقيقة ، إلا أن ذلك هو الواقع ، ووصل الأمر بأحد المنتجين هذه الأيام إلى أن شبه نفسه بشكسبير! إذ قال : انظروا إلى مسرحية " هاملت " التي ألِّفت من 400 عام.. ألم تنته بامتلاء خشبة المسرح كلها بالجثث ؟ إننا اليوم نفعل نفس الشيء الذي كانوا يفعلونه منذ أربعة قرون !
غير أن هذا المنتج نسي شيئاً هاماً جداً ، ألا وهو أن شكسبير كان يكتب عن الموت ليؤكد إنسانية الإنسان وليس لأجل احتقارها والسخرية منها كما يفعلون اليوم في هوليود ، إنهم يصورون اليوم في هوليود الأجسام البشرية كما لو كانت قطع كرتون .
وكما يلاحظ معظم النقاد السينمائيين ، فإن أفلام العنف في الستينات والسبعينات كانت تترك لدى المشاهد الرغبة في أن يلقى القاتل جزاءه وأن ينال عقابه ، وكانت الأفلام تجعل من المشاهد مشاركاً في الثأر من المجرم ، مشاركاً على مستوى اللاشعور طبعاً ، أما اليوم فعلى العكس ، الأفلام تدعو المشاهد وتحفزه إلى الاستمتاع بالقتل والضرب والتشويه .
وهنا يقول " ستيفن ماك " أحد أساتذة الاجتماع في جامعة كاليفورنيا الأمريكية أن المشاهد اليوم لم يعد يتوحد مع الضحية ويتعاطف معها كما كان الأمر في الماضي .
وللأسف فإن صنّاع الأفلام يفعلون ذلك بمنتهى المتعة ، ولنستمع إلى "مارتن سكورسيس" مخرج فيلم " رأس الخوف " وهو يتحدث عن فيلمه ، إنه يقول عنه أنه فيلم يحكي عن رجل يريد الانتقام ، وهو فيلم مليء بالمتعة .
وإذا ما اتاح لنا الوقت بأن نشاهد هذا الفيلم فإننا سنرى ضرباً مبرحاً ومحاولات قتل واغتصاب ، وتشويه وجوه ، وحرقا ً، وجروحاً ، ونزيف دماء ، وغرقاً ، بل ووصل الأمر إلى حد تسميم كلب العائلة ! هذه هي المتعة التي يتحدث عنها صانع هذا الفيلم !
وللأسف ، فإن هذا المفهوم البشع للمتعة - كما يتحدث عنه المخرج - انتقل إلى كثير من مرتادي دور السينما ، وأصبحوا يؤمنون به فعلاً ، ويكفي أن تستمع إلى الضحكات التي تنطلق من المشاهدين في صالة العرض كلما رأوا رأساً يطير أو دماً يتدفق ! وهنا يرد علينا أحد الخبراء النفسيين قائلاً: لا تحسبوا هذه الضحكات تعبيراً عن السعادة بل هي ضحكات تخفي وراءها توترا وقلقا بالغين .

المبالغة في العنف

عندما يشاهد الناس العنف كل يوم في التلفزيون والسينما ، يخيل إليهم أن ضرب الآخرين وقتلهم هو شيء عادي ، وعلى سبيل المثال قد يرون أن المشاجرة بين شخصين في الطريق العام يمكن أن تظل دائرة لوقت طويل ، بينما واقع الأمر أن المشاجرة يجب أن تستغرق لحظات قليلة فقط .
وهكذا فإن التلفزيون أصبح لا يضخم من حجم الجرائم التي تقع في الواقع فقط ، بل إنه يركز على الجرائم الأكثر إيذاءً ، مثل القتل والاغتصاب ، وتشير إحدى الإحصائيات إلى أن نسبة جرائم القتل التي يقدمها التلفزيون هي 45 بالمئة بينما في الواقع لا تزيد نسبة جرائم القتل إلى بقية الجرائم على 5 % فقط .
وتعقيبا على ذلك فإن ما يشاهده الأشخاص في غرف معيشتهم كل ليلة ليس تعبيراً عن واقع حياتهم ، بل هو تزييف للحقائق الذي تتحمل هوليود مسئوليته .
ويبقى أن نرد على مقولة أن عرض الجريمة يؤدي إلى تعريف الناس بها وبالتالي تجنبها، إنه قول غير سليم ، لأن الخوف الدائم من وقوع الجرائم يؤدي إلى وقوعها فعلاً، وبالتالي تؤدي العزلة وتجنب الآخرين إلى تنمية الأحاسيس والمشاعر المناهضة للسلوك الاجتماعي السوي ، ومن ثم تتكون البيئة الملائمة للجرائم .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. برنار بيفو أيقونة الأدب الفرنسي رحل تاركًا بصمة ثقافية في لب


.. فيلم سينمائي عن قصة القرصان الجزائري حمزة بن دلاج




.. هدف عالمي من رضا سليم وجمهور الأهلي لا يتوقف عن الغناء وصمت


.. اختيار الناقدة علا الشافعى فى عضوية اللجنة العليا لمهرجان ال




.. صباح العربية | نجوم الفن والجماهير يدعمون فنان العرب محمد عب