الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سوريون و لسنا عرباً

أمين نور

2016 / 1 / 9
مواضيع وابحاث سياسية


استطاع تاريخنا الأسود بأنظمته القمعية التدجينية إقناعنا بأن انتماء شعبٍ يتم استخلاصه من جنسية اللغة المحكية. و بكل سذاجة – و وقاحة- قامت تلك الأنظمة بتلقين شعوبنا المغلوبة على أمرها, تلك العقيدة الساذجة, حتى تشرب بها المجتمع, الكبير و الصغير, المثقف و الأمّي. "كذبوا الكذبة و صدقوها" كما يقول الملعون بشار الأسد.
فأصبحنا نرى مثقفينا يستغربون من انتماء مواطني الهند إلى الهند, بالرغم من أن الهند تتكلم مئات اللغات, و يستغربون بذات الوقت من عدم توحد العرب بالرغم من انتماءهم لنفس اللغة. وا حسرتاه على مثقفينا عندما تقبلوا هذه السذاجة بالتفكير, و ظنوا حقاً أن اللغة هي ما يحكم الانتماء. كيف كان لهم أن يتجاهلوا التركيبة الأوروبية مثلاً, فألمانيا و النمسا كلاهما يتكلم ذات اللغة, لكنها دولتين مستقلتين, و يفتخران باستقلاليتهما و علاقاتهما الطيبة في ذات الوقت. بريطانيا و أمريكا و كندا و أستراليا, كلهم يتكلمون ذات اللغة, إلا أن كلاً بانتماءه الخاص و سياسته الخاصة.. في الحقيقة إن حجة الانتماء باللغة قد تكون أكثر الحجج سذاجة.
أما السبب الآخر الذي يعتنقه دعاة العروبية, أو دعاة أي انتماء, و الذي ينتمي لحالة أكثر منطقية لكنها أقل واقعية و عملية, و هو "وحدة الآمال و التاريخ", و الذي أعتبره شخصياً شرطاً أقرب منطقية من سبيقه في حال كان صحيحاً. لكن..
ينتمي هذا الشرط في الحقيقة إلى خانة الميتافيزيقيا, فهو يفترض مسبقاً ما انتهت منه الدول الغربية منذ عشرات السنين إن لم يكن منذ قرون, ألا و هو الإجماع(الشراكة في الرأي), حيث توصل الغرب إلى نتيجة مفادها: "لا يوجد إجماع على أي شيء, و ليس على المجتمعات أن تتعب نفسها في البحث عن إجماع, إن من الحماقة إزهاق الطاقات في البحث عن إجماع". كانت هذه الطريقة في التفكير هي ما يمثّل الانفصال عن الميتافيزيقيا و نسيانها إلى الأبد, و اعتناق الفكر "السياسي" الواقعي, أو كما يقول أعظم فيلسوف سياسي في القرن العشرين جون راولز “Political, Not Metaphysical” . لهذا, فبهذه الكلمات التجريدية, الانتماء من أجل هدف يجمعنا ليس حجة صالحة, لأنه لا يوجد في هدف يجمعنا جميعنا.
لكنني لست هنا لأضيع القارئ و أتحدث بهذه اللغة التجريدية, بل أدرك تماماً أنني أوّجه خطابي إلى مجتمع شرقي, متشرب بالميتافيزقيا حتى أخمص قدميه, حتى علمانيه و لادينيه, و لهذا, فسوف أخاطبه بشكل يفهمه أكثر. هل هناك حقاً آمال مشتركة و تاريخ مشترك؟
حسناً, إن كان هذا حقاً, فقضية استرداد الأهواز من إيران لا تعني العراقيين وحدهم, و إنما تعني باقي العرب حتى جزر القمر.. و هل سكان جزر القمر معنيون بهذا الأمر حقاً؟ و يشعرون بالحمية لاسترداد الأهواز؟ أين المنطق من هذا؟.. لكن السؤال الأكبر, هل كافة العراقيين –ألا و هم المعنيون المباشرون بالأمر- مهتمون باسترداد الأهواز؟ و أعرف الجواب و متأكد منه "لا", فقابلت من العراقيين من هو غير مهتم ولربما لا يعرف تسمية مدينتين من مدن الأهواز "المغتصبة". ماذا عن أهل الأهواز نفسهم, هل هم مجمعون على العودة إلى حضن العروبة؟
و قس على ذلك باقي "الآمال" المزعومة بالتوسع و الطرد و الغنى و ذل الأعداء.. سترى أن كل بلد من البلدان التي يُطلق عليها عربية, لديه آماله و أحلامه الخاصة, و أعداءه الخاصين به, و لا يبدو أن هناك شراكة في شيء سوى في الاختلاف.
لكن يسأل أحدهم, ماذا عن إسرائيل و فلسطين؟ و التي قد تكون أكثر قضية يُجمع عليها العرب! لعلني لست وحيداً بعد اليوم –و الشكر يعود للثورة السورية- من يرى نفاق معتنقي "النضال الفلسطيني". في الحقيقة لم تكن فلسطين و تلك القضية سوى شماعة تُعلق عليها المجتمعات العربية نفاقها. فإن كانوا حقاً يرون في تحرير القدس هدفاً مشتركاً, فلإن العرب أكثر الشعوب في التاريخ تقاعساً و نبذاً لتحقيق أهدافهم هذه. و أما أنا, فأرجح السبب القائل بنفاق السياسات العربية و جعل "فلسطين" مجرد هتاف أصم لا يسمن ولا يغني من جوع, و يهدف لتجييش و تحمية الشعب و وسيلة لتخديره و تصدير حقده.
إسرائيل في حالة سلام مع جميع الدول العربية, و لا يبدو أن من مصلحة أي دولة أن تكون على حرب معها, أضف إلى أن جميع الأراضِ التي حازتها, شرعية نسبياً, إذا تمت حيازتها بصكوك تملك و اتفاقيات هدنة بعد الحروب خسرها العرب, أجدادنا و أباؤنا, لم نخسرها نحن و لم يكن ذنبنا أو وزرنا أن ساهمنا في تلك الخسارة, و لا أرى نفعاً في تعريضنا لخسارة أخرى و همٍ آخر على ظهورنا. ليست المشكلة مع إسرائيل نفسها بعد اليوم, فإسرائيل اليوم أصبحت واقعاً, و حتى "أبو عمار" وافق على التنازل عن فلسطين و الإبقاء على الضفة الغربية و الاعتراف بإسرائيل, فكفى للعرب نفاقهم, الأزمة الإسرائيلية الفلسطينية انتهت, و ليس عليهم ولا علينا إشغال البال بها. عسى أن نوظف هذه الطاقات في أمور بناءة أكثر.
و في الحقيقة, فلا أرى إجماع العرب على تحرير القدس بعد اليوم. فيكفي التيار الذي أمثله, و الذي يريد السلام و التقدم لكلا الإسرائيليين و الفلسطينيين, ليكسر أي وفاق مزعوم بين العرب حول هذه القضية.
ماذا عن وحدة التاريخ؟ إنها أكثر حجة تخدش القلب, فبكل وضوح, أهل الشام يختلفون عن أهل السعودية, و أهل المغرب يختلفون عن أهل الأردن, و مع ذلك, يُقال عنهم جميعهم أنهم عرب, و لربما إحدى المآسي الكامنة التي لعبت دوراً في تفجير الثورات العربية هو عدم القدرة على استعراض الهوية, و يئسِ الكثيرين من نسبهم إلى شيء هم ليسوا عليهم.
و ما هو أقرب إلى الحقيقة, أن التاريخ من بلد إلى بلد يختلف, و لا يوجد تاريخ مشترك حتى بين الأخوين التوأمين!, فما بالك بدول مختلفة بحدود مختلفة و سياسات مختلفة و ماضٍ استعماريٍ مختلف, و طرق حكم مختلفة!
فإن وحّدنا الإسلام تاريخياً, و هو حالة مشتركة واحدة, فهذا لا يعني أننا نشترك في كل شيء, على هذه الحال, لقلنا عن الأتراك عرباً و عن الأندونيسيين عرباً و عن الأوروبيين روماناً و عن الآسيويين مغولاً.. الخ
ليس ما أدعو إليه من إنفصال السوريين عن العروبة هو دعوة عنصرية, بل أخشى أن تتحول إلى عنصرية, و إن تحولت مستقبلاً فإنما هذه شوائب من الفكر السابق المرفوض أرجو أن تزول بسرعة عندما يعي المجتمع سبب وجودها. إنما ما أدعو إليه هو أن نكون نحن فقط, و أن يتم التعريف بنا بما هو أقرب إلى الحقيقة, سوريون, نتاج لسيرورة تاريخية من عدة تجارب و حضارات, العربية و الكردية و التركية و الآشورية و الكلدانية و الآرامية و السريانية و التدمرية و الرومانية و الاستعمارية و المسلمة و المسيحية. و أن نفتخر بكل هذه الانتماءات دون تفويت الآخر. فلا شيء يولد العنصرية أكثر من احتكار هوية الانسان لصالح هوية أطغى, و قمعه عن أدنى قدراته الإنسانية, و هي محاكمته العقلية بماهيته.
إن سورية جديدة, لن تكون مترابطة دون هذه التعددية, و هذه التعددية ليست حلاً مطلقاً, فأنا أحاول أن أنبذ اللهجة "المخلصية" التي كانت الأنظمة العربية تتبعها, و إنما أحاول التركيز على ما قد يساهم بالحل, فالأكراد مثلاً في حالة هياج دائم, و السُنّة في حرب طائفية مع العلويين من الصعب أن تلتئم جروحها, و العلمانيّون في خلاف عميق مع الإسلاميين, و أزمة الهوية تتعاظم و تتعاظم, و ما يزكيها سوى إنكار هوية الآخر, و تقبل الآخر ذاك لربما يكون ماءاً طيبة على نار تتوق لما يطفئها.
و أما عن المنظرين في القومية العربية, و الآباء المؤسسين لسوريا, ذوي الميول الإنسانية, مثل هاشم الأتاسي و برهان غليون و الطيب تيزيني و أمثالهم.. فكم أكنّ لهم من احترام و تقدير, و أشجب كل من ينكر فضلهم. إلا أنهم طوال مشوارهم كانت مساهماتهم بأغلبها مجرد "تسكيج" للعطل, و محاولة لإرضاء حاضرهم, متناسين مستقبل الأجيال القادمة الشابة, مثل أجيالنا, و التي ستفقد التأثير الفكري ذاك, و إن تأثرتْ به فستكون في ظروف لا تسمح لها بالاقتناع به, و إن اقتنعت به فستجد تطبيقه حالة خيالية بعيدة عن العملية والمنفعة. و لربما استخف هؤلاء المثقفون أو أساؤا التقدير بإمكانية الشعب و الشباب على التفكير بهذه الطريقة, ربما لعدم معالجتهم للمعطيات الناتجة عن ردات الفعل المتطرفة في الشرق الأوسط, و لم يحسبوا قدماً لحالة مثل هذه الحالة.
إن قدرة السوريين على المجاهرة بهويتهم الحقيقية و تشجعهم لرفض ما لا يظنون أنه يمثلهم و يرمز لهم, هو إحدى الخطوات المهمة و الأساسية في الإصلاح الاجتماعي.
لا يمكنني التغاضي عن شرط إسقاط "العروبة" من الهوية السورية الجامعة, فليست العروبة ما يجمع السوريين, و إنما السوريّة هي ما تجمع العرب السوريين.
و لربما قد يُطرح نقد حقيقي عن الفراغ الاجتماعي و التاريخي الذي سينتج عن ترك العروبة, إلا أنني أقول, أن فكرة وجود هذا الفراغ ما هو إلا خيال في عقل المجتمع, و ذلك بسبب التدجين الطويل, و إلا فكيف نجح الأتراك في نبذ "العثمانية" و الانفصال عن العروبة و الفكر الإسلامي, بل نجحوا في تغريب تركيا و تغيير أبجديتها و لغتها.
و في أية حال, مجتمعنا الآن في حالة الصفر, منهار بالكامل و في حالة فراغ أصلاً, و لن يقدم أو يأخر إعادة هيكلة نظامه الاجتماعي. أضف إلى أهمية أن ينبذ المجتمع تعلقه بالماضي, و يتحفز ليبني مستقبله أكثر و أكثر.
كفانا بحثأ عن مخلصين و انتظاراً لحلول خيالية, و لنكن أكثر سياسية و بصيرة, نحن من يصنع ذواتنا و لا أحد سوانا. فلنكن نحن, حقاً نحن.












التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - الصفر
سليمي ( 2016 / 1 / 10 - 11:48 )
وحالة الصفر هذه هي من بركات ثورتكم المشؤومة يا غراب البين


2 - لا يهم
أمين نور ( 2016 / 1 / 10 - 13:40 )
التفكير بهذه الطريقة الشرق أوسطية سنرميه في مزبلة التاريخ.. لا يهم من أين أتت حالة الصفر, يمكنني أن أستعرض -بركات- النظام البعثي حتى قيام الساعة. لكن لا يهمّني, أنا هنا أبحث عن الحل ولا أبحث عن اللوم. و هذا ما عنيته عندما قلت عن مجتمعنا أنه شرقي ميتافيزيقي, أي يريد أن يرمي اللوم و يتبرأ من المسؤولية ثم يهرب.


3 - نعم نحن عرب
muslim aziz ( 2016 / 1 / 10 - 21:53 )

فليست العروبة ما يجمع السوريين, و إنما السوريّة هي ما تجمع العرب السوريين.
هذا ما كتبه كاتب المقال.......هل فهمتم شيئا؟.........العروبة لا تجمع السوريين..........انما السورية هي التي تجمع العرب السوريين.
عفوا لم افهم هذه الفقرة.........بالطبع جاءت كثير من الدعوات لسلخ العرب عن اسلامهم.....فالاسلام هو مصيبة العرب وسبب تأخرهم والان نسمع دعوة لسلخ العرب عن عروبتهم........بل هي دعوة الى تقوقعهم كل في محيطه الاكثر ضيقا وانكماشا.........وربما تأتينا دعوات مسقبلا لترك الهوية السورية.......واحلال مكانها الهوية المناطقية الحلبية الحمصية التدمرية وهكذا....كتابات وافكار تنم عن مرض نفسي ليس الا


4 - نحن سوريون
أمين نور ( 2016 / 1 / 11 - 00:11 )
صديقي, لم يتم طرح موضوع الدين في المقال.. لا أتفهم إقحامك للدين في موضوعك.
أضف إلى أن الشعب السوري شعب مختلط طائفياً, و لا يمكن تعريفه بأنه -مسلم- .. فحتى المسلمين لا يستطيعون الإجماع على تعريف للإسلام.
و بلسانك في سطورك الأولى, لا يبدو أنك فهمت المقال, فكيف ترى أن لك حقاً في اتهام أفكار لا تفهمها بالبطالة و المرض؟

اخر الافلام

.. شيرو وشهد مع فراس وراند.. مين بيحب التاني أكتر؟ | خلينا نحكي


.. الصين تستضيف محادثات بين فتح وحماس...لماذا؟ • فرانس 24 / FRA




.. تكثيف الضغوط على حماس وإسرائيل للتوصل لاتفاق لوقف إطلاق النا


.. اجتماع تشاوري في الرياض لبحث جهود وقف إطلاق النار في قطاع غز




.. هل يقترب إعلان نهاية الحرب في غزة مع عودة المفاوضات في القاه