الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


البلشفية طريق الثورة - توترات في صفوف هيئة التحرير

آلان وودز
(Alan Woods)

2016 / 1 / 10
مواضيع وابحاث سياسية




الفصل الأول: ميلاد الحركة الماركسية الروسية

توترات في صفوف هيئة التحرير


آلان وودز
ترجمة: هيئة تحرير موقع ماركسي

في مقاله "مضطهدو الزيمستفو وهنبعل الليبرالية"[1] قام لينين برد حازم على ستروفه، وقد كتب: «لا مكان للخضوع في السياسة، وحده التبسيط والسذاجة ما يجعل المرء يعتبر أسلوب فرق تسد (divide et impera) البوليسي القديم والتنازل عن التافه من أجل الحفاظ على ما هو أساسي وإعطاء الشيء بيد واستعادته باليد الأخرى، دليلا على الخضوع»[2]. كل مضمون ذلك المقال كان إدانة صارمة للبرالية. منذ البدايات الأولى للحركة العمالية الروسية كان الموقف من الأحزاب البرجوازية يمثل حجر الزاوية في النهج الثوري. لقد عبر لينين دائما عن موقف حازم بخصوص هذه المسألة. ومن المعبر أن هذا الهجوم على ستروفه واللبراليين تسبب في حدوث خلاف داخل صفوف هيئة تحرير الايسكرا. وقد وقف بليخانوف وأكسليرود مندهشين أمام فجائية هذا الجدال.

كتب بليخانوف رسالة لأكسليرود عبر له فيها عن شكوكه قائلا: «إن موقف الكاتب من مقدمة المذكرة صحيح بشكل كلي، ولا مجال لتخفيف حدته، على الرغم من أنه لم يرق كثيرا لفيرا زاسوليتش. لكنه استعمل نبرة خبيثة تجاه اللبراليين واللبرالية في روسيا [التشديد من عندي - آ. وودز-]. وهناك مسألة أخرى، من المهم أن تقرأ بتمعن الفصل الذي يناقش أهمية العمل داخل الزيميستفو. أنت هو خبيرنا في مجال التكتيك وأنت من يمكنه أن يحكم ما إذا كان الكاتب على حق. لدي انطباع بأن ثمة خطأ ما».[3]

اضطر لينين على مضض لأن يضيف في النهاية فقرة بنبرة تصالحية. لكن ورغم ذلك فإن الفكرة الأساسية للمقال واضحة بشكل تام: وهي أن اللبراليين البرجوازيين قد أبانوا بشكل كامل عن جبنهم وعجزهم، وبسبب افتقارهم للسلطة لجئوا إلى التضرع للنظام الأوتوقراطي لكي يقدم بعض التنازلات، واستغلوا بلا حياء التهديد بثورة قد تأتي من تحت؛ والتي سوف يخونونها حتما مقابل مساومة متعفنة مع الحكومة، التي تغازلهم بالوعود الكاذبة، «لكي تقبض على رقبتهم وتجلدهم بسوط الردة الرجعية. وعندما سيحدث هذا أيها السادة لن ننسى أن نقول: إنكم تستحقون ذلك!». لم يكن صدفة ذلك الخلاف حول مقال لينين، مع المعرفة التي قدمتها التجربة. فعلى الرغم من انتقادات بليخانوف لستروفه، فقد كان هناك تيار بين أعضاء مجموعة تحرر العمل لم يكن يرى ضرورة القطيعة الجذرية مع تلك الفئة من المثقفين البورجوازيين لتيار الماركسية الشرعية، الذي كان قد صار يتجه بوضوح نحو اليمين واللبرالية البورجوازية. كان لينين وكروبسكايا يلقبان زاسوليتش وبوتريسوف بـ"Struvefreundliche Partei"، وهو ما يمكننا ترجمته بشكل تقريبي بعبارة: "تيار التعامل بشكل طيب مع ستروفه".

العادات القديمة تقاوم الموت. إذا تركنا جانبا بليخانوف الذي كان شخصا متميزا بالرغم من كل أخطاءه، فإن بقية أعضاء المجموعة القديمة صاروا عاجزين أكثر فأكثر عن التكيف مع المرحلة الجديدة. عموما وحدهم القادة المتميزين جدا من يمتلكون القدرة على الانتقال الضروري من مرحلة تاريخية، بمتطلباتها الخاصة، إلى مرحلة أخرى مختلفة تماما. وليس من المصادفة أن تكون كل مرحلة انتقال مصحوبة بالأزمات والانشقاقات، حيث يتم التخلي عن شريحة من الاشخاص الذين يعجزون عن التكيف مع الظروف الجديدة. إن بناء حزب عمالي جماهيري لا يتوافق مع أساليب الهواية في العمل وانعدام الرسميات، والتي تميز المرحلة الأولى لنشاط الدعاية. كانت ضرورة تحقيق عمل أكثر احترافية واحدة من المحاور الأساسية لكتابات لينين في تلك المرحلة، وفي هذا السياق كتبت كروبسكايا: «ضرورة تنظيم العمل على أساس عملي، بحيث لا يكون للعامل الشخصي أي دور في العمل، بحيث لا يكون للنزوات والعلاقات الشخصية، التي تشكلت تاريخيا، أي تأثير على القرار».[4]

كانت النزعة المحلية وغياب الاحترافية، التي استمرت موجودة في العديد من اللجان، تعرقل العمل في وقت كانت تنفتح فيه امكانيات كبرى. لم يكن هناك مجال لأي نزعة للبحث عن التوافقات والمساومات أو تأبيد هذه الفوضى. وقد لاقت رسالة الايسكرا، التي قامت على ضرورة الدفاع عن النظرية الماركسية ومن أجل حزب موحد وعمل أكثر احترافية، ترحيبا من طرف العمال. لكن في نهاية عام 1901 لم يكن هناك سوى تسعة ممثلين للايسكرا في كل روسيا وكان تيار الايسكرا ما يزال أقلية. في البداية كان العديد من أعضاء اللجان المحلية مرتابين تجاهها أو حتى معادين لها. وهكذا ففي المؤتمر الثاني، علق أحد المؤتمرين قائلا: «أتذكر مقال "بم نبدأ"؟ الذي نشر في العددين 3 و4 للايسكرا. لقد وجده الكثير من الرفاق النشيطين داخل روسيا مفتقرا للباقة؛ بينما رأى آخرون أن تلك الخطة كانت رائعة، بينما اعتبرته الاغلبية نابعا عن الحماس. ثم اتذكر الكره الذي عبرت عنه أغلبية اللجان تجاه الايسكرا؛ أتذكر حدوث سلسلة من الانشقاقات...».[5]

لقد تم بناء تيار الايسكرا تدريجيا بعمل صبور تركز حول الجريدة نفسها. الايسكرا التي بدأت جريدة شهرية صارت لاحقا تصدر كل نصف شهر. وتمكنت ببطئ، لكن بثبات، من بناء شبكة من المراسلين العمال في المصانع والأحياء العمالية لتوزيع الجريدة وجمع المساهمات المالية بشكل منتظم وربط الاتصال مع مختلف المنظمات وتأسيس محيط من المتعاطفين. كان الدور الحاسم في هذا العمل هو الذي لعبه العدد المتزايد من ممثلي الايسكرا والرجال والنساء الذين كرسوا حياتهم بشكل كامل للعمل الثوري. في ظروف العمل السري الصعبة والخطيرة أنجزوا مهمة بناء التيار داخل روسيا، وحافظوا على علاقة منتظمة مع القيادة في الخارج، ونظموا النقل غير الشرعي للأدبيات السياسية، وأقاموا مطابع سرية، الخ. يعطينا تعليق تروتسكي عن هذه المرحلة، التي لعب هو خلالها دورا نشيطا داخل الايسكرا، صورة حية عن طبيعة عمل وأسلوب عيش هؤلاء الناس:


«كانت المهمة العاجلة للايسكرا هي أن تنتخب من بين العمال المحليين العناصر الأكثر تميزا وتوظفهم في خلق جهاز مركزي قادر على قيادة النضال الثوري في جميع أنحاء البلد. كان عدد المنخرطين في الايسكرا كبيرا ويزداد كل لحظة. لكن عدد الايسكريين الحقيقيين، العناصر الجديرة بثقة المركز الموجود في الخارج، كان محدودا بحكم الضرورة: لم يكن يتجاوز عشرين إلى ثلاثين شخصا. إن أكثر ما يميز عضو الايسكرا هو انفصاله عن مدينته وإقليمه بهدف بناء الحزب. في معجم الايسكرا كانت "االنزعة لمحلية" مرادفا للتخلف والتفاهة والرجعية تقريبا. كتب جنرال الدرك سبيريدوفيتش قائلا: "متحدين في مجموعة تآمرية للمحرضين المحترفين، ينتقلون من مكان إلى آخر حيث يريدون تشكيل لجان للحزب ويقيمون العلاقات مع أعضائهم ويقدمون لهم الأدبيات غير الشرعية ويساعدونهم على تشكيل مطابع سرية ويجمعون في نفس الآن المعلومات من أجل الايسكرا. يتسللون إلى اللجان المحلية ويقومون بدعايتهم ضد الاقتصادويين ويقصون خصومهم الايديولوجيين، وبهذه الطريقة يخضعون اللجان لنفوذهم". قدم هذا الدركي المتقاعد في هذه الأسطر وصفا صحيحا بشكل كامل للايسكريين. لقد كانوا أعضاء نظام يسير فوق حدود المنظمات التي كانوا لا يرون فيها سوى مكان حيث يجب ممارسة التأثير».[6]

كانت المراكز الثلاثة الأولى لتوزيع الايسكرا موجودة في الجنوب (بولتافا) والشمال (بسكوف) والشرق (سمارا) ولاحقا موسكو في الوسط. لقد تم تأسيس التيار حول راية الجريدة، وبناء على نظرية لينين "الجريدة منظم جماعي" تم تشكيل شبكة من المراسلين العمال في المصانع من أجل توزيع الجريدة وإنتاج المقالات وجمع المساهمات المالية وربط الاتصال مع المنظمات الأخرى وخلق محيط محلي من العلاقات. كانت الجريدة مركز كل عمل التيار. انعكست مرحلة انعدام التنظيم والفوضى في تكاثر الجرائد والمناشير المحلية. كانت الايسكرا قوة جبارة للتوحيد، وحدت اللجان المحلية عبر كل روسيا وأعطتها رابطا ثابتا بالمركز القيادي في الخارج. هكذا بدأ العمل المنهجي لكسب اللجان داخل روسيا لتيار الايسكرا. كان العمل محفوفا بالصعوبات. لم يكن عملاء الايسكرا مضطرين فقط لمراوغة الجهاز البوليسي اليقظ دائما، بل كانوا مضطرين في بعض الأحيان حتى للنضال من أجل الدخول إلى اللجان.

بعض المؤرخين البورجوازيين المعاصرين يتهمون الايسكرا باللجوء إلى المناورات من أجل كسب النفوذ، وهو اتهام خاطئ، فقد كان الاقتصادويون، العاجزين تماما عن الدفاع عن أفكارهم أمام النقد الماركسي، هم من لجئوا إلى استعمال أساليب بيروقراطية من أجل إسكات صوت خصومهم. كان توكاريف، القائد الاقتصادوي للجنة سان بيتر سبورغ، متحمسا لطرد أي متعاطف مع الايسكرا، حتى نال لقب فيشيبالو (أي الغوريلا). لقد وفر تقدم الحركة الثورية حقلا خصبا لانتشار أفكار الايسكرا؛ وفي العديد من المناطق أدى الصراع من أجل النفوذ داخل اللجان إلى حدوث الانشقاق. لكن دائما كانت اللجان المعادية للايسكرا تضعف وتختفي بينما استمر عدد لجان الايسكرا النشيطة في التزايد. لم يكن نجاح الايسكرا هذا ليمر دون أن يلاحظه جهاز البوليس، فتم اعتقال عدد كبير من عملاء الايسكرا في نهاية عام 1901 وبداية 1902. لكن ذلك لم يؤد إلى وقف تقدم التيار.

هوامش:

[1] مقال كتبه لينين، يونيو 1901، لانتقاد المذكرة السرية "الحكم المطلق والزيمتسفو"، التي كتبها الوزير القيصري س. ي. وايت، ونشرت في الخارج بصورة غير قانونية.

[2] Lenin : The Persecutors of the Zemstvo and the Hannibals of Liberalism

[3] Perepiska GV Plekhanova i PB Aksel’roda, Vol. 2, pag: 154.

[4] Krupskaya, Recuerdo de Lenin, p: 72- 73.

[5] 1903, Actas del II congreso del POSDR, p: 181.

[6] Trotsky: Stalin, Tomo I, p: 62.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هل تحرك تصريحات بايدن جمود مفاوضات الهدنة في غزة؟| #غرفة_الأ


.. ممثلة كندية تتضامن مع غزة خلال تسلمها جائزة




.. كيف سترد حماس على بيان الوسطاء الذي يدعوها وإسرائيل لقبول ال


.. غزيون يستخدمون مخلفات جيش الاحتلال العسكرية بعد انقطاع الغاز




.. صحيفة الغارديان: خطاب بايدن كان مصمما للضغط على إسرائيل