الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


محاكمة صدام اشكالية المشهد والفصل المفقود

طلال شاكر

2005 / 11 / 9
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


نفاذ الصبر والتأجيلات المتكررة كان جزءً من الدراما السوداء التي احاطت ولازمت محاكمة الطاغية وبخاصة تأجيل وقائعها الى يوم28 – 11-2005 في ظل تضارب الاراء
والمواقف والتقديرات المتباينة في سير هذه المحكمة التي تجري تحت وطأة اجواء سياسية محمومة وارهاب سافل يقتل ويدمرالعراقيين بدم بارد وهي في المحصلة جزء من مشهد
عراقي دامي لم يظفربأستقراره بعد لان الكثير من المجرمين المطلوبين مازالوا طلقاء ويحضون بحماية واحتضان من لدن اخوتنا (الابرار). في هذه المحكمة وفي نهاية شوطها الاخير كما نتأمل لابد وان يكون مقاضاة النظام السياسي الذي كان يقوده حزب البعث الدموي الذي جعل من قرارات موتمره الثامن 1976 قانوناً للدولة والمجتمع، ومن وحي هذا القانون وغيره ارتكبت احط وابشع الجرائم في التاريخ الانساني المعاصر والذي كان
على رأس مؤسساته المجرم صدام بوصفه الرمز الاكثر سوءً ودموية ومسوؤلية، ولاغرابة
اذن في الامركله اذا اثارت محاكمة الدكتاتور صدام كل هذا الجدال وهذه الزوبعة الواسعة من ردود الافعال المتناقضة والمتباينة، في تقييم المحاكمة الخاصة به، من حيث الاعداد والاسلوب وحيثيات التهم الموجهة لهذا الطاغية واختصارها على جريمة الدجيل على اهميتها، بما فيها لطافة القاضي الزائدة ومرافعة المدعي العام اللينة وما احاط افتتاح المحكمة من اخفاق تقني في نقل الصوت والصورة والترتيبات الشكلية الاخرى و بالطبع ستبقى الاثارة والصخب تلازم هذه المحكمة مادام صدام في قفصها، ليس بين العرب بل والعراقيين على اختلاف مواقفهم وتلاوينهم ايضاً، ومن نافل القول التأكيد هنا، ان الشكوك والظنون والطعون التي نثرت فوق هامة المحكمة وعدالتها واستقلاليتها ونزاهتها ستلازم رؤية ومواقف المدافعين عن صدام مهما كانت الشفافية والنزاهة التي ستبديها ازاء صدام واعوانه وحتى لواصدرت حكما ببرائته واعوانه افتراضاً ! فكيف السبيل أذن الى اقناع رغدة بأن المحكمة عادلة ومستقلة ومهنية وأن أبيها مستبداً ومجرما يستحق القصاص وليس ذئبا واسدا مثل ماتراه في توصيفها السقيم! وكيف تقنع موتورا وحاقدا وملتوياً مثل عبد الباري عطوان بأن بطله ومثلهُ جباناً وذليلاً ومهزوماً حتى في مشاكسته للقاضي ! وهل هنالك ضرورة لاقناع افاقاً ومرائي ومنتفعاً كفيصل القاسم بأن خلط الارواق لايمنحه شرفاً ولا مصداقية ولاقيمة عندما يعتبرقتل صدام 148 عراقيا مجرد فكة اوخردة في اللهجة العراقية،وكيف يتنسى لك أن تتمسك برابطة العروبة والاسلام والاردنيون واحزابهم الاسلاموية يريدون التظاهر لنصرة صدام كوقفة وفاء له وهو الذي ظلم وذبح الملايين من اخوتهم العراقيين، اخوانهم بالدين والقومية او بالانسانية؟ وكيف لك ان تتصالح مع بعثيين قتلة وهم يرفعون صور الطاغية ويشيدون به عندما ظهر في المحكمة كبطل وقائد رغم اذلاله لهم وسحق كرامتهم وقتل رفاقهم بكل وحشية واستهتار! اذن ليس امامك سوى ازدرائهم واحتقارهم، والامر لم يقف عند حدود انصار صدام بل حتى قسماً من اولئك اليساريين والماركسين والشيوعيين العماليين الذين ناوئوا صدام ونظامه وجدوا في هذه المحكمة مايترافد ومواقفهم القلقة والمشككة بكل اجراء مهما كانت موضوعيته مادام للمحتلين يد فيه ويتجاهلون مشهد الطاغية المتجبر وهويمثل امام محكمة عراقية ذليلاً مهانا حقيراً ينتظره مصيرا كالحا. وكالعادة سوف يستحضر منطوق المؤامرة الجاهز لتفسير وفك (الطلاسم) التي تحيط بهذه المحكمة وهيئتها القلقة ومختلف محاورها (وجيب ليل وخذ عتابة). في هذا المشهد السياسي العراقي المتناقض سيقف المرء امام عقدة مستحدثة يواجهها التكوين السياسي الجديد في بلادنا بذهنيته وبخطابه وبثقافته المتكونة حديثاً والذي يحاول فيها تخطي عقدة الاستبداد واللاديمقراطية التي استغرقته عقوداً في تنازع مرير مع ارث مقيت تلوث في خطاياه الى هذا الحد اوذاك الجلاد والضحية ولاسبيل غير تقديم صورة راديكالية مغايرة لهذا التكوين اسميتها (التفجرالديمقراطي) في الموقف والسلوك والمحاكاة . هذا النزوع يحاول جاهداً ان يتمظهر ديمقراطياً الى حد التطرف لاسيما في الجانب الذي يلامس الراي العام العالمي، طبعاً لااستثني صدق هذا التفجر الديمقراطي في مواقف الكثير من الشخصيات وبعض الاحزاب ومؤسسات المجتمع المدني الناشئة، لكن المراقب السياسي سيلاحظ تجلي ذلك في في مواقف ومواقع مختلفة كسلوك رائج يستظل به كمبدأ يتناغم (وكلام حق يراد به باطل) والذي صار ممارسة عادية يلجأ اليها اغلب السياسين العراقيين في تسويق مواقفهم المختلفة وسيجد ميكافيلي نفسه هنا تلميذاً في صفوف هذه المدرسة العتيدة من هذا الباب وهذا الفهم الجديد حرص المسؤولون العراقيون على اظهارديمقراطيتهم الزائدة لجعل العالم يشعر بها وهم يحاكمون مستبداً نموذجيا، في محاكمة مملة استنزفت الوقت والجهد والمال والصبر. ومن هنا جاءت مثالية المحكمة ورقتها عندمااظهرت صبراً وضبطاً للنفس امام وحش يثير القرف والاشمئزاز لمجرد رؤيته. في هذا الموقف حرصت المحكمة فيه ان تكون انعكاساً وجزءً من هذا التكوين الديمقراطي ولكن بنمط مثالي مبالغ فيه، عندما ظهر فيها القاضي اشبه بحكم مباراة لكرة القدم وهويحاول ضبط الاموربأبتسامة رقيقة، تجسد مايحاكيها مع مجرمي النظام البائد في قاعة المحكمة، وكلنا لاحظ صورة محكمة وديعة تحاول ان تثبت للملأ انها مرنة وتنشد الرضا عن سلوكها وهي تحاكم طاغية العصر بمعاييرقانونية واضحة. على الارجح ان هذ ا التوجه الجديد في الحياة السياسية قد لايحظ بتقييم عادل لهذه الممارسة الفريدة التي تستحق الثناء في معايير أي مقاربة منصفة في تاريخ بلادنا، لان واجهة المشهد السياسي العراقي تزخر بقوى سياسة تشكوا وتتبرم على الدوام من جدب الحرية واليمقراطية في العراق، في تجاهل واضح لتاريخ ليس في ثقافته وعرفه القانوني مايشير الى سابقة من هذا النوع في ظل غياب مستديم لقضاء مستقل عادل ظل يشكو هيمنة انظمة مستبدة سخرته لاهدافها السياسية على الدوام ، الااللهم محكمة المهداوي في حدود معينة رغم ماشابها من خلل وثغرات كجزءٍ من خلل سياسي اكبر لف تلك المرحلة وهذا يحتاج الى تقييم منصف.
في السياق النمطي للمحكمة كما سارت وجرت، سعى قضاؤها الى طمأنة العالم بعدالة المحكمة وشفافيتها من خلال حرفية محسوبة بدقة كخطاب ورسالة حضارية من القضاء العراقي الى العالم. بيد ان هذا الامر على اهميته لايستوفي الغرض الرئيسي من هذه المحكمة كما اعتقد، والسؤال الجوهري هنا هل استطاعت هذه المحكمة ان تنجزهدف وطني يتجاوزقيمة القصاص من طاغية كصدام بجعل محاكمته وقفة تاريخية بدروسها وعبرها واهدافها وهذا هو الجوهري، وليس القصاص من متهم فاطس على اهميته. ان اسس العدالة التي اتبعت في محاكمة صدام واعوانه قد نفذت الى حدٍ كبير المعايير القانونية وهذا يسجل لصالح القضاء العراقي في انطلاقته الجديدة ، بيد ان هذا ليس المطلوب وحده من المحكمة ولاهذا الذي يريده اهل الضحايا فقط !ان العراقيين ينتظرونها ويردونها محكمة تاريخية تحاكم مرحلة بثقافتها بنظامها بأستبدادها بمسؤوليها ان الضحايا واهلهم يريدون معرفة كل الوقائع بكل تفاصيلها مثالا لاحصرا كيف تم نحر خمسة الاف كردي فيلي!؟ وهم معتقلون بلاذنب وبينهم احداثاً !؟ والامثلة والشواهد كثيرة،وأذا كان الامريتعلق فقط باصدار قصاص باعدام صدام فلاداعي نقل وقائع المحكمة على الهواء بمرافقة كل هذا العناء والانتظار وهدر الوقت!؟ . كنا ننشد تضميد الجراح النازفة وتسكين الم المكلومين وايصال فحوى الرسالة بدروسها وعبرها لكل الطغاة والمستبدين في هذه المحكمة المنتظرة، اولها بأن لايعود حزب البعث اوالبعثيين الى الساحة السياسية مرةً اخرى بهذه العباءة اوتلك بحجة الديمقراطية والتعددية وعفا الله عماسلف وان نقطع سبل الشر امام الارهابين والسلفيين التكفيريين من خلال صوت الشعب القوي والحاضر في هذه المحكمة. ان انصاف روح الضحايا وذويهم هوجزء من البناء الديمقراطي وهوتأسيس لبداية ووعي جديد،ينبع من محكمة غير نمطية بأمانة المسؤولية الملقاة على عاتقها،فالمحكمة في هذه المهمة تقاضي مجرماً نوعياً وهولايستحق (التوقير) الشكلي مثلما تعاملت به المحكمة مع صدام واعوانه، في حين كان يبنغي ان يبقى هذا المجرم في دائرة الذل والدونية والمهانة وهوفي قفص الاتهام بأقصى معانيها، وان يُظهرالقاضي امارات الحزم والصرامة في مواجهة هذا الطاغية وهذا لايشكل تجاوزاً لعدالة المحكمة اوالاصول القانونية. ان محكمة بهذه الاهمية التاريخية يجب ان يسودها الانضباط والهمة والترابط،لوضع هولاء المجرمين في اجواء محكمة مهيبة تنطق باسم الشعب، دون ان تترك ثغرات ينفذ منها الاخرون لاغراض مريضة،ان ماأعرضه لايتنافى مع مبدأ العدالة الذي مارسته المحكمة كألية قانونية بكل امانة مثل تم واكثر. كما ان وضع هذه الملاحظات امام المحكمة في جلستها المقبلة هو واجب وطني في دعم هذه المحكمة ونجاحها ، ولانها وقفت في منتصف الطريق وتعثرت في بدايته فلديها الفرصة لاستكماله بمواصلة مسيرتها نحو جعل هذه المحكمة تلعب دوراًوطنياً بجدارة بهدفها ومعناها ورسالتها في وقفة تاريخية ستتذكرها الاجيال الحاضرة والقادمة، وهي تأخذ حق الشعب العراقي من طاغية كريه، ان هي ربطت ما بين القصاص كحكم عادل ومطلوب وبين قيمته ومغزاه الذي ينبغي ان يواجهه اي طاغية ومستبد مهما كان لونه وصنفه وثقافته وفكره كصرخة حق في وجه الطغيان والتجبر كله. طبعا انا لااقلل في هذا المجال اطلاقا من اهمية وضع المجرم صدام حسين واعوانه في قفص الاتهام ومحاكمتهم وهم متهمين واعتبر ذلك انجازاً كبيراً ولكنني ايضاً اعده انجازاً ناقصاً لم يكتمل بعد الا بجعل المحكمة تتجاوز اخطائها وثغراتها فالغاية لاتقف في حدود الاقتصاص من صدام واعدامه رغم عدالته فذاك سوف يندرج في نطاق الثأر،في حين ان الجوهري في هذه المحكمة هوان تحاكم صدام واعوانه كمجرمين ارتكبوا جرائماً بحق الشعب العراقي كنظام كأيدلوجية والية ومسوؤلين وهنا ستظهر قوة القصاص وتاريخيته لان المحكمة ستحاكم مرحلة سياسية وليس حاكما مستبدا فقط رغم اهمية ذلك . ان اخذ الموضوع ببعده السياسي التاريخي وعدم اقتصاره على البعد الجنائي في نمطيته المعروفة فقط، سيبعث اعظم رسالة حضارية لشعب يريد تجريم قاتليه من منطلقات نزيهة وعادلة مترفعا عن بواعث الانتقام . في هذا المجال لابد من التذكيربتلك النقاط المهمة جداً والتي ينبغي على الحكومة ان تكون فيها واضحة وشفافة بدون لبس وغموض وان تحسم موضوع محاكمة صدام باسرع وقت ممكن وان لاتتعامل معه من منطلق نفعي اوانتخابي او لغرض سياسي يخدم هذا الطرف اوذاك حتى لايدور الموضوع في فلك المؤامرة والتخمينات المتضاربة التي انهكت الوعي العراقي وشتت تركيزه وان لايضيع استحقاق وطني كبير كالاقتصاص من صدام واعوانه بمعناه الوطني والتاريخي في خضم حسابات ضيقة على حساب حق شعب ووطن انها ذمة ودين في رقبة كل عراقي غيور.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إسرائيل تدرس نقل السلطة في غزة إلى هيئة غير مرتبطة بحماس|#غر


.. القوات الإسرائيلية تدخل جباليا وتحضيرات لمعركة رفح|#غرفة_الأ




.. اتهامات جديدة لإسرائيل في جلسة محكمة العدل الدولية بلاهاي


.. شاهد| قصف إسرائيلي متواصل يستهدف مناطق عدة في مخيم جباليا




.. اعتراضات جوية في الجليل الأعلى وهضبة الجولان شمالي الأراضي ا