الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ومضى عهد الراحة

حميد كشكولي
(Hamid Kashkoli)

2005 / 11 / 9
الادب والفن


مضى عهد الراحة،
أخذته الرياح ،
ارتشفتْه في غفلة عن الشوق ِ العظامُ.

اللحظاتُ التي فيها نظراتنُا تغوص في الأحجار،
ذابت في لهاثِ الكلاب،
لا ترقى أيادينا السماواتِ لكي نوشّحها باللمعان ،
ولم تعد البيوت تتكئ على أكتاف الماء لتتخضبُ بأنفاس الصفصاف،
تعبت طيور "جميل" في انتظار رقصات قطط المساء،
وما عادت قبورنا ثملة من أشعّة الرمّان.

مضى عهد الراحة،
عهد َ كانت حشرجة الرعود تنطفئ في عيون الأسماك مثل فقاعات الدماء،
عهد َ كان العشب يحتسي خطاك كالندى،
كأنّ عصفورا مرحا يدغدغ إبطك في كل صباح ،
عصفورا يلتقط حبات النعاس من مآقيك ،
ويتوضأ بساعات الضياع في دهاليز الألوان.

مضى عهد الراحة،
حين كان الثلج الناصع صوفَ الحملان،
يتشح به في ظلمة الليل الذئبُ و الراعي والأغنام،
وتأتيني في الهجيع الأخير ودرعك ريش القمر في المحاق.

في تلك الأيام قطّعنا الضفائر الملتفة بأعناق الصنوبرات
وقد قررت ْ الانتحارَ الجماعي لأنها ملّت ركودَ الكلمات،
ولأن ّ الخبز أمسى يثير الجوع في الأفئدة والأنظار،
و الماءَ بات يأتينا بالمزيد من العطش والنيران.

في ذلك العهد كان يلزمنا القليل من الأرق لندرك أن الظلمة تماس للانهائية النور ،
وبأقل ّ الضوء كنا نفتح كل هذه النوافذ على الأبدية،
وبقلق بارد كنّا نحرّر أوهامنا من الغرق في يم ّ انطواء الطيران،
فكيف لنا أن نعيد كل هذه الخيول إلى المروج بعد أن هرعت راجعة إلى زرائبها؟
كيف لنا أن نطلق هذه الطيور بعد أن دخلت أقفاصها بالمخلب والمنقار؟
كيف لدموع يبست على مبكى الجراح أن تغسل كل هذا النهار من ندم الضوء والظلال؟

مضى عهد الراحة والحلاوة،
حلاوة شاي مقهى الجسر على ألسنة الهيام تنتشر في قلوب الفلاحين المتعبين ،
وعضلات العتالين ، وعيون البقر وهي تلهو بقش الأصيل .
ولم يعد لنا ما يكفي من خفقان لنحتسي بسمات الماء ،
ولم يعد لنا ما يكفي من الشفاه لنرد على قبلات الأزهار.

عهد الذهول توارى عن أنظار الساهرين أمام موقد التفاح،
وتهرأ كنبت البقول في دفء التراب،
لم تعد لظلال الجنيات وأجساد الفراشات أسرار ،
كم كانت بريئة بساتين الرمّان !
كم كانت رحيمة بخضرة الأوراق نجمات المياه!
كم أخاف بسمة َ الأزهار !
كم يجرح أحلامي نور الملاك !
كم أليم هذا التوحد آن أتناول البرتقال!
كم أموت جوعا حين آكل خبز السماوات!
كم أحترق ُ من العطش لحظة ارتشف نبيذ جذور الكلام!
كم يقتلني تلاشي الظلام!

‏07‏‏/‏11‏‏/‏2005‏








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. لتسليط الضوء على محنة أهل غزة.. فنانة يمنية تكرس لوحاتها لخد


.. ما هي اكبر اساءة تعرّضت لها نوال الزغبي ؟ ??




.. الفنان سامو زين يكشف لصباح العربية تفاصيل فيلمه الجديد


.. الفنان سامو زين ضيف صباح العربية




.. صباح العربية | الفنان سامو زين ضيف صباح العربية