الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


استقلال

عبد الرحمن جاسم

2005 / 11 / 9
الادب والفن


كانت سهرة لطيفة... اجتمع فيها الأصدقاء، وسهرنا وحينما تأخر الوقت، أشحت بوجهي صوب الباب وقلت: "علي أن أرحل، لدي عملٌ غداً". فأمسك أحد الأصدقاء بيدي قائلاً: "غداً عطلة. غداً عيد الاستقلال". فأجبته ضاحكاً ودون أن أرمش: "الفلسطينيون ليس لديهم عيد استقلال". فأطرق مطبقاً ووجم الجميع.
********
أجلس وأتابع العروض العسكرية التي تقام في مثل هذا العيد كل سنة، أراقب الأطفال الذين يحملون الأعلام، والجنود الذين يحملون السلاح، وأتلهف على يوم يكون لنا فيه وطن، لكي نحتفل مثل غيرنا. سألني شقيقي ذات مرة(وكان مايزال بعد في الخامسة)، ماذا يعني لاجئين؟، بلغته الطفولية المبعثرة، فأجبته بأن لاجئين يعني ملتجئين أي قادمين من بلادهم هرباً أو خوفاً لاختباء ريثما يزول الخطر. ساعتها سألني مكملاً لعبه البسيط... "من زمان؟" فقلت له: نعم نحن لاجئون منذ أكثر من خمسين سنة. فرد بسرعة..."ولم ينتهي الخطر؟" لم أدرِ حينها بماذا أجبه، لم أعرف، وتركت الجواب للوقت.
مر علينا خمسون عاماً، ونحن ننتظر هذا العيد، مرت الأيام، وتوالت، وكل يومٍ يزداد تلوناً وغربةً، ويزداد هذا غياب هذا الشعب في منفاه القسري، سواء في داخل فلسطين أو خارجها، ولم يتغير شيء، وكل سنةٍ تحتفل كل بلدان العالم باستقلالها ويجلس الفلسطينيون ليتابعون الاحتفالات؛ دون أي قدرٍ من المشاركة؛ كما لو أنه قُدِّرَ لهم أن لا يكون لهم وطنٌ مثل الآخرين، وأن لا يكون لهم عيدُ استقلال للاحتفال به.
الاستقلال؟ وهل هناك حلمٌ أكبر من هذا؟ أن تصبح حراً في بلدك، في وطنك، في أرضك، وكيف يكون الأمر، ولا أرض لك؟ كيف تستطيع أن تحدث الآخرين عن استقلالهم وأنت لم تذق طعمه مرةً واحدة، كيف يمكن أن تقول للآخرين بأن استقلالهم حلو، أو أنه جميل أو أنه رائع، وأنت لم تحسس ولو لمرةٍ واحدةٍ بكونك حراً في وطنك، كل أرضٍ لكَ هي منفى، كل مسكنٍ هو مهجر، فكيف تتحدث عن الاستقلال وأنت لم تعرفه.
لا نعرف الاستقلال، ولكننا نجيد البحث عنه، نجيد التماثل بين يديه، دائماً كان داخل كل فلسطيني استقلالٌ خاص، كل واحدٍ فينا يرى عيده مع كل عملية، وكل شهيد، وكل وردةٍ تذوي هناك، في البعيد، في الأرض المسماة وطننا، كلما فعلنا خطوةً صارت الآمال بالنسبة إلينا أكبر؛ صار الاستقلال إلينا أقرب.
الاستقلال، لغة تواصلٍ بين الأرض والإنسان، لكن في حالتنا أصبح الأمر مختلفاً، صرنا نمارس هذه اللغة المختلفة، مع روح الأرض، وهي تمارسها مع أرواحنا، نتكلم مع روحها فتكلمنا أكثر، وكلما ابتعدنا أكثر كلما شدنا حنيننا إليها أكثر، لا أعرف ماذا أقول أكثر، لكن ألم يأن الوقت بعد... لنرى استقلالنا...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فاق من الغيبوية.. تطورات الحالة الصحية للفنان جلال الزكي


.. شاهد: دار شوبارد تنظم حفل عشاء لنجوم مهرجان كان السينمائي




.. ربنا سترها.. إصابة المخرج ماندو العدل بـ-جلطة فى القلب-


.. فعاليات المهرجان الدولي للموسيقى السيمفونية في الجزاي?ر




.. سامر أبو طالب: خايف من تجربة الغناء حاليا.. ولحنت لعمرو دياب