الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هل سننتج دكتاتور آخر في يده مسبحة وعلى الرأس عمامة ؟

كامل السعدون

2005 / 11 / 9
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


-1-

يلومني بعض الأحبة على قسوة خطابي في التعرض للرموز الدينية عامةٍ ، كالأسماء والعناوين والمفاهيم .
وأنا والله لا أود أن أهدر وقتي ووقت القراء في السجال ، بل أحب أن أدفع العربة إلى مسافات أخرى بعيدا عن الحريق ، فقد نتمكن جميعنا نحن الأقلام الحرة غير المدجنة في الزج بالناس في مسؤولية أنقاذ قيمة من قيم العراق أو حتى الخروج بدماغ عراقي واحد يمكن أن يتوافق معنا لنكون معا قوة لها شأن في إيقاف الحريق وطمر الأنقاض وإعلاء البناء .
ليس فيكم أيها العراقيون من ينسى سنوات الألق الصدامي التي بنيتموها بمنتهى القناعة والأمانة والإعجاب والشغف المريض ، وأنا منكم أيضا ، لأني كنت صامتا ، أفر هنا وهناك من بيت إلى بيت لكي لا أجبر على أن أكون بعثيا ... !
كلنا ملومون مسؤولون ، وفي المقدمة منّا تلك الزعامات السنية والشيعية في المقام الأول ... كلهم بلا إستثناء ... !
تماما مثل أجدادنا الأعراب الذين نلعنهم اليوم ليل نهار ، تماما مثل اولئك الذين كانوا يصنعون الإله من التمر ثم يعودون ليأكلوه حين يجوعوا ، فعلنا الأمر ذاته خلقنا صدام حسين ، قدسناه... كانت نساءنا وأمهاتنا وبناتنا وشيوخنا يتذللون له ويعبدون ويرون في ألق عينيه الخبيث ألق مستقبلهم ، وحين سقط بقوة الدبابة الأمريكية ، جاء أبو تحسين ليضرب التمثال بالنعال ، وهزجنا وطربنا ورقصنا لنعال أبا تحسين وكتبنا القصائد في مدح هذا النعال ونسينا الكارثة ... كارثة ما يفوق الثلاثون عاما من الذل والبشاعة .. !
هل نقدنا أنفسنا ..؟
هل جرؤ رفيق من رفاق عشرات بل مئات الأحزاب ( الديموقراطية ) الأمريكية الزائفة المزوقة على نقد نفسه أو تاريخه أو تراثه ؟
هل جرؤت أمهاتنا وبناتنا وشيوخنا ومقاتلينا وجيشنا الشعبي المليوني ، ورفاق الأمن الذين فاقوا مئات الآلاف ، وملايين جيش القدس ، و..و..و.. على نقد أنفسهم ؟
الكل طوى صفحة الذل بمذلة وقال ، كنا مجبورين مقهورين لا إرادة لنا ولا قدرة ولا قوة على مقاومة الوباء ...!
وإذا بالوباء يغزونا الآن من جديد وبمنتهى الإنسيابية واللطافة والسكون ... يتسلل من تحت ثيابنا ، يخرج من ذات بيوتنا التي كانت تصفق لصدام حسين وتشتمه سرا .
يخرج من تحت عباءات ذات مرجعياتنا ...يخرج من باحات وأروقة ذات مراقدنا وقبورنا التي كانت جدرانها تزهو بصور صدام حسين ، وهي الآن تزهو بصور ألف صدام حسين ... يخرج من ذات شوارع مدننا ... كربلاء .. النجف .. الكوفة ... الحلة .. العمارة .. الموصل .. كركوك ..البصرة .. ال.. التي كانت تعج يوم أمس بتماثيل صدام حسين وجنودٌ وحرس ومنظفون يحمونها ويتابعون لمعان أسنان الرئيس فيها ، واليوم .. بدلا من أسنان الرئيس القاتل الدموي الواحد الأوحد الذي كنا نعبده .. تلمع أسنان ألف قاتل دموي جديد .. !
تلمع ألف عباءة والف لحية والف رئيس ... !
لماذا نسطّح عقولنا ونكذب على أنفسنا ونقول ( والله كنا مجبورين ) ...؟
لماذا نخاف الحقيقة .. لماذا نأبى أن نلوم أنفسنا ؟
لماذا نتوهم أننا ملائكة ، ولماذا نخلق الف إله جديد والف ملاك طاهر جديد ؟
لماذا يجب أن نخاف الله ؟ الرسول ؟ الائمة ؟ الأشياخ ؟
لماذا ؟ لماذا ؟
لماذا نخلق أصنامنا ؟


-2-

لماذا إنتصر علينا الحجاج يوما ، وما كان الحجاج عراقيا ، وما كنا قلة ولا كان لدى الرجل جيشا جبارا ؟ فجيش الشام كان مشغول في الشام في الدفاع عن عاصمة الدولة ... !
لماذا إنتصر صدام حسين علينا ، وما كان صدام حسين عراقي الهوى ، ولا كان لديه جيش طائفي أو قوات أمن طائفية جبارة ، بل كان جيشه وشرطته وأمنه منّا نحن أهل العراق ؟
ولماذا إنتصر الزرقاوي علينا ، وما كان الزرقاوي عراقيا ، ولا كان لديه الآلاف من جيش الشام أو الحجاز ، وحتى لو كان فنحن أهل البلد ونحن الأعرف بدروب البلد ومسالكه ، ولدينا مصلحة أكبر في أن نحفظ هذا البلد ونرعاه لأن لا بلد لدينا غيره ، بينما لدى الزرقاوي أكثر من بلد وبديل ؟
لماذا ؟ لماذا ؟ لماذا ؟
لأننا مخترقون من الداخل ، في قلوبنا ، في عقولنا ، في ضمائرنا ، في قناعاتنا ، في مقدساتنا ... !!
لأننا نحسن الثرثرة ولا نجيد الصمت ..!
لأننا نحسن الطاعة ... نحسن التملق ... نحسن تقبيل اليد ... نحسن قول نعم ... ولا نجيد نطق ال( لا ) ...!
وليت طاعتنا أو تملقنا نابع من القلب لحافظنا على رضى الطغاة على الأقل ولكنا بخير وكان لدينا حتى يوم الله هذا ملوك من قبيل ملك الأردن والسعودية والإمارات ومصر .. ولكان زيتنا في وعائنا وخيرنا بيننا وليس بيد الغريب .. ولوفرنا على أنفسنا مئات الآلاف بل ملايين الضحايا في حروب العراق الداخلية والخارجية .... !
خذلنا الحسين ... أستدعيناه وتنكرنا له وتركناه يموت وحيدا ، ثم شرعنا بالبكاء عليه ولا زلنا نفعل ، ونتتلمظ بكلمات بائسة لا نفع فيها ولا دفء ولا صدق ، ( يا ليتنا كنا معكم سيدي فنفوز فوزا عظيما ) هه ..هه .. فوزا عظيما ... !
وكأننا كنا حقا مستعدون للتضحية وبالتالي للفوز العظيم ... !
ما أسهل الكلمات .. وما أصعب الفعل ... !
وعقب الحسين ، قتل الف حسين وما رفعنا كفا ولا طالبنا بحق ولا قلنا للظالمين قولة لا .. !
سقط مليكنا الشاب ورئيس وزرائنا الديموقراطي المتواضع فما خرج عراقي يدافع عنه ، بل زحفنا بذلة لتقطيع أوصال هذا المليك وذاك الرئيس ... !
وسقط قاسم فما دافعنا عنه ، بل كنا نرى الطائرات وهي تدك وزارة الدفاع ونحن جالسين في بيوتنا نتلمظ بالكلمات البائسة وندعو الله أن ينجي الزعيم من القتل ...!
وجاء صدام حسين فأنشدننا إلى التلفاز نتابع سكناته وحركات وجهه ... عشنا قرابة الثلاثون عاما ونحن نردد .. ( حياك يا بو حلا ) .. وحين سقط أبو حلا ، هرولنا إلى مصارفنا ومكتباتنا ومعاملنا ودوائرنا الرسمية لنسرقها ... وكأننا بهذا ننتقم من ابو حلا الذي أضعنا أعمارنا ونحن نغني له ... ونرقص في حضرته .. ونذبح بعضنا من أجله ... !
ذات مرة سألني مضيفي الكويتي الجميل وكنت لاجئا في الكويت :
أخوي كامل .. شلون الأوضاع بالبصرة ؟
أجبته .. البصرة يا صديقي أوجزها لك بسطر واحد .. حزب دعوة ومخابرات في بيت واحد ... إبن العم يسلم أبن عمه والأخ يقتل أخاه والزوجة تشي بزوجها والأب يطلق النار على إبنه بمسدسه أو كلاشنكوفه العائد للمنظمة ... !
- معقول هذا ؟
- نعم يا صاحبي ، فقط في العراق وحده هذا معقول ومعقول جدا ، وهو ما عشناه عبر العصور ، من أيام الحسين ، بل من أيام ما قبل الحسين ... !

-3-

هناك مؤشرات قوية على عودة البعث ... قوية جدا ومن أكثر من إتجاه ومن أكثر من إختراق ... وبتوفيق الله إذا وضع السيد الصدر يده في يد الحكيم ... يعود ثانية ذات التاريخ الذي عشناه في الثمانينات ... !
حزب دعوة ومخابرات في بيت واحد ... !
والسيد الصدر حفظه الله يريد رئاسة الوزراء ولن يقبل ما هو أدنى منها ... فإن نالها فإن هيئة القتلة المسماة هيئة علماء المسلمين ستكون في واقع الحال هي الحاكمة في العراق ، بينما يكون أهل الدعوة هم رجال شرطة وأمن تلك الهيئة ... وها هو التاريخ يعيد نفسه .
قتلة عبد المجيد الخوئي وقتلة عبد الكريم قاسم والرافضون لتحرير العراق سيعودون إلى السلطة بثوب قديم متجدد .
وشرطتهم سيكونون شيعة الجنوب ، تماما كما كانوا ايام صدام حسين .
أو تطنوننا تعلمنا شيئا من تاريخنا المرير الطويل ؟
لا أظن ؟
كل ما أتمناه أن يكون شعبنا أكبر وعيا وأذكى فيخيب آمال أهل الردة ...!
أتمنى ذلك ، لأن تجربة حكم الإسلاميين في هذا العام كانت مرعبة للغاية ... ولا أظن شعبنا يجيزها ثانية .
حين نأمل بعودة السيد علاوي ، فإننا نأمل بعودة الواقعية والعقلانية والوضوح .
عدو بلا عمامة ... بلا قناع ... أفضل بكثير من آخر متبرقع معمم .
عدو يقول لك هناك قتلة يجب أن يحاكموا ، وهناك شعب يجب أن يعيش ويتقدم ويتحابب ويستمر في طريق الحياة ... أفضل من آخر لا يظهر ما يبطن ... وحين يمتلك زمام الأمور يفاجئك بما لم تحتسب .
وإذا بهذا الذي لم تحتسبه ، صدام حسين ذاته ، بوجه جديد وعمامة ومسبحة في اليد وسيف في اليد الأخرى ... !
ولا حول ولا قوة إلا بالله ... وحسبنا الله ونعم الوكيل .

-4-

جمهورية ايران الإسلامية تلعب على أكثر من ورقة بآن واحد ...!
بدر والمجلس والدعوة من جهة ...
الصدر ومن وراءه هيئة علماء المسلمين من جهة أخرى ...
ثأر الله والمخابرات الإيرانية والمساعدات الإنسانية من جهة ثالثة ..
الحكومة الرسمية الشرعية المنتخبة المخترقة من جهة رابعة ...
وأخيرا وليس آخرا عبر الزرقاوي وسوريا والمقاومة الوطنية الشريفة جدا جدا ...
وكل ما يأتي هو خير ونعمة بالنسبة لجمهورية إيران الإسلامية ... إلا العلمانيين وحلفاء أمريكا والغرب والحضارة ، فهؤلاء هم الرقم المرفوض لأنه يمثل الوطنية العراقية والإنسجام العراقي والوحدة العراقية .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. سائق يلتقط مشهدًا مخيفًا لإعصار مدمر يتحرك بالقرب منه بأمريك


.. إسرائيل -مستعدة- لتأجيل اجتياح رفح بحال التوصل -لاتفاق أسرى-




.. محمود عباس يطالب بوقف القتال وتزويد غزة بالمساعدات| #عاجل


.. ماكرون يدعو إلى نقاش حول الدفاع الأوروبي يشمل السلاح النووي




.. مسؤولون في الخارجية الأميركية يشككون في انتهاك إسرائيل للقان