الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بين الخطاب الشعبي والخطاب الشعبوي في السياسة المغربية الحالية

فؤاد وجاني

2016 / 1 / 12
مواضيع وابحاث سياسية



نجحت الحكومة الحالية في تمرير الاستبداد للشعب على أنه ديموقراطية بفضل الخطاب الشعبوي المستخدم من قبل رئيس الحكومة ووزرائه وحزبه. واستطاعت أن تجعل الشعب يتنازل رويدا عن حقوقه في التقاعد في سن مناسبة، ويقبل بالزيادة في السلع الحيوية وفي فواتير الماء والكهرباء والطاقة، ويتخلى عن حقه في التعليم والتطبيب المجانيّيْن.
هي حكومة أنشئت من قبل القصر لتفرض هيمنة الطبقة الأرستقراطية الرأسمالية على ما كان سابقا حقا طبيعيا للشعب. أعضاء حزب بنكيران من الطبقة الوسطى التي عاشت بين الشعب قبل تقلد منصب سلطة الواجهة. ورغم عدم امتلاك أعضاء الجماعة المخزنية التي أُدمجت في حزب الخطيب لاحقا لمرجعية معرفية، فإنهم استطاعوا كبح جماح الحراك الشعبي في فترة حرجة كادت تقلب موازين القوى لصالح قاعدة الهرم.
ونجحت هذه الحكومة الصورية أيضا في جر حزبيْ الاستقلال والاتحاد الاشتراكي إلى مستنقع الشعبوية بعدما شهدوا نجاح حزب بنكيران في استقطاب الأصوات في انتخابات غاب عنها نصف الشعب.
لقد كانت حكومة بنكيران سفينة النجاة للملكية بالمغرب ولو لحين، فقد حافظت على الهيكل العمودي للسلطة بعدما اعتلاه الصدأ، وبدأت تنتشر أفكار التمدد الأفقي للحكم، وذاعت قيم المساواة وتقسيم الثروات وحكم الشعب للشعب.
في نفس الوقت، استغل الملك ورفقاؤه فرح الشعب المؤقت بحكومة شعبية ليزيدوا من نفوذهم الاقتصادي والسياسي في البلاد. وغيرت أحزاب القصر وخاصة حزب الأصالة والعاصرة من نهجها التقليدي الرافع لشعار الجرار الفلاحي إلى حزب المثقفين متبنية خطابا هو أقرب للنخبة والطبقة المتوسطة، داعمة لأنشطة ثقافية تكرس علو القصر، تاركة مهمة الشعبوية لأحزاب العدالة والتنمية والمعارضة المكيفة.
وكان القصر مشاركا في تكريس الشعبوية قبل طرح الدستور الجديد القديم عبر الدعوة إلى استفتاء شعبي بنعم. وخرج الملك بنفسه في خطاب إلى شعبه "العزيز" يوم الجمعة 17 يونيو 2011 قائلا:
"سأقول نعم لهذا المشروع....وإني لأدعو الأحزاب السياسية، والمركزيات النقابية، ومنظمات المجتمع المدني، إلى العمل على تعبئة الشعب المغربي، ليس فقط من أجل التصويت لصالحه، بل بتفعيله".
وجُندت ل"نعم" الملكية منابر المساجد ونشرات الإعلام المخزني وفواصله الإعلانية ومقرات الأحزاب ورُفعت الشعارات في الشوارع من قبل من تقاضوا أجورا لذلك.
بينما رَفعت حركة عشرين فبراير الحرة شعار لا للدستور الممنوح، المصنوع بعيدا عن هموم وآفاق الشارع في دهاليز السلطة، معتبرة إياه إعادة صياغة للدستور المطلق القديم في حلة جديدة، هدفها إخماد غليان الشارع المغربي آنذاك وتفويت قطار الحرية على الشعب.
ثم جاء الملك في خطاب آخر أمام البرلمان ليكرر كلام العرافات وهو يتحدث عن المنجزات التي وصل إليها المغرب وبُغض بعض الجهات حسب ادعائه: "اللهم كثر حسادنا"، ناسبا الحديث إلى "جده رسول الله".
شعبوية الملك فصيحة باعتباره الممثل الأسمى للأمة المستمد لشرعيته من الله، كونه أحد ورثة الأنبياء المنزهين. أسلوب كرره حين تساءل في خطاب آخر: "أين الثروة".
إن هدف الخطاب الشعبوي في المغرب على اختلاف مستوياته المتأرجحة بين العامية واللغة الساقطة والفصيحة هو إظهار القرب من الشعب واستغبائه في آن واحد. خطاب يثير الجدل الفضفاض لتفادي الحديث عن الأسباب الحقيقية للأزمات التي يمر منها الشعب، ويعفي أصحاب القرار من تبني الاستراتيجيات الراهنة والصارمة لحلها ولو على حساب مصلحتهم.
خطاب يوحي بالديموقراطية المباشرة في الظاهر وهو سند للاستبداد المخزني وحكم القطب الأوحد المقدس المتمثل في القصر باطنَ الأمر.
بيد أن الخطاب الشعبي يلامس هموم الناس، يمحص مواطن الخلل، يُنزل المسؤولين إلى الشارع علنا وخفية وعلى فُجاءة ليراقبوا كيف تُسَير مرافق الشعب من مستشفيات ومدارس وإدارات عمومية، وليتفحصوا ما يلزم المواطن من حاجات أساسية، ويعاينوا معاناته اليومية، كي يُحسنوا ظروف عيشه ويزيحوا عن طريقه ما يعكر صفو الحياة وسبل النهوض. فالفرد لدى رواد الخطاب الشعبي مقدس وبدونه لا يقوم وطن.
رواد الخطاب الشعبي لا يملكون القصور، ولا يسعون إلى تجارة أو غنى من وراء السياسة، بل إنهم يخدمون الشعب لنيل شرف التمثيل والبطولة. إنه خطاب الصدق المستوحى من الضمير، المتجرد من مصالح الذات، المحاسب للذات.
هؤلاء مُغيّبون، فالسياسة في ظل الاستبداد لا يمارسها المثقفون والحكماء، هم عنها مقصيون مبعدون، وإن ظهر أحدهم أو انحاز لصف الشعب على حساب نُخب المال والطبقة الأوليغارشية، وسار ضد المنهاج الذي رسمه المخزن، وخرج عن إطار حزبه المكيف لخدمة الأعلى، أزاحوه كما حدث لعبد الله باها والزايدي.
إنما حبس الصحافيين بتهم مختلقة، وقمع المؤرخين المناضلين لأجل الحرية، وتكفير المثقفين الداعين إلى حكم الشعب، وتعنيف قوى الحراك المدني، وقمع الأساتذة وحاملي الشهادات المعطلين، وتهميش الأدباء المناهضين للاستبداد، وخوصصة التمدرس، واعتقال المناضلين، وتمييع المشهد، استراتيجيات لهيمنة الخطاب الشعبوي، تسفيها للقيم التي يجب أن يناضل لأجلها الشعب.
لقد غدا الخطاب الشعبوي إحدى ركائز الديكتاتورية الأيديولوجية التي تنتهجها الملكية في المغرب، لتبرز المستبد وكأنه قائد إصلاحي ثوري، بينما تعمد إلى مكافحة الفكر وتطهير الساحة من القادرين على تمثيل الشعب بكل فئاته.
هذه الشعبوية عقيدة ديماغوجية تخاطب المصالح والمفاهيم وتزرع الآمال وتثير المخاوف بين العامة، مقدمة إجابات بسيطة لمشاكل صعبة أمام ظهور وعي جماعي جديد ضد مصالح الوضع السائد. وهي لن تدوم لأن الخطاب الشعبي عقلاني، ويتنامى وبقوة مُطّردة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. صورة مفجعة لفلسطينية في غزة تفوز بجائزة -أفضل صورة صحافية عا


.. وسط تفاؤل مصري.. هل تبصر هدنة غزة النور؟




.. خطوط رفح -الحمراء- تضع بايدن والديمقراطيين على صفيح ساخن


.. تفاؤل في إسرائيل بـ-محادثات الفرصة الأخيرة- للوصول إلى هدنة




.. أكاديمي يمني يتحدث عن وجود السوريين في أوروبا.. إليك ما قاله