الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قراءة في كتاب -الانتفاضات العربية على ضوء فلسفة التاريخ-..

محمد عبعوب

2016 / 1 / 15
الادب والفن



في كتابه "الانتفاضات العربية على ضوء فلسفة التاريخ" الصادر عن دار الساقي للنشر 2013م كرس الكاتب هاشم صالح جزءا مهما من مؤلفه لوضع ظاهرة ما يعرف بـ"الربيع العربي" تحت مجاهر ومناظير فلاسفة التنوير الاوروبيين او مفكرين عرب متأوربين، واعتمد بشكل شبه كامل على أفكارهم وآرائهم في تحليله لوقائع هذا الربيع ، كما سيطرت لغة الخطاب على مجمل فصول الكتاب حتى بدا وكأنه مجموعة مقالات خطابية موجهة لا علاقة لها بتقديم رؤية وتحليل معمق لهذه الظاهرة، وهو ما كنت آمل أن أجده بين فصول الكتاب كما يوحي عنوانه ..
عثرت على هذا الكتاب خلال بحثي الدؤوب عن أي إصدار جاد وعميق يتناول هذه الظاهرة المزلزلة ويستشرف مآلاتها، وذلك خلال إبحاري في شبكة المعلومات الدولية المصدر الوحيد المتاح لي للوصول الى مصادر المعرفة، فرحت بالكتاب وانكببت عليه بشغف المتعطش لمعرفة الحقيقة وسط ضوضاء التضليل واللغط المواكب لتسونامي "الربيع العربي" الخطير والذي حجب عنا رؤية ما ستؤول اليه أوضاع هذا الوطن وجعلنا نشعر بأننا في متاهة محفوفة بمخاطر كارثية لا تحمد عقباها..
على مدى ثلاثة أيام قرأت الكتاب باهتمام وتركيز، ولم اهمل حتى هوامشه المطولة التي يتجاوز بعضها نص الموضوع، وذلك في سياق بحثي عن فجوة في هذا الإعصار المظلم نهتدي من خلالها لرؤية تصور محدد ومتكامل لمآلات هذا التسونامي، لكن ما عثرت عليه من خلال تلك الخطب الرنانة لم يزد عن بصيص غامض لا تسنده أي أدلة قطعية عن نهاية سعيدة و واعدة او حتى منذرة بالأصعب من هذا التسونامي، بصيص يستمده المؤلف من قراءاته لأفكار فلاسفة ومفكرين أوروبيين من كانط وفولتير وحتى جان جاك روسو مرورا بهيغل والعديد من منظري النهضة الاوروبية المعاصرين حول مسار البشرية وحتمية التغيير متى توفرت شروطه واستحقاقاته. لكن المؤلف، وإن حاول إسقاط أفكار و وقائع النهضة الاوروبية على ما يجري في الوطن العربي هذه الايام، لكنه لم يقدم لنا تحليلا عميقا وتشريحا واسعا لجذور هذا الصراع المشتعل اتونه منذ خمس سنوات، وما إذا كانت نظريات فلاسفة اوروبا يمكن ان تصلح لتحليل واقعنا وان نستشرف من خلالها رؤية حقيقية وصحيحة لما ستؤول له أوضاعنا بعد خمس عقود على الاقل من الآن. فالواقع والارضية والظروف السياسية والاجتماعية وحالة التواصل بين الامم والشعوب التي تبلورت من خلالها ثورات اوروبا تختلف عن واقعنا اليوم، وهذا في تقديري المتواضع ما يقلل من قيمة نظريات الفلاسفة والمفكرين الاوروبيين في استشراف صور واضحة وصادقة لما ستؤول اليه اوضاعنا بعد انقشاع غيوم هذا الاعصار المدمر، وما إذا كان سينتج أوضاعا جديدة تضعنا على سكة التطور والتقدم واللحاق بالامم التي تجاوزت ظلام التاريخ الى نور المستقبل.
وقد عكس تناول الكاتب لظاهرة الربيع العربي من ساحة اغترابه في أوروبا مدى بعده عن الإلمام بتفاصيل دقيقة حول هذا الربيع كانت ستمكنه من وضع رؤية أكثر وضوحا لوقائعه، ذلك أن عدم معايشته عن كثب لهذه الوقائع سواء في بلده سوريا او غيرها من البلدان التي شهدت وقائعه، واعتماده على ما تبثه وسائل الإعلام الأوروبية التي تعكس وجهة نظر بلدانها و رؤيتها لهذا الصراع، حجب عنه الصورة الكاملة والحقيقية بتفاصيلها الدقيقة لكل حيثيات ودوافع وتوجهات هذا الربيع ودور قوى أجنبية دولية وإقليمية في الانحراف به عن مقاصده الأصلية التي دفعت المواطنين للخروج ولأول مرة في تاريخها المعاصر ضد دكتاتوريات لم تحسب حسابا لمثل هذا الخروج المباغت ضدها، وهذا ما قد يعطي انطباعا بأن مضمون هذا الكتاب لا يختلف عن ما يقدمه أي كاتب أوروبي او أمريكي حول ظاهرة الربيع العربي، وهي بكل تأكيد ستكون رؤية قاصرة عن الإلمام بصورة متكاملة للظاهرة وبالتالي لا تؤدي الى استشراف صورة صحيحة وواضحة لما ستؤول له أوضاع المنطقة بعد خمود الزلزال وارتداداته.

واللافت في هذا الكتاب أن كاتبه قد وُفّق الى حد كبير في لفت انتباهنا الى ومضات مضيئة وإيجابية ، وإن كانت محدودة وبسيطة في خطاب الطيف الأصولي على الساحة تستوجب منا المبادرة الى الاستفادة منها ومساعدة مرسليها على تطويرها والانتقال من حالة الانغلاق والانسداد التاريخي التي تسيطر على تفكيرهم الى حالة الانفتاح والاعتراف بالآخر والاندماج في مسار التنوير على المدى الطويل.. كما أنه بقدر ما كان قاسيا في نقده الموضوعي لتيار الأصولية والسلفية الذي عكس بمواقفه مسار انتفاضات الربيع العربي وغير مسارها من مسار نحو التقدم والتنوير الى مسار معاكس نحو ظلام التاريخ، إلا أنه لم يهمل في نقده تيار التنوير الذي يمارس سياسة مقاطعة كاملة تجاه منافسيه من الأصوليين ويتهمه بالعجز عن رؤية تلك الومضات البسيطة التي يطلقها من حين لآخر مفكرون أصوليون ، كان يتوجب عليه استثمارها ومساعدة مطلقيها على الدخول الى دائرة التنوير على مراحل، وهو الطريق الوحيد الذي يراه الكاتب آمنا ومتاحا في الوقت الراهن للخروج من حالة التأزم التي تهدد بتدمير وتبديد ما خلفه هذا الإعصار الرهيب .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أمسيات شعرية- الشاعر فتحي النصري


.. فيلم السرب يقترب من حصد 7 ملايين جنيه خلال 3 أيام عرض




.. تقنيات الرواية- العتبات


.. نون النضال | جنان شحادة ودانا الشاعر وسنين أبو زيد | 2024-05




.. علي بن تميم: لجنة جائزة -البوكر- مستقلة...وللذكاء الاصطناعي