الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أردوغان..أردوغان: هل وصلك أخيرا ربيع عربي كردي روسي داعشي: اسمه بركان؟

ميشيل حنا الحاج

2016 / 1 / 15
مواضيع وابحاث سياسية


انا بدأت أحب الأمثال العربية القديمة. ففي مقالي الأخير بعنوان "أردوغان..أردوغان: هل بلغتك أخيرا لعنة الشيطان"، بدأت المقال بالتذكير بمثل عربي يقول " طباخ السم يذوقه". وها أنا أبدأ مقالي الحالي بمثل عربي - عالمي يقول: "من حفر حفرة لأخيه (أو لجاره) وقع فيها". وها هو "أردوغان" – الرئيس التركي، يقع الآن في عمق أعماق الحفرة التي حفرها لجيرانه العرب، لسوريا، ولاخوته في الاسلام في دول عربية أخرى، لكنها تحولت الآن من مجرد ربيع عربي، الى بركان عربي تركي كردي روسي وربما داعشي أيضا.
في المقال السابق الذي منعت من نشره على العديد من صفحات الجروبات التي انتمي اليها، والذي كتبته اثر التفجير الانتحاري الذي وقع في ساحة رئيسية في اسطنبول، ذكرت الرئيس التركي اردوغان بأن طباخ السم يذوقه.
لكن تعاطفا مني مع الأبرياء الذين قضوا ضحية لذاك التفجير الانتحاري، وكان منهم تسعة ألمان وتركي (اضافة الى الانتحاري السوري الذي هو أيضا ضحية تم غسل دماغه بوسيلة أو بأخرى)... فقد تجرأت على القول بأنه آن الأوان للأزهر الشريف، أن يدلي بدلوه في هذا الشأن، فيوضح بجرأة وبصراحة لا تخلو من الوضوح التام، مبينا لأولئك الانتحاريين، (عبر دروس في الجوامع، ومن خلال الشبكة العنكبوتية وكل قنوات الاذاعة والتلفزيون المتاحة لهم)... عدم دقة وصحة المفاهيم التي تغسل بها الدولة الاسلامية - داعش (والاسلام الشريف النبيل براء من ادعاءتهم)، التي تسعى لاقناعهم بأن عملهم الانتحاري هو في سبيل الاسلام، وسوف يكافأون عليه بالانتقال فور تفجير أنفسهم.. الى الجنة، حيث تلقاهم سبعون حورية، وسبعون وصيفة تابعة لتلك الحوريات، وكلهن سوف يكن ملك يمينه، يفعل بهن أو معهن ما يشاء، تمتعا منه بمباهج الجنة وخيراتها.
فقد وجدت في ذاك الحدث المؤلم، حادثة التفجير في اسطنبول، رغم كونه قد أذاق طعم السم لطباخه أردوغان، مناسبة ملائمة ( ترددت طويلا اثر كل عمل انتحاري يوصف بالاستشهادي.. في التطرق اليها، خوفا من اتهامي بأنني أكتب ذلك بدوافع من مسيحيتي التي ولدت بها (دون أن اكون في غاية الاقتناع بالانتماء اليها) ... ليكشف الأزهر الشريف للجميع (بما فيهم منفذو العمليات الانتحارية المسماة بالاستشهادية).. خطأ ما يلقنونه من دروس لا تستقيم مع مفاهيم الاسلام – الدين الحنيف الذي حرم قتل النفس البريئة بغير حق.
فالأزهر منذ بروز تلك العمليات المسماة بالاستشهادية، يكتفي حتى الآن بادانة الأعمال الوحشية التي ترتكبها داعش، لكنه لا يخطو خطوة أخرى ليكفر مرتكبي تلك الأعمال الموصوفة بالاستشهادية... باعتبارهم يقتلون أبرياء بدون وجه حق. وفي حوار مع وكيل الأزهر أجرته معه احدى قنوات التلفزيون المصرية، برر وكيل الأزهر ذاك الموقف الأزهري، بكون التكفير شيء هام وخطوة كبيرة تحتاج الى توافر عدة عناصر، ولا يستطيع الأزهر الشريف أن يكفر أحد دون توافر ما يكفي من المسوغات الشرعية التي تبرر التكفير. ولا أعلم أنا مدى دقة ما يقوله الأزهر في هذا الشأن، ولذا أترك الأمر للكتاب الأكثر ضلوعا مني بتعاليم الاسلام الحنيف، ليناقشوا الأزهر الشريف في هذ الأمر الذي يقتضي المحاور فيه أن يكون ضليعا بالمفاهيم الشرعية، لكن البعيدة عن مفاهيم "بن تيمية" وتلامذته ومريديه.
وهنا أود أن أنوه بأن ذلك لايشمل كل أنواع العمليات الاستشهادية التي يدعو البعض الى تكفيرها. فتلك التي ينفذها فلسطينيون دفاعا عن بلادهم المغتصبة، أو يقضون نحبهم في خضم قتال ومقاومة للمحتل الغاصب، لا تجوز مقارنتهم بأولئك الذين ينفذون عمليات تسمى استشهادية، وتقتل أبرياء من المارة أو المتواجدين في موقع التفجير. فعلى أرض الواقع، فان المستشهد الفلسطيني انما يقاتل من قتلوا وشردوا أبرياء. فالقتيل هنا هو من قتل الأبرياء وشردهم. فهناك اذن فارق كبير وواضح بين الحالتين.
**********
الا أنه تعقيبا على المثل العربي الآخر والقائل بأنه من حفر حفرة لأخيه وقع فيها، لا بد أن نستذكر بأن الرئيس أردوغان، بعد أن حفر حفرة لجارته سوريا، وشرع بتنفيذها بالتعاون مع دول عربية اضافة الى مباركة أميركية وترحيب صهيوني، أصابه الغرور بما أفلح في تنفيذه في القطر السوري، ولم تزل آثاره قائمة وممتدة في عنفوانها حتى الآن... فأخذ يتطلع لفتح جبهات أخرى تعزز موقعه على العرش الذي يريد الجلوس عليه، عرش السلطنة العثمانية الجديدة، خصوصا وقد خيل له، بأنه سيفلح مرة أخرى في تحقيق مكاسب أخرى، في جبهات أخرى، تبرر مطلبه باجراء تعديل دستوري يمنح رئيس الجمهورية معظم الصلاحيات التي يوفرها الدستور التركي لرئيس الوزراء ومجلس الوزراء. وبات الآن، وقبل حصوله على التعديل الدستوري، يتصرف وكأنه قد حصل فعلا على تلك الصلاحيات، فشرع في اتخاذ القرارات، واصدار الأوامر، والادلاء بالتصريحات التي لا يخوله الدستور الحالي أيا من صلاحياتها. وقد لاحظنا جميعا رئيس الجمهورية السابق "عبد الله غول" ، بأنه كان نادرا ما يدلي بتصريح أو يصدر اوامر وقرارات، مكتفيا بصلاحية التوقيع على قرارات مجلس الوزراء دون صدورها بناء على رغبته أو مطلب منه، اذ كان أردوغان، الذي كان رئيس وزرائه آنئذ، هو الذي يصدر الأوامر ويتخذ القرارات ويدلي بالتصريحات.
ولكن رغم خسارة أردوغان لموقع رئاسة الوزراء الذي يمنعه نص دستوري من تجديدها لأكثر من فترتين، لجأ الى ترشيح نفسه لرئاسة الجمهورية التركية، حالا محل "غول" الراحل، والذي التزم الصمت طوال رئاسته. لكن مع مواصلة أردوغان لاتخاذ القرارات واضدار الأوامر والادلاء بالتصريحات، وكأنه لم يزل رئيس الوزراء، ذو الصلاحية في ذلك كله، مع أن موقعه مجرد رئيس للجمهورية بدون صلاحيات دستورية ليفعل ذلك متصرفا وكأنه رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء في آن واحد.
ولكن بما أنه يتطلع للحصول على تلك الصلاحيات التي يعشقها ووقع في غرامها وانتشى بخمرها، ويسعى لتكريسها في استفتاء قادم على تعديل دستوري يحتاج الى نسبة خاصة من أصوات المستفتين الأتراك، فقد وجد من الضرورة أن يأمر بتنفيذ خطوات جريئة تكسبه شعبية يتطلع اليها. وهكذا فتح جبهة الأكراد مجددا، وبعدها جبهة روسيا باسقاط طائرتها. بل ها هو الآن يسعى الى فتح جبهة مع الجارة أرمينيا (التي تذكر ولم تنس المذابح التركية ضد الأرمن في عهد الامبراطورية العثمانية الأولى)، مما اضطر جمهورية أرمينيا للاستعانة بالقوات الروسية لحمايتها من عدوان تركي محتمل، فأرسلت الى أرمينيا على عجل سبعة آلاف جندي انتشروا على حدود أرمينيا، (اضافة الى قاعدة للقوات الروسية ثابتة في أرمينيا رغم تفكك الاتحاد السوفياتي التي أوجدت تلك القاعدة على أراضيها ضمن المساعي السوفياتية آنئذ لحماية نفسها). وبذا باتت القوات الروسية تنتشر على جانب الحدود الأرمنية التركية، كما نجحت أيضا في سوريا بالتعاون مع القوات السورية، بتطويق حلب من عدة جهات، بحيث باتت القوات الروسية متواجدة الآن على جانب آخر من حدود تركيا ، وتلك هي الحدود السورية التركية. ترى من سبنقذ تركيا من هذا المأزق الذي وضعها فيه طموح أردوغان، الحالم الآن بتثوير قوات حلف الأطلسي لتقف الى جانبه في مأزقه المتفاقم مع تركيا، مع ترجيح بعض المحللين السياسيين بأن الرئيس أوباما العزف عن الحرب والراغب في السلام، قد لا يشجع على خطوات كهذه بدا فيها الجانب التركي كمعتدي وليس كمعتدى عليه.
ترى على كم جبهة سيقاتل أردوغان؟ هل يقاتل على الجبهة الكردية التي فجرت له قطارا قبل أيام قليلة، مع احتمال بكون الدولة الاسلامية هي التي فجرت القطار التركي. كما فجرت سيارة مفخخة أيضا بعدها بيوم أو أيام في منطقة ديار بكر الكردية، التي لم يخب حماسها رعم تفجير سابق نفذه عملاء أتراك ( أو دواعش) قبل عدة شهور في وسط مهرجان انتخابي كردي، فقتل أكثر من مائة كردي فيه.
فها هو الآن يواجه جبهة أخرى رابعة فتحتها عليه الدولة الاسلامية – داعش، بتفجير اسطنبول سالف الذكر، وهو التفجير الذي اضطر اردوغان للاعتراف بأن الدول الاسلامية تقف وراءه بعد غموض لامس عمليات تفجير القطار، وتفجير ديار بكر، وقبله التفجير في المهرجان الانتخابي الكردي السابق ذكره.
وطالما حذر الكتاب ومنهم شخصي المتواضع الذي كتب أكثر من مقال في السنتين الماضيتين، محذرا أردوغان بأن عاصفة الارهاب التي أشعلها في سوريا حافرا حفرته (العبقرية) للسوريين، مرشحة لتطال بلاده أيضا في وقت قريب. ولكنه لم يرعو(ي) رغم تفجيرات أخرى سابقة أصغر حجما نفذتها الدولة الاسلامية في السابق، بل ورغم اكتشافه في مرحلة ما وجود عمليات نقل أسلحة في شاحنة داخل الأراضي التركية، دون أن تبلغ الأجهزة الأمنية التركية بتحركها، مما أثار شكوكا منذ أكثر من عام لدى الأتراك، وخصوصا في صفوف أحزاب المعارضة التركية، باحتمال وجود مساع للدولة لاسلامية، لتأسيس خلايا نائمة لها على الأراضي التركية، قد تحتاجها مستقبلا. ترى كم توجد من الخلايا النائئمة للدولة الاسلامية في دول خليجية شاركت في تلك الحرب ضد سوريا التي تحولت الى ماكينة لتفريخ مزيد من الارهابيين يوما بعد آخر؟
وهكذا يتضح تدريجيا صحة المثل العربي بأن من حفر حفرة لأخيه (أو لجاره) وقع فيها. فها هي تركيا تجابه الآن شر اعمالها النابعة من طموح وحشي لا يعرف الاعتدال... للسلطة لدى أردوغان، ومن رغبة متعطشة لتولي السلطة والاحتفاظ بها مدى الحياة، بل وربما لتوريثها أيضا لنجله الضالع بعمليات شراء النفط السوري والعراقي من الدولة الاسلامية التي باتت تستخدم أثمانه (الرخيصة جدا) لتوجيه ضربات لتركيا ذاتها. فأهنأ بنصرك وبطموحك أيها الرئيس حاليا، لكن الحالم بالسلطان لاحقا: رجب طيب أردوغان.
ميشيل حنا الحاج
عضو في جمعية الدراسات الاستراتيجية الفلسطينية THINK TANK
عضو مستشار في المركز الأوروبي العربي لمكافحة الارهاب
عضو في مركز الحوار العربي - الأميركي - واشنطن
عضو في رابطة الكتاب الأردنيين - الصفحة الرسمية
عضو في رابطة الصداقة اللبنانية المغربية
كاتب في صفخحات الحوار المتمدن - ص. مواضيع وأبحاث سياسية
عضوا في جروبات أخرى عديدة








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تحدي اللهجات.. مقارنة بين الأمثال والأكلات السعودية والسورية


.. أبو عبيدة: قيادة العدو تزج بجنودها في أزقة غزة ليعودوا في نع




.. مسيرة وطنية للتضامن مع فلسطين وضد الحرب الإسرائيلية على غزة


.. تطورات لبنان.. القسام تنعى القائد شرحبيل السيد بعد عملية اغت




.. القسام: ا?طلاق صاروخ ا?رض جو تجاه مروحية الاحتلال في جباليا