الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


وساطة مطلوبة ووسيط غير مطلوب

جعفر المظفر

2016 / 1 / 16
مواضيع وابحاث سياسية



خلاف كل الحروب الأخرى لا جدال على أن الحرب إذا وقعت بين السعودية وإيران (وهي واقعة فعلا) فهي ستنتشر كمواجهة دموية بين شعوب المنطقة وذلك تأسيسا على طبيعة الصراع الطائفي وإمكانيات إنتشاره السريع بعد ان تم إعداد المنطقة بالكامل لكي تكون جاهزة لإحتضان مجابهات من هذا النوع. المراقب لهذا النوع من الحروب يعلم أنها تتم بالنيابة عن مركزي القرار الطائفي, أي السعودية وإيران, تمشيا مع القول البريطاني: بريطانيا ستحارب أعداءها حتى آخر قطرة دم هندية.
من جانبها أكدت الحروب التي تدور في ساحات عربية متفرقة وفي مقدمتها الساحة السورية على هذه الحقيقة, فالتفعيل الطائفي لا شك أخذ مداه الأرحب, ويمكن أن تقرأه في وجوه الميليشيات القادمة من مختلف الأصقاع, حيث تحظى هذه الميليشيات بدعم عسكري ومادي مباشر من قبل الدولتين وتحت يافطات ذات عناوين طائفية بحتة. الميليشيات العراقية الشيعية واللبنانية تعلن أنها تقاتل من أجل حماية ضريح السيدة زينب في حين أن ميليشيات الطرف المقابل تؤكد على أنها تقاتل ضد الطبيعة الطائفية للحكم السوري ذا التركيبة والإنحيازات العلوية. وبما أن العراق ممثلا بميليشيات شيعية متعددة يقاتل بكثافة على الساحة السورية فإن إمكانية توصيفه من خارج دائرة الإنحيازات الطائفية البينية يصبح مستحيلا بما يجعله طرفا أكيدا في المشهد الطائفي المتغلب على ساحة المجابهة.
إن حالة كهذه تجعل أمر قيام العراق بوساطة بين طرفي الأزمة الأخيرة بين إيران والسعودية أمرا صعبا إن لم يكن مستحيلا خاصة بعد مظاهرات الإحتجاج التي سارت في شوارع وسط العراق وجنوبه. والموقف بطبيعة الحال كان تعدى الشحن العراقي الطائفي لكي يأخذ منحاه الرسمي من خلال تصريح رئيس الوزراء السيد العبادي الذي عبَّر عن صدمته الشديدة لإعدام الشيخ النمر ووصف الأمر بأنه انتهاك لحقوق الإنسان, حتى خلناه وكأنه يتحدث من وراء منصة دولة إسكندنافية كانت قد قطعت شوطا طويلا في تنفيذ القوانين والتشريعات الخاصة بحقوق الإنسان متناسيا أن العراق نفسه يحتل خانة متقدمة في تنفيذ عقوبة الإعدام وإن هناك جنوح طائفي بيِّن في توجيه هذه العقوبة. أما إيران التي وصفت إعدام النمر بأنها جريمة طائفية بشعة فتحتل الثانية في خانة الدول المنفذة لهذه العقوبة بعد الصين.
غير أن الذي أثار الدهشة حقا هو تبرع السيد إبراهيم الجعفري وزير الخارجية العراقي لمهمة القيام بدور الوساطة بين طرفي النزاع. لا شك أن السيد الجعفري قد قام أثناء ترؤسه للدبلوماسية العراقية ببذل جهود مشهودة من أجل التقريب بين العراق من جهة ودول مجلس التعاون الخليجي من جهة أخرى وهو يحتفظ بعلاقات شخصية جيدة مع الكثير من مسؤولي بعضها كالكويت والإمارات, لكن علاقته غير المحايدة مع إيران وصلته الدينية المذهبية الفقهية معها تجعله أقرب للقيام بدور المندوب الإيراني بدلا من دور الوسيط بين هذه الأخيرة وبين اية دولة أخرى وخاصة السعودية.
في لقائه مع وزير الخارجية الإيراني يدين السيد الجعفري إقدام السعودية على تنفيذ عقوبة الإعدام بالشيخ النمري لكنه يرشح نفسه بعدها للعب دور الوساطة بين البلدين مما يعطي ناقديه ومتابعي صولاته الفلسفية التي لا تتحملها السياسة والدبلوماسية فرصا كثيرة للنيل منه. ويوم يبحث المرء عن تفسير لائق لهذه الفوضى الكلامية, خاصة وهو يتذكر هفوة الجعفري, حينما أكد في مؤتمر صحفي سابق له مع وزير الخارجية الإيراني على دعم العراق لداعش, فهو سيجدها ذات صلة بالطبيعة المشوشة لفكر الجعفري الذي تختلط عليه الأمور فلا يعود قادرا على التمييز بين النقائض.
من ناحية أخرى ليس من الخطأ الظن بأن الجعفري يبحث عن مجد ذاتي معلق لا يستند إلى ركائز أرضية تدعمه, ففي بلد ينخره الصراع الطائفي يكون من الأجدى لوزير خارجيته, ومن الأجدر به, أن يتمرن على تحقيق المصالحة داخليا قبل ان يرشح نفسه للعب دور الوسيط المقتدر.
بالنسبة للكثيرين, الصدام العسكري بين البلدين ليس واردا على الإطلاق إذ ان كلا البلدين قد تدربا كثيرا على الحرب بالنيابة وهما في غني عن وساطة السيد الجعفري المحبوس, كما قُمْقُمِهِ, في جوف قنينة مغلقة بإحكام.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مصدر عسكري: إسرائيل تستعد لتوسيع العملية البرية جنوب لبنان


.. لماذا يحتكر حزبان فقط السلطة في أمريكا؟




.. غارة على الضاحية الجنوبية لبيروت والجيش الإسرائيلي يطلب إخلا


.. معلومات جديدة عن استهداف إسرائيل لهاشم صفي الدين




.. الحرب على لبنان | لقاء مع محمد على الحسيني