الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التجارة الخارجية في العالم بين عامي 2000 و2014 وإتجاهات الأمد البعيد

أحمد إبريهي علي

2016 / 1 / 16
الادارة و الاقتصاد


التجارة الخارجية في العالم بين عامي 2000 و2014 وإتجاهات الأمد البعيد
حضرات القراء الأعزاء إكتشفت في المقالة التي نشرت في الحوار المتمدن يوم 8 /1/2015 بعنوان " نجاح مجموعة بركس والبلدان النامية في التجارة الخارجية" أخطاء لا بد من تصحيحها. وفي هذه الأثناء وجدت بيانات عن التجارة الخارجية حسب المجموعات السلعية للسنوات 1950 – 2014 وهي مدة كافية للأفصاح عن إتجاهات الأمد البعيد اضفت نتائج تحليلها إلى المقالة السابقة. واجريت تعديلات اخرى لتكون هذه بين ايديكم راجيا القبول.
قبل معالجة البيانات من المفيد التذكير ان الصادرات السلعية إنعكاس للأمكانية الأقتصادية الكلية للبلد المعني، وقدرته التنافسية الدولية، وهذه تعتمد على إنتاجية العمل التي تعينها التكنولوجيا والأطر التنظيمية من جهة وعلى الأجور واسعار المدخلات المحلية للسلع المصدرة من جهة اخرى. وعادة ما يقاس الأنفتاح التجاري بنسبة الصادرات ( او الأستيرادات) إلى الناتج المحلي الأجمالي والأخير مقياس للأمكانية الأنتاجية الوطنية. والأستيرادات يفسر تغيرها، عادة ،بالدخل الوطني واسعار المستوردات . والناتج المحلي الأجمالي اقرب تعبير عن الدخل الوطني، أما المقصود باسعار المستوردات فهو منسوبها إلى المستوى العام للأسعار في الداخل، بعد ترجمتها بسعر الصرف إلى العملة المحلية، ومن هذه الزاوية يؤثر سعر الصرف، في الأستيرادات كما في الصادرات، فهو يمكن ان يرفع او يخفِض الأسعار النسبية للمستوردات ( الصادرات) لدعم القدرة التنافسية الدولية او إضعافها. ولهذا السبب كان الضغط على الصين لرفع قيمة عملتها كي تصبح المستوردات رخيصة والصادرات غالية فتتراجع قدرتها التنافسية الدولية ويتقلص فائض ميزانها الخارجي.
وهناك خصائص يمكن تسميتها بنيوية تفسر تفاوت الدول في درجة إنفتاحها التجاري فمثلا الولايات المتحدة الأمريكية حتى سبعينات القرن الماضي لا تتجاوز صادرتها 7 بالمائة من ناتجها المحلي الأجمالي بينما صادرت بريطانيا اربعة او خمسة امثال هذه النسبة. والصين التي إعتمدت إستراتيجية النمو المقاد بالصادرات الصناعية على درجة عالية من ألأنفتاح التجاري رغم ان الأخير يتناسب عكسيا مع الحجم السكاني وتنوع الموارد. ومن جهة اخرى فإن المزايا النسبية والتكاليف المقارنة تدفع نحو مزيد من الأنفتاح للأنتفاع من التخصص. وفي العقود الأخيرة اصبح تنوع المنتجات لأشباع نفس الحاجة سببا آخر لأتساع التجارة الخارجية. وثمة عامل آخر يسمى سلسلة القيمة حيث تتكامل الصناعات عموديا عبر الدول، ويتجه قرار الأستثمار الصناعي اكثر فأكثر نحو تعظيم القيمة المضافة لأختيار الحلقات المناسبة من سلسلة القيمة لمختلف الصناعات.
وتنصرف هذه المراجعة لتجارة السلع دون الخدمات، والميزان التجاري هنا سلعي وبعد إضافة الخدمات، إستيرادا وتصديرا ، وتحويلات الدخل، داخلة وخارجة، نتوصل إلى ميزان العمليات الجارية وهو موضع الأهتمام في عجز او فائض ميزان المدفوعات. والتوازن بين الأستيرادات والصادرات السلعية على مستوى العالم متحقق بداهة، وعلى المستوى الوطني لا بد منه في الأمد البعيد. وفي الأمد القصير يمول عجز الميزان التجاري، حتما، من فائض في صادرات الخدمات وتحويلات دخل موجبة وتدفقات مالية من الخارج ( إستثمار اجنبي)، وهذه قد لا تكفي ما يضطر البلد النامي إلى إستنزاف إحتياطياته الدولية ، كما هو حال البلدان النفطية عام 2015 وهذا العام، أو الأقتراض السيادي من الخارج.
وبين عامي 1500 و 1820 والتي تصنف اغلبها ضمن المرحلة التجارية، اي قبل التصنيع، كان معدل نمو التجارة الخارجية السنوي الحقيقي 0.96 بالمائة ومع ذلك فهذا المعدل يفوق نمو السكان والناتج المحلي لتلك الحقبة، وتراكمت آثاره لتؤسس للتخصص وتقسيم العمل الدولي وأوجدت بيئة في غرب اوربا ساعدت على إحتضان حركة التصنيع في بداياتها.
بينما اسهمت الثورة الصناعية في نهضة مشهودة للتجارة الخارجية إذ بين سنتي 1820 و 1870 وبين الأخيرة وسنة 1913 كان النمو السنوي الحقيقي للتجارة الخارجية على التوالي 4.18 بالمائة و 3.40 بالمائة سنويا وهو اعلى من نمو الناتج العالمي، و أعطى هذا النمو دفعة قوية للعولمة. وتقاعست التجارة الخارجية بين بداية الحرب العالمية الأولى ومنتصف القرن العشرين إذ كان نموها السنوي الحقيقي يقترب من 0.9 بالمائة ( Our World in Data). وللمدة بين عامي 1950 و 2014 كان معدل النمو الحقيقي السنوي للصادرات السلعية 5.6 بالمائة وهو ما توصلنا إليه من معالجة بيانات الملحق الأحصائي لنشرة التجارة الخارجية لمنظمة التجارة العالمية WTO. وفي المدة ذاتها كان معدل نمو الناتج المحلي الأجمالي للعالم 3.5 بالمائة سنويا اي ان مرونة الصادرات السلعية كانت 1.6 وقد إرتفعت هذه المرونة بين عامي 1990 و 2014 ما يؤكد إستمرار زخم الأنفتاح التجاري في العالم. وكانت مرونة الصادرات مع الناتج المحلي للعالم للسلع الزراعية والأستخراجية على التوالي 0.96 و 0.97 بينما لسلع الصناعة التحويلية 1.96 وهذا المؤشر يدعم كثيرا إستراتيجية النمو المقاد بالصادرات الصناعية ( نمط شرق آسيا) ، خاصة وقد توصلنا إليه من بيانات للمدة الطويلة، المبينة آنفا،والتي تزيد على ستة عقود. ولازلنا مع بيانات منظمة التجارة العالمية، ولنفس المدة، ومن حساب نمو اسعار وحدات الصادرات تبين ان اسعار الصادرات الزراعية والأستخراجية نمت على التوالي بمعدل 3.5 و 5.9 بالمائة سنويا ، بينما لسلع الصناعة التحويلية كان 3.4 بالمائة. وهو يفند ما تداولته ادبيات التنمية كثيرا من ان صادرات القطاع الأولي تميل اسعارها إلى ألأنخفاض بمرور الزمن لصالح الصناعة التحويلية. وللتأكد تم حساب معدلات نمو الأسعار، تلك، للمدة بين عامي 1990 و2014 حيث نمت اسعار الصادرات من الصناعة التحويلية بحوالي 1.5 بالمائة، في حينت كانت للمجموعتين الزراعية والأستخراجية 2.8 و 8.1 بالمائة على التوالي.
و إستنادا إلى النشرة السنوية للتجارة الخارجية، القسم الأحصائي للأمم المتحدة، لقد تزايدت قيمة الصادرات السلعية للعالم من 6356.6 إلى 18663.7 مليار دولار بالأسعار الجارية وكانت نسبة إلى الناتج المحلي الأجمالي 20 بالمائة عام 2000 وإرتفعت إلى 24.1 بالمائة عام 2014 ، بمعنى ان نموها اسرع من نمو الناتج العالمي. ولازال الأتجاه العام يؤكد الحركة نحو الأنفتاح التجاري وتنامي الثقل النسبي للتجارة الخارجية في إقتصاد العالم. ولأن سكان العالم يقترب من 7.3 مليار نسمة عام 2014، لذلك يقدر متوسط الصادرات للفرد 2557 دولار سنويا. وعلى فرض ان سكان العراق 35 مليون نسمة عام 2014 تكون الصادرات بالمتوسط حوالي 89 مليار دولار في السنة لبلد بحجم العراق في السكان، وهي مقاربة لقيمة الصادرات الفعلية للعراق تلك السنة.
والظاهرة اللافتة للنظر ان البلدان النامية، حسب تصنيف البلدان في الكتاب السنوي للتجارة الخارجية للأمم المتحدة، بمختلف مراحل تطورها وبالمجموع اصبح لها نصف صادرات العالم عام 2014 بعد ان كان نصيبها 35 بالمائة عام 2000، وهو تحول كبير يستحق التأمل العميق. وسيكون لهذا التغير أثر في موازين القوى الدولية الحاكمة للنظام الأقتصادي في العالم وربما ايضا لا يخلو من نتائج سياسية.
والطريف من بيانات التجارة الخارجية ان دول بركس ( الصين، وروسيا، والهند، والبرازيل، وجنوب افريقيا) اصبحت حصتها من صادرات العالم 18.6 بالمائة عام 2014 بعد ان كانت 7.5 بالمائة عام 2000 وهذا التغير جوهري بكل المقاييس. والصين إلى جانب صادراتها البالغة 2343.2 مليار دولار عام 2014 حققت فائضا بمقدار 380 مليار دولار. وكذلك روسيا، ايضا، أحرزت فائضا في ميزانها التجاري بمقدار 211.2 مليار دولار من صادراتها التي بلغت 497.9 مليار دولار. لكن الهند سجلت عجزا تجاريا بمقدار 141.7 مليار دولار إلى جانب صادراتها بقيمة 319.8 مليار دولار بمعنى ان إستيراداتها 461.5 مليار دولار عام 2014. والبرازيل ايضا، سجلت عجزا طفيفا نسبيا بلغ 14.1 مليار دولار وصدرت ماقيمته 225.1 مليار دولار. اما افريقيا الجنوبية التي وصلت صادراتها إلى 83.5 مليار دولار عام 2014 فقد اظهرت عجزا تجاريا يقارب 30 مليار دولار.
وحقق العراق فائضا تجاريا عام 2014 بحوالي 30 مليار دولار من صادراته التي تقترب من 89 مليار دولار، إستنادا إلى النشرة الدولية آنفة الذكر. بيد ان الفائض المذكور اغلبه تبدد في إستيراد خدمات بانواعها بما فيها السياحة والسفر، وإستثمارات للقطاع الخاص في الخارج، وبعضه وهو الأقل لسداد إلتزامات خارجية، بحيث كانت النتيجة عجزا طفيفا في الميزان الأجمالي للمدفوعات الخارجية.
وسوريا التي بلغت صادراتها 14 مليار دولار عام 2010 إنخفضت إلى 3 مليار دولار عام 2013 . وفي مصر كان ضرر" الربيع" اقل نسبيا من سوريا إذ انخفضت صادراتها من 30.5 مليار دولار عام 2011 إلى 24.7 مليار دولار عام 2014 ، لكن عجزها التجاري كبير نسبة إلى الصادرات فهو 36.3 مليار دولار عام 2014 ،وعسى ان تكفي تحويلات الدخل والمساعدات الخارجية والقروض وصادرات الخدمات ومنها السياحة لسد هذا العجز. اما تونس فهي الأقل تضررا في صادراتها التي نزلت إلى 16.8 مليار دولار عام 2014 بعد ان كانت 17.8 مليار دولار عام 2011 ولديها عجز تجاري بمقدار 8 مليار دولار وهو نسبة إلى الصادرات اخف منه في مصر.
بقي ان ننظر في التجارة الخارجية للولايات المتحدة الأمريكية فهي الدولة الأولى في الأستيرادات حوالي 2.4 ترليون دولار عام 2014، في حين اصبحت الصين الدولة الأولى في الصادرات 2.3 ترليون دولار تقريبا. والأقتصاد الأمريكي يعمل مع عجز تجاري بلغ 789 مليار دولار عام 2014، وتسهم التدفقات المالية إلى الولايات المتحدة الأمريكية بالجزء الأكبر في سداد هذا العجز كونها ، ايضا، السوق المالية الأكبر في العالم وعملتها هي العملة الأحتياطية الدولية الأولى. فالولايات المتحدة الأمريكية هي السوق الأكبر لأستقبال صادرات دول العالم، وهذا من عوامل نفوذها الأقتصادي. والصين بعدها تستورد ما قيمته 1963 مليار دولار اي اقل من 2 ترليون ولها ميزة من هذه الناحية، ايضا، تضاف إلى فائضها التجاري والذي تراكم إلى حجم هائل واصبح له التأثير الواسع في الأسواق المالية الدولية ولا تريد الصين التذكير به لأسباب سياسية. وقد يتباطأ نمو التجارة الخارجية للصين في السنوات القادمة ويبقى مع ذلك معدل نمو تجارتها الخارجية اعلى مما هو للولايات المتحدة الأمريكية لتكون هي الدولة الأولى إستيرادا وتصديرا. وبالرغم من تلك النجاحات بدأت تظهر في الصين صعوبات ومن بينها التلوث والذي يتطلب تعديل المكونات النسبية للطاقة وتغيرات في تكنولوجيا الأنتاج والسيطرة على المقذوفات. وكذلك، إستحقاقت مؤجلة لزيادة الأجور ورفع مستوى الأستهلاك الأسري.
والدولة الثالثة في التجارة الخارجية المانيا التي بلغت صادراتها حوالي 1505 مليار دولار وهي من دول الفائض الذي بلغ 287.5 مليار دولار عام 2014، وهذا الفائض إلى جانب القدرة العالية للتصدير ولكونها من الدول المتقدمة، هذه المزايا مجتمعة جعلتها من الركائز القوية في الأتحاد الأوربي ومنظومة اليورو والتحالف الغربي بالمجمل . خاصة وأن إقتصاد اليابان ومنذ التسعينات بين الركود والنمو المنخفض، وبلغت صادراتها عام 2014 ما يقارب 690 مليار دولار، واصبحت من دول العجز منذ عام 2011 والذي بلغ عام 2014 حوالي 122 مليار دولار، بعد تجربة طويلة في إستراتيجية النمو المقاد بالصادرات وفائض الحساب الجاري لميزان المدفوعات. ولا زالت كوريا الجنوبية تحافظ على نجاحها الصناعي والصادرات العالية التي اصبحت حوالي 573 مليار دولار عام 2014 ، مع فائض بمقدار 47.2 مليار دولار. وتجاوزت كوريا الجنوبية بريطانيا التي بلغ عجزها التجاري 185.8 وصادراتها 477.9 مليار دولار. ولهذا تعد كوريا الجنوبية قوة إقتصادية مهمة وربما لازالت لديها فرصة في مواصلة الصعود. وقد توسعت تركيا في تجارتها الخارجية كثيرا بما يشبه القفزة من 27.8 مليار دولار صادراتها عام 2000 إلى 157.6 عام 2014، لكن إستيراداتها كبيرة بحيث اصبح العجز التجاري عام 2014 بمقدار 84.6 مليار دولار، وهو يحتاج إلى تمويل بالتدفقات المالية الخارجية وصادرات خدمات وربما قروض بأشكال مختلفة. أما إيران فقد كانت أبطأ نموا في تجارتها الخارجية مقارنة مع تركيا ودول بركس إذ وصلت صادراتها إلى 88.8 مليار دولار عام 2014 بينما كانت تلك الصادرات 130.5 مليار دولار عام 2011 ، لقد ضاعت منها فرص كثيرة في القيود التي فرضت عليها، لكن الأيجابي في المشهد ان لديها فائضا تجاريا بمقدار 36.8 مليار دولار عام 2014 . د. احمد ابريهي علي








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. خبير اقتصادي القطاع الزراعي من الا?كثر تضررا بسبب الحرب في ا


.. د. آل حمد: هذه خطتنا لدعم النمو الاقتصادي في الخليج




.. مصر تبدأ أول خط إنتاج للسيارات فى عام 2025


.. ما حجم التبادل التجاري بين تركيا وإسرائيل؟




.. من عمر الـ54 عاماً لغاية الـ62... أماني ربيع تحقق عشرات المي