الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حدود صراع الأجنحة والسلطة

رياض حسن محرم

2016 / 1 / 17
مواضيع وابحاث سياسية


دون تهوين أو تهويل فإن الصراع على قمة السلطة هوحتمية لابد منها فى كل زمان وأوان، حدث هذا فى ثورة يناير ضد نظام مبارك وخصوصا الموقف من التوريث بين أجنحة مؤيدة وأخرى معارضة "حسب مصالحها" مما عجل فى النهاية برحيل مبارك، وحدث مرّة أخرى إبّان وجود الإخوان فى السلطة من صراع أجنحة متعارضة ما أدى الى سقوطهم المروع، ويحدث الان بين النظام القائم وأجنحة معارضة، تلك سنة من سنن الكون أشار إليها القرآن بالقول بدفع الناس بعضهم لبعض لعمارة الأرض، وما إصطلحت الماركسية عليه بالديالكتيك وعملية الصراع والوحدة داخل نفس الظاهرة.
ما هو ظاهر الآن صراع مكتوم داخل جهاز الحكم بين قطاعات أمنية مختلفة وخارجه بين المؤسسة العسكرية والمدنية وصراع آخر حول السلطة ما بين جناح مباركى وآخر سيساوى، تمثل ذلك بوضوح فى تشكيلة البرلمان والتى حاول أنصار السيسى تقليص حضور أعضاء سابقين من الحزب الوطنى فيها ولكن البرلمان برمته يشى بالمباركية " إذا جازت التسمية" وما عداهم جاء لمجرد تلوين التورتة، لقد شاركت عناصر من الحزب الوطنى بقوة فى ما حدث فى 30 يونيو بعد أن مهدوا لذلك من خلال أنصارهم فى أجهزة الدولة العميقة والتى ساهمت بشكل رئيسى فى الإطاحة بنظام الإخوان، وفى المحصلة فإن التناقض بين أنصار مبارك ومؤيدى السيسى ليس جذريا ويملك الطرفان رؤية متشابهة حول الإقتصاد الحر ومسألة تساقط ثمار التنمية والموقف من قضايا الحريات ومعاداة تيار الإسلام السياسى والعلاقات الدولية بالإضافة للموقف المعادى لثورة يناير، وحاليا فإن أنصار النظام الأسبق يحيطون بالسيسى من كل جانب ويقدمون له المشورة والنصح ويرسمون له السياسات الإقتصادية والتوجه السياسى.
حدث هذا الصراع قبلا أثناء ثورة يناير حتى لحظاتها الأخيرة، أذكر أننا كنا معتصمين بميدان سيدى جابر بالأسكندرية عشية تنازل مبارك وذلك مساء 10 فبراير حين قدم إلينا فجرا رتبة كبيرة من القوات المسلحة وطلب منا بإلحاح الإستمرار فى الإعتصام والتصعيد بقوة فى الساعات المقبلة بسبب وجود بعض أجهزة المجلس العسكرى ما زالت مترددة فى ضرورة ذهاب مبارك وحددها فى ثلاث هى على الترتيب الحرس الجمهورى والشرطة العسكرية والمخابرات الحربية " التى كان على رأسها عبد الفتاح السيسى"، وبعد تنحى مبارك ومجيئ المجلس العسكرى سرعان ما أبدى إنحيازه لتنظيم الإخوان المسلمين من خلال تشكيله للجنة مراجعة الدستور برئاسة مستشار منحاز للإخوان وإشتمالها على أعضاء صريحين منهم كصبحى صالح وما تلا ذلك من الإستفتاء الذى جرى بعد شهر واحد من تنحى مبارك وتمكين الإخوان والسلفيين من مجلس الشعب وإنتخابات الرئاسة التالية، بعدها مباشرة بدأت عملية معقدة لإبتزاز الإخوان والضغط عليهم لمزيد من إفشالهم والذى شاركت فيه معظم أجهزة الدولة وقوى المجتمع بمختلف أطيافها، وليس بعيدا عن الصورة مشاركة قوى أمنية فى تقديم التسهيلات لحركة تمرد فى جمع التوقيعات على إستمارتها لمهمة محددة إنتهت بانتهاء دورها، مؤشر ذلك ماحدث من إنشقاقات فى الحركة لاحقا وإعترافات البعض من مؤسسيها بدعم الأمن ما إنعكس فى مساندة الأجهزة لأحد أطرافها بل وملاحقة الخارجين عليه والقبض على أغلبهم ومن بينهم محب دوس وأحمد المصرى ومحمود السقا وخالد القاضى وغيرهم.
نأتى الى الظرف الحالى وظهور صراعات شبه علنية بين جهازى المخابرات العسكرية والمخابرات العامة (بالمناسبة فإن الصراع بين الأجهزة الأمنية قديمة متجددة وكان لذلك الصراع تجلياته سابقا بين جهاز المخابرات العامة ومباحث أمن الدولة ما كان يفسد كثير من القضايا ضد الشيوعيين)، يمكن رصد ذلك فى القرار الجمهورى أخيرا بنقل 19 من قيادات جهاز المخابرات العامة الى وظائف مدنية بعشرة وزارات حكومية خدمية مع الإعلان "غير المسبوق" عن أسمائهم بالقرار، وسبق هذا القرار عدة قرارات مماثلة بعزل ونقل قيادات هامة بالمخابرات العامة منهم رئيس الجهاز نفسه، وقد فسرت النشرة الإستخاراتية الفرنسية " إنتلجنس أون لاين" ذلك بأن المخابرات الحربية ممتعضة من تدخل المخابرات العامة فى عملياتها بسيناء، لذا فإن العمل على تفكيك بنية جهاز المخابرات قائم ومستمر حاليا لإعادة بناؤه طبقا لرؤية المخابرات العسكرية.
يبدو أن مشكلة النظام القائم هو عدم وجود حزب سياسى يشكل ظهيرا شعبيا وحكوميا له ولإحلال رجاله محل رجال مبارك بمؤسسات الدولة وعدم قدرة الأجهزة العسكرية على لعب هذا الدور البديل، لذا تنبع ضرورة وجود حزب سياسى بديلا للحزب الوطنى ومؤيدا لقرارات السيسى وتوجهاته، ولا يوجد ما يمنع أن يكون معظم قياداته من رجال مبارك والحزب الوطنى خصوصا بعد تحلل تحالف 30 يونيو بما فيهم جبهة الإنقاذ بقيادة البرادعى وتفكك حركة تمرد، إن ما نجح فيه النظام حتى الآن " رغم تكلفته الكبيرة" هو مصادرة الفضاء العام لصالحه وإعادة تدوير قوى النظام القديم فى عملية تشبه ما قام به السادات فى 15 مايو ضد رجال عبد الناصر.
المظهر العام للصراع الآن بين رجال الأعمال " ممثلى الرأسمالية المحلية" وبين نظام السيسى فى محاولة لتكسيرعظام بين الطرفين، ظهر ذلك منذ إعلان السيسى عن صندوق "تحيا مصر" ودعوته لرجال الأعمال بالتبرع له من أجل إنقاذ الإقتصاد المصرى وإعلانه رغبته فى الحصول على 100 مليار جنيه ولكن ما تم تحصيله عدة مليارات فقط معظمها جاء نتيجة ضغوط من الدولة والرغبة فى إسترضاء النظام للحصول على مكاسب أكثر والتأثير على القرار الإقتصادى ورغبة رجال الأعمال فى العودة لنظام مبارك وسيطرتهم المطلقة على إقتصاد مصر فيما عرف آنذاك بزواج رأس المال والسلطة، ولعل إمتلاك رجال الأعمال لوسائل الإعلام المرئية والمقروءة وبداية الهجمة الصريحة على نظام السيسى وتحول كثير من أشهر مذيعى تلك القنوات من الموالاة الى الهجوم بشكل غير مبرر أو منطقى يفسر ذلك، وفى المقابل يأتى التضييق على تلك القنوات وإعلان الغضب عليها أكثر من مرة مؤشرا الى إستمرار لعبة القط والفار وشد الحبل تلك.
إن الجدال والإحتقان القائم حول تقرير رئيس الجهاز المركزى للمحاسبات عن الفساد فى أجهزة الدولة يمكن وضعه بسهولة فى خانة ذلك الصراع القائم، رغم أن المستشار جنينه تحدث فى التقرير عن تكلفة الفساد وليس حجمه "وهو فى ظنى أكثر بكثير مما ذكر إذا إعتبرنا أن تكلفة الفساد تشمل صور أخرى متعددة كالإهمال والتقاعس" ، وبالرغم من تجاوز الرجل فى الإعلان عن التقرير لوسائل الإعلاام مباشرة " وهودليل عل حدة الصراع وتجاوزه لمقتضيات الأصول المتعارف عليها" وكم الأخطاء الواردة بالتقرير وإصرار جنينه فى حواره مع الشروق على مواقفه وتوجيهه الإتهام مباشرة الى الأجهزة السيادية بالدولة وخصوصا الأمنية منها وإتهامه لأجهزة رقابية بأنها شريكة فى الفساد وتوجيهه الإتهام صراحة لجهاز القضاء والنيابة العامة، ولكن ما زاد الإحتقان هو صدورالتقرير فى توقيت حرج قبل 25 يناير وإعتباره بمثابة صب الزيت على النار وتعكس ردود الفعل المبالغ فيها كثيرا هذا الإنزعاج ووصل الأمر ليس الى الإطاحة برئيس الجهاز أو محاكمته فقط ولكنها محاولة لنسف التقرير من أساسه فى جوقة من أعضاء مجلس النواب ومنسوبى الإعلام المحسوبين على النظام، ومن الواضح أن أهم ما يشغل النظام ليس الأزمة الإقتصادية الطاحنة ولا حجم الفساد ولكن أكثر ما يخشاه هو حدوث إحتجاجات واسعة ضد الحكم القائم والخوف من خطر مواجهة تلك الإحتجاجات.
إن مالا يستطيع النظام القائم القيام به هو إنعاش صورة الهامش الديموقراطى ولو شكلانيا لأن ذلك يمكن أن يرتد عليه بما يخرج عن حدود سيطرته ولا يملك الاّ الإستمرار فى سياسته المعادية للحريات وحقوق الإنسان والعدالة الإجتماعية، والصراع ما زال محتدم فى إنتظار القادم.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حلقة نار من تحدي الثقة مع مريانا غريب ????


.. الجيش الروسي يستهدف تجمعات للقوات الأوكرانية داخل خنادقها #س




.. الطفل هيثم من غزة يتمنى رجوع ذراعه التي بترها الاحتلال


.. بالخريطة التفاعلية.. القسام تقصف مقر قيادة للجيش الإسرائيلي




.. القصف الإسرائيلي المتواصل يدمر ملامح حي الزيتون