الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الشعر خلال العشرة ايام التي مرت/الشعراء حسين القاصد و عائدة الربيعي وعلي لفتة سعيدأنموذجا

وجدان عبدالعزيز

2016 / 1 / 17
الادب والفن


ما لفت انتباهي خلال مرور عشرة عاشوراء علينا في هذه السنة، هو كثرة ماكتب عنها استثمارا انسانيا يداعب خلجاتنا في لملمة جهودنا ورفض كل ماهو قبيح، يحاول ان يلتف على عراقنا الابي وجعل مسيرته تبطيء في هودج التغيير بعد الدكتاتورية .. وقبلها حاولت الطواف بروضة جهادية الحسين قائلا: لابد لي أن أتعطر بقول الرحمن حينما يقول تعالى : (أيها الناس قد جاءكم برهان من ربكم وأنزلنا إليكم نورا مبينا . فأما الذين آمنوا بالله واعتصموا به فسيدخلهم في رحمة منه وفضل ويهديهم إليه صراطا مستيقما) .
وهذا القول المقدس يصدق تماما على يقينية الحسين بالإيمان والاستغراق في معانيه ، فهو تربى بروضة النبي وشب ونهض على الحب والإباء بين عائلة نبوية شريفة ، قلوبهم شفافة وعقولهم موزونة يكرهون الظلم ويعادون شذاذه ، وهم مشاريع دائمة لرفد الإنسانية بأعلى أخلاقية سامية مقتبسة من روضة الإيمان ، يقينهم، يقين ثابت وان وليهم الله (إن الله ولي الذين آمنوا) . من هذا المنطلق نستثمر موقف الحسين الثابت في أدراك كنه الحسين، وكنه نهضته وبالتالي استثمارها في بناء المواقف الانسانية وبناء الاوطان وبناء الانسان ومن رموز ثورة الحسين الكبيرة العباس العظيم والعقيلة زينب .وما لفت نظري حضور الشعر بقصيدة للشاعر حسين القاصد بعنوان (سادن الماء)، والتي رسم فيها رسومات لماحة، تركت الباب مفتوحا في إثراءها بكلام مسكوت عنه، وبتأكيدات لفظية، والتوكيد اللفظي : هو أسلوبٌ ُلغويٌّ تُستعملُ فيه ألفاظٌ مخصوصةٌ من أَجلِ تثبيتِ معنىَ معينٍ في نفس السامع أو القارئ ، وإزالةِ ما يساورهُ من شكوكٍ حَوَلهُ.يقول الشاعر القاصد :

(بدأتْ وكان الموتُ إلفـَك
ومضت
وظلَّ الموتُ خلفك
ونزفتَ ثم نزفتَ ثـم
نزفتَ ثم.... فكنتَ نزفـك
يكفيك أن حملوا السيوف ليقتلوك
فكنتَ سيفــَك
هل كنتَ نزفكَ؟
كنتَ سيفكَ؟
كنتَ انتَ؟
وكنتَ
وصْفـَك
النهرُ جرفكَ وهو كفكَ ... كيف كفكَ صار
جرفـك)

واذا ادركنا بوعي ما المقصود بـ"كنت سيفك""نزفك""وصفك"و"النهرجرفك" .. والحقيقة التي لامناص منها، فان هذه الكلمات تبث معنى واحد، وهو صدق روحية العباس وانسانيته كون العباس لم يكن انسانا عاديا، بل الروايات تؤكد انه كان فقيها عالما وبطلا شجاعا، وهنا قرن الشاعر انسانية البطل بسيفه وكان كما هو وصفه، وان كف العباس التي حاولت لي الظلم اصبحت شاطيء للنهر، أي بمعنى تحولت من سيل الدماء بالقطع الى نماء واستمرار حياتي، أي تحولت من يد ماسكة للسيف الذي يدافع عن الحق، وحينما سُلبت هذا الحق، تحولت الى مكان لاحتضان الماء، كون الماء شريان لكل الكائنات في الكون .. أي بدالة الحق والصدق التي يحملها العباس، تحولت كفه من مكان للسيف الى مكان للماء وبقيت حية الى ما شاء الله، أي مادام الماء باقيا فكف العباس باقية، يقول الناقد عبد العزيز ابراهيم : (وامام هذه الشراكة الحداثوية يتوزع المؤلف والمتلقي الى مدرجين: الاول قدرة المؤلف على الابتكار والثاني قابلية القاريء على خلق المعنى او ما نسميه الاسترداد)ص103 استرداد المعنى، وهكذا عشت جماليات المعاني المستردة من قصيدة (سادن الماء)، اما الشاعرة عائدة الربيعي قد استثمرت مواقف زينب في قصيدتها (صرخة زينب الثانية)، وكمتلقي اشارك الشاعرة بوجود اكثر من صرخة لزينب خلال ثورة الحسين، ثم انها عايشت حالة الكفين القطعيين، وكأنها تعيش قصيدة القاصد (سادن الماء)، تقول الشاعرة الربيعي :

(من شدة البأس،
راحت إلى الكفين القطيعين،
وناحت، والميدان يلتهب
ينهض الرأس ثانية
:
“زينب أخيّ .. لاتشقي جيبا “
والكف في حسرتهِ صريعٌ يئن ينتحب .
تنادي:
“أن كان هذا يرضيك فخذ ربي حتى ترضى”
جاء الأذان : هل اعتدل الميزان؟
راحت إلى الكفين القطيعين،
وناحت،
و الرأس في الطشت يغرق
ويزيد في الخمر يغرق .
مكائد الذئاب ..
آهٍ..
تستفيق
فيستفيق عَطِش الشفاه،)

وظلت زينب الانسانة تحمل عاطفة الحزن باتزان وعقلانية قل مثيلها، فالمصيبة الكبيرة كفيلة بتضعضع صاحبها وضعفه، ولكن من مواقف زينب في الكوفة، عندما أدخلوا السبايا على ابن زياد كان يعلم اللعين أن السيدة زينب موجودة مع النساء، فأراد إذلالها في مجلسه وأمام الملأ، فالتفت نحوها قائلاً: من هذه الجالسة؟.فلم تجبه استهانة به واحتقاراً لشأنه، وأعاد السؤال، عندها قامت إحدى السبايا وقالت له: هذه زينب ابنة فاطمة بنت رسول الله.عندها انفعل من ترفّع السيدة زينب عن إجابته واندفع يخاطبها غاضباً متشمتاً: الحمد لله الذي فضحكم وقتلكم وأكذب أحدوثتكم.هنا برزت السيدة زينب مع أنها كانت تحبذ التسامي والتعالي على مخاطبة ابن زياد، إلا أن الموقف كان يتطلب منها ممارسة دورها الرسالي في الدفاع عن ثورة أخيها الحسين، وأيضاً تمزيق هالة السلطة والقوة التي أحاط بها ابن زياد نفسه لذلك بادرت إلى الرد عليه قائلة:(الحمد لله الذي أكرمنا بنبيه محمد (ص) وطهرنا من الرجس تطهيراً إنما يفتضح الفاسق ويكذب الفاجر، وهو غيرنا يا ابن مرجانة.. ).لقد هزت كيان ابن زياد بهذا الرد الشجاع القوي مع أنها تمر بأفظع مأساة وأسوأ حال، فأراد ابن زياد أن يتشف بها فقال لها: كيف رأيت صنع الله بأهل بيتك؟.لكن العقيلة زينب أفشلت محاولته وانطلقت تجيبه بكل بسالة وصمود:(ما رأيت إلا جميلاً، هؤلاء قوم كتب الله عليهم القتل فبرزوا إلى مضاجعهم وسيجمع الله بينك وبينهم فتحاج وتخاصم، فانظر لمن الفلاح يومئذٍ ثكلتك أمك يا ابن مرجانة!! ).هكذا بهدوء الواثق من نفسه، خاطبت عدوها، محافظة على كل تربيتها واخلاقها، وهنا استثمرت الشاعرة الربيعي مواقف زينب بالالتزام الاخلاقي والتربوي، وانها لم تشق زيجا، انما عبرت بالالتزام كما قلنا، بينما الكاتب علي لفتة سعيد، استثمر مخاوفه في افتقاد معاني ثورة الحسين، بعلة استخدام المظاهر دون الجواهر، أي المداهنة بين حقيقة حب الحسين وبين من يحاول حب الحسين، ومضامين كهذه نحتاج لصقلها والنزول بالاعماق، لترتوي من ينبوع ثورة الحسين الثرة، ويكون خلودها في استثمارها الانساني لا في تحويلها الى شعائر فقط .. لذا يقول علي لفتة سعيد في قصيدته (وما حملناك باحثين) مهداة الى الحسين "ع" :

(لا يسْرقُ التّاريخُ سوى حكْمتكَ ومعْناها
ولا يمْنحنا إلا صوت اللّسانِ ولون الدّموعِ
سيفرُّ بنا الماء
لمْ نُبسْمل حين شربْناه
وانْتبذْنا مكانًا نصْرخُ فيه
وشموعنا لا تُضيء سوى السّواد

أخاف عليْكَ منّا
وما في رقابنا من ديْن الثارات
أدْركُ أنّكَ في المطرِ لا في العويل
أدركُ أنّكَ النور لا في الزّجاج
أدركُ أنّ كفّك سقْفُ اليتامى
تصنعُ مظلةٌ أو تمْسحُ الماءَ عن الرّؤوس

خُذْ منّا ما تراهُ
سراجكَ المفْتون
يضيءُ زجاجةَ المعْرفةِ
لا يُثلمُ السّيْف المرْفوع فوقَ خشب الرّاياتِ
دعْ عنْكَ طبول الصّراخ
لن نكون مثْلكَ وإن حملْناك مواكبَ
فكلّ يدٍ تبْحثُ عنْ جيْبٍ وتخْلعُ محابسها لتتختّمَ بالصّدورِ
وما خرجنا إليْكَ سوى بطرًا
ووحْدكَ من تحْمل الفعْل)

وحاول الكاتب سعيد ان يعيش الحسين مطرا ونورا لا طبول صراخ وعويل فقط ... لأن أيمان الحسين الثابت بالله وبالرسول عبر عنه بالثبات والوقوف في ساحة الشهادة، بعد أن أفرغ أعدائه بكل الوسائل الحكيمة في الكف عن الحرب ، قال الحسين العظيم مخاطبا القوم : ( أني لم أخرج أشرا ولا بطرا ولا ظالما ولا مفسدا ) وأيضا ( ألا ترى لهذا الدين لا يعمل به والمنكر لا يتناهى عنه وأن الدين لعق على ألسنتهم يحوطونه ما درت معايشهم فإذا محصوا بالبلاء قل الديانون ) . إذن حينما نربط مقدمة ما قلناه مع هذا الخطاب الواضح الفحوى نجني من ربحية استشهاد الحسين الخالد كما جناه غيرنا في الإستثمار بدليل قول الحسين : ( خرجت لطلب الإصلاح ) ، فالعظماء لا يخرجون من دائرة معارف الإنسانية، لأنهم صالحون يطلبون الإصلاح ، فيخلدون . ويأتي الابداع الانساني المتمثل بالشعر، كي يساهم في تثبيت هذا الخلود ..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ذكريات يسرا في مهرجان كان السينمائي • فرانس 24 / FRANCE 24


.. الفنان السعودي سعد خضر لـ صباح العربية: الصور المنتشرة في ال




.. الفنان السعودي سعد خضر يكشف لـ صباح العربية سبب اختفائه عن ا


.. الفنان السعودي سعد خضر يرد على شائعة وفاته: مزعجة ونسأل الله




.. مهرجان كان السينمائي : فيلم -البحر البعيد- للمخرج المغربي سع