الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الأمازيغية المُرَسَّمَة وسؤال تأجيل تفعيل قوانينها التنظيمية

الحسين أيت باحسين

2016 / 1 / 18
مواضيع وابحاث سياسية


لقد قامت الحركة الثقافية الأمازيغية منذ ما يقرب من نصف قرن، في خطابها وفي مختلف أنشطتها، على ربط السلم الاجتماعي بالأمن الثقافي؛ رافعة مجموعة من الشعارات التي دعت إلى اعتبار القضية الأمازيغية قضية كل المغاربة تحت شعار: "الأمازيغية مسؤولية وطنية"، كما أكدت منذ بداية التمانينيات على وحدة المغرب في تنوعه برفعها شعار: "الوحدة في التنوع". ومنذ بداية التسعينيات طالبت بترسيم الأمازيغية تحت شعار: "لا ديمقراطية بدون أمازيغية".
ونظرا لمشروعية المطلب فقد انخرطت كل القوى الديمقراطية في دعم هذه المطالبة واستجابت الدولة جزئيا للمطلب منذ أواسط التسعينيات في خطاب 1994، وعادت لتتخذ إجراء فعليا في الاعتراف الرسمي للدولة بالأمازيغية في خطاب العرش لسنة 2001 وخطاب أجدير وتأسيس المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية من نفس السنة من خلال تأسيس تصور جديد بخصوص الهوية المغربية.
وفي خضم الأحداث الاجتماعية والسياسية التي عرفتها منطقة شمال إفريقيا والشرق الأوسط ومطالب حركة 20 فبراير المغربية وخطاب 9 مارس 2011 للملك محمد السادس الداعي إلى "إجراء تعديل دستور شامل، يستند على سبعة مرتكزات أساسية؛ (يشكل فيها) التكريس الدستوري للطابع التعددي للهوية المغربية الموحدة، الغنية بتنوع روافدها، وفي صلبها الأمازيغية، رصيدا لجميع المغاربة (المرتكز الأساسي الأول)". بعد هذا كله تمت الاستجابة لمطالب الحركة الثقافية الأمازيغية بترسيم الأمازيغية في الدستور، لكن هذا الترسيم أصبح مشروطا ومقيدا بتفعيل قوانين تنظيمية.
وبالرغم من أن مجموعة من الخطابات الملكية لافتتاح الدورات الخريفية للبرلمان بغرفتيه تدعو إلى اعتبار القانون التنظيمي الخاص بتفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية من بين القوانين الأولى التي ينبغي تنزيلها؛ وبالرغم من أن التصريح الحكومي نص، منذ بداية تنصيبها، على أن هذا القانون سيكون من بين القوانين التنظيمية التي سيتم تنزيلها؛ فلا شيء من ذلك قد ثم بالرغم من أن ولاية الحكومة الحالية قد أشرفت على النهاية ولم يبق من عمرها إلا بضعة أشهر. بل إن الأدهى من ذلك قد تم تنزيل قوانين تنظيمية، وأُحدثت مؤسسات دستورية جديدة يُفترض أن تأخذ، في هذا التنزيل، تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية، وأدهي من ذلك البدء بتنزيل القانون التنظيمي للمجلس الوطني للغات والثقافة المغربية قبل تحديد الطابع الرسمي للأمازيغية في مختلف مؤسسات الدولة وفي مجالات الحياة العامة !
لقد قيل الكثير، علنيا وفي الكوالس، عن الصيغة الأصلية للجنة تعديل الدستور التي نصت على أن "اللغة العربية واللغة الأمازيغية لغتان رسميتان للمغرب"، وعن الصيغة النهائية التي أصبحت فيها اللغة الأمازيغية مشروطة ومقيدة بقوانين تنظيمية. لكن بعد التصويت والموافقة على نص الدستور في صيغته النهائية، فإن اللعبة الديمقراطية تحيلنا، من جديد، على قواعد جديدة لتنزيل هذه القوانين التنظيمية، خاصة بعد ما لاحظه الجميع من تماطل وتقاعس واضحين في التنزيل الديمقراطي لنص دستوري يهم إحدى القضايا الأساسية لمسار البناء الديمقراطي والحقوقي للمغرب.
إن هذا المسار الذي قطعه مطلب ترسيم الأمازيغية؛ الذي انخرط فيه الجميع في الأخير واستلزمته مختلف الأوراش التي انخرط فيها المغرب وطنيا ودوليا؛ يستدعي ويستلزم الحذر من أي مخطط يمس بالمكتسبات التي أحرزها الحراك الأمازيغي والحقوقي الوطني وكذا توصيات المنظمات الدولية المعنية بالحقوق الإنسانية عامة وبالحقوق اللغوية والثقافية خاصة، والداعية إلى السلم الاجتماعي والأمن الثقافي. كما ينبغي أيضا التقيد بروح مبادئ الدستور في كل ما يتعلق بتفعيل القوانين التنظيمية الخاصة بالأمازيغية التي أقرها دستور 2011 لغة رسمية للبلاد ونص أيضا في ديباجته وفي فصله الخامس على أبعادها الثقافية والهوياتية والحضارية، وذلك دون إغفال مبدأ إشراك المجتمع المدني، الذي تم التأكيد عليه دستوريا في كل ما يتعلق بتنزيل الدستور.
وأخيرا، وليس آخرا، فإن الدستور؛ من خلال قراءته قراءة دستورية؛ واضح من حيث المسؤولية الدستورية في تنزيل القوانين التنظيمية وفي المسار الذي ينبغي اتباعه في ذلك بالنسبة للمؤسسات الدستورية (المؤسسة الملكية، المؤسسة التشريعية، المؤسسة التنفيذية والمجتمع المدني). وتبقى الأسئلة الملحة:
- لماذا أُجِّلَ تفعيل الطابع الرسمي بالنسبة لمختلف القوانين التنظيمية التي تم تنزيلها بالرغم من أن هذه الأخيرة يستلزم تنزيلها تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية؟
- هل يستقيم تنزيل القانون التنظيمي الخاص بالمجلس الوطني للغات والثقافة المغربية قبل تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية في مختلف مؤسسات الدولة وفي الحياة العامة؟
- ما الهدف من وضع مجموعة من الاستراتيجيات القريبة أو المتوسط أو البعيد المدى (كما هو الشأن في المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي، ووزارة التربية الوطنية والتكوين المهني، ووزارة الثقافة على سبيل المثال) المتعلقة بقضايا اللغة والتعليم والتربية والثقافة والهوية بالمغرب، قبل تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية وتنزيل القانون التنظيمي الخاص بالمجلس الوطني للغات والثقافة المغربية؟
- هل ستتم مراجعة تفعيل مختلف القوانين التنظيمية التي تم تنزيلها وكذا مختلف الاستراتيجيات التي تم وضعها بعد تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية وتنزيل القانون التنظيمي الخاص بالمجلس الوطني للغات والثقافة المغربية، خاصة في حالة وجود مفارقات في تفعيل وتنزيل كل منهما؟
- وهل سيتم "وأد" كل المكتسبات التي تحققت للأمازيغية منذ نصف قرن (خمسون سنة) من نضال الحركة الأمازيغية والمجتمع المدني والقوى الديمقراطية؛ ومنذ خمسة عشر سنة من الاعتراف الرسمي للدولة بالأمازيغية وإحداث مؤسسة رسمية تعنى بها لغة وثقافة وحضارة وتهييئا لها لكي تقوم بمهمتها الموكولة لها مستقبلا ثقافيا وسياسيا وتنمويا وحضارة؛ ومنذ خمسة سنوات من ترسيمها في الدستور؟

الحسين أيت باحسين
باحث في الثقافة الأمازيغية








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إيران: أسطول جوي قديم ومتهالك؟.. تفاصيل عن مروحية الرئيس رئي


.. الصور الأخيرة للرئيس الإيراني رئيسي قبل تحطم مروحيته وموته




.. الحرب في غزة: هل من تأثير على قطاع السياحة في مصر؟ • فرانس 2


.. تساؤلات في إيران عن أسباب تحطم مروحية الرئيس من بين 3 مروحيا




.. سيناريوهات وأسباب محتملة في تحطم مروحية الرئيس الإيراني؟