الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


((حسين مروّة و منهجية النقد الأدبي ))

عمار عكاش

2005 / 11 / 10
الادب والفن


لعل أهم ما يميز الناقد الكبير الشهيد حسين مروة في تعامله مع الأدب نقدياً ، هو خروجه من إسار النقد التأثّري استـناداً إلى فكرة مفادها أن مثـل هذا النقد يستند في تعامله مع النص الأدبي إلى معايير فردية تتعلق بالتكوين النفسي للفرد مما يجعله ذاتياً ، و الذاتية في النقد وفقاً للفكر الماركسي مسألة قابلة لأن تجعل النقد يقف خارج إطار الشرط الموضوعي و التاريخي ، فيتجوْهَر و يحلِّق في سماء الميتافيزيقا بعيداً عن الواقعي و العياني ، و من هنا فإن حسين مروّة يعلن صراحةً رفضه النقد السائد في لبنان و الوطن العربي على اعتبار أنه نقد فاقد إلى معايير واضحة تكون أساس التعامل مع النص الأدبي ، و بذلك يؤسس لمسألة النقد المنهجي المستـند إلى معايير واضحة و منجزة ، و هذا ما يبدو من عنوان كتابه الشهير : (( دراسات نقدية في ضوء المنهج الواقعي )) .
ينطلق حسين مروّة في نقده من مسألة أساسية و هي أن الأدب و إن كان لوناً فنياً ، فهو بشكل ما يبحث عن الحقيقة ، و بطريقة أو بأخرى يقترح حلولاً للخلاص من مجمل المشاكل الاجتماعية ، لذا نجده يركز كثيراً على بيئة الأديب و ظروف الكتابة و مدى ارتباط المضمون بمشاكل المجتمع و روح العصر ، و نجده متقبلاً ذاتية الأديب طالما أنها مهما كانت استطالة أو فرع لما هو اجتماعي و عام ، و إن كان شأنه شأن النقد الماركسي الكلاسيكي يربطها دوماً بالصراع الأساسي بين قوى التقدم الاشتراكية و قوى رأس المال الرجعية بشكل اعتباطي و تلفيقي في كثير من الأحيان .
و يقرّ مروّة للشعر و الأدب بوظيفة إعادة صياغة العالم ، و ممارسة فعل الخلق و الإحياء الحضاري و البعث لا سيما في مجتمعات تعاني التأخر و الفوات مثل مجتمعاتـنا ، لكن ما يمكن أن يشكل مأخذاً مهماً على مروّة هي مسألة إهماله للناحية الشكلانية و الألسنية ربما لجهله بها ، أو انطلاقاً من مرجعية إيديولوجية تقول بأسبقية المضمون على الشكل مما يقتضي تحليل الأول و إهمال الثاني ، فكان يكتفي بعبارات عمومية من قبيل (( الشكل حديث مواكب لضرورة تطوير الشكل ... الشكل مناسب للمضمون .....
إلا أن هناك كثيراً من المسائل التي استوعبها على خلاف ماركسيّي عصره ، مثل تعدد ألوان التعبير عن الواقع من خلال الفن حيث يقول : (( بما أن عالمنا لم يصبح بعد اشتراكياً و بما أن الوعي انعكاس للواقع الموضوعي فإن محاولة تعميم مذهب الواقعية الاشتراكية على الجميع أمر غير منطقي )) ، لذلك فهو يقرّ للشاعر باختيار الطريقة التي تـناسبه في التعبير رافضاً نزعة التبسيط باسم شعبية الفن ، و دوره في التوعية .
و الأهم من كل ما سبق تأسيس حسين مروّة نقدياً لمسألة المزاوجة بين الشعر و الفلسفة ( كما يبدو من نقده للشاعر الوجودي خليل حاوي ) ، و ضرورة تصدي الأدب للإشكاليات الفلسفية الكبرى ( الموت ، الله ، العدالة ، الوجود ، العدم ، الخير ، الشر .... ) لأن هذه الإشكاليات هي حـقيقةً أهم ما يثير القلق الوجودي لدى الإنسان ، و بالتالي فهي إشكاليات واقعية و ليست ميتاقيزيقية أو تخصصيّة لا تمس عامة الناس ، كما يُقدَّر عالياً لحسين مروة محاولته دوماً رصد الإيجابي و السلبي لدى كل أديب تـناوله ، و بهذا يمكن أن نصف نقده بالنزاهة و الموضوعية ، و ذلك على خلاف ما كان سائداً في زمانه من قبل النُقّاد الذين كانوا يمارسون النقد بالبلدوزر هدماً أو بناءً ، نظراً لارتباط معظم النقاد بتيارات سياسية تولّوا سحب إيديولوجياتها على الأدب ، و طبعاً هذا الانتماء السياسي للناقد أمر مشروع بل و إيجابي كون الأحزاب السياسية أرقى الأشكال المؤسسية المدنية للتعبير عن موقف الإنسان من مجمل القضايا الاجتماعية ، إلا أنه في مجتمع متخلف ما زال يعيش بعقلية القرون الوسطى حيث الوعي الديني يشكل القسم الأكبر من مخزون الوعي الجمعي لدى الإنسان ، تتلوّن أشكال التفكير بين ( ماركسية و علمانية و قومية و إسلامية و حداثيّة ) تختلف فيما بينها لكنها تـشترك باحتكار الحقيقة ، و ترى العالم من خلال فكر مَثْـنوي يتمحور ما بين ( الإيجابي بالمطلق أو السلبي بالمطلق – الخيِّر بالمطلق أو الشرير بالمطلق )، و من هنا فإن حسين مروّة يعد متجاوزاً للوعي التقليدي في نقده و هذه ميزة هامة جداً إذْ أنه من أصعب الأمور التي تجابه المثـقف هي تجاوزه الوعي السائد في مجتمعه ، و تمثله بشكل حقيقي في كتاباته و في نقده التي تشكل الجانب العملي الذي يظهر مدى تشربه للوعي الحَداثي بشكل حقيقي .
أخيراً نوجز ما أوردناه من ملاحظات صغيرة عن الشهيد حسين مروة - الذي سيبقى بحق قامةً سامقة في فضاء النقد الأدبي – فيما يلي :
1 – رغم استـناد مروّة إلى مرجعية إيديولوجية تحوّلت في عصره إلى ما يشبه اللاهوت لا سيما في الوطن العربي ، إلا أنه حافظ على موضوعية و رصانة متميزتين في النقد ، و بقدرة متميزة على تقبل كافة أطياف الأدب ، و تيارات النقد ، و وضعها تحت مبضع النقد و التحليل ، و بذلك تحولتْ الإيديولوجية لديه إلى رؤية و موقف من العالم ، و ليس إلى لاهوت يُقوْلِب العالم كما يريد أن يراه .
2 – محاولته مَنْهجة النقد ، و تأكيده على ضرورة صياغة معايير عامة و مفاهيم عامة نقدية ، تساعد النقد في الخروج من العفوية و التأثرية و الذاتية إلى ما يشبه العلم من حيث الحيادية و الموضوعية ، و إن كانت هاتين الصفتين نسبيّـتين جداً فيما يتعلق بالتعامل مع الفنون بكافة ألوانها و أشكالها .
3 – اتسام نقد مروة بتاريخيّة عميقة متميزة بدتْ من خلال ربطه كل مفاصل النص الأدبي بحركة المجتمع و شروطه و ظروفه و روح العصر إضافةً إلى تفهمه المتميز لخصوصية الأديب الذاتية بل و احترامه هذه الخصوصية و دفاعه عنها .
أخيراً تحية من القلب إلى حسين مروة الذي سبق عصره و دفع حياته ثمناً لألقه الفكري ، و دعوة إلى أبناء تياره الذين باتوا يحلِّقون في عوالمهم الخاصة بعيداً عن مشاكل مجتمعهم و عصرهم ، إلى تمثّله (( فالصوت إن لم يلق أذناً ضاع في صمت الأفق )) على حد تعبير الشاعر أحمد عبد المعطي حجازي .

عمار عكاش – حلب [email protected]
تعريف بالكاتب :
عمار خليل عكاش من مواليد حلب 1981 ، طالب في قسم علم الاجتماع في جامعة حلب ، مهتم بالنقد الأدبي و الاجتماعي ، منتمي فكرياً إلى التيار اليساري .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. شاهد .. حفل توزيع جوائز مهرجان الإسكندرية السينمائي


.. ليه أم كلثوم ماعملتش أغنية بعد نصر أكتوبر؟..المؤرخ الفني/ مح




.. اتكلم عربي.. إزاي أحفز ابنى لتعلم اللغة العربية لو في مدرسة


.. الفنان أحمد شاكر: كنت مديرا للمسرح القومى فكانت النتيجة .. إ




.. حب الفنان الفلسطيني كامل الباشا للسينما المصرية.. ورأيه في أ