الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الحمد لله الذي لا يحمد على مكروه سواه

جعفر المظفر

2016 / 1 / 19
الصحة والسلامة الجسدية والنفسية


الحمد لله الذي لا يحمد على مكروه سواه
جعفر المظفر
قاعدة الأمراض النفسية في أمريكا واسعة وشاسعة ومتفرعة ومزهرة ومزدهرة, وأطباء النفس هنا يتقدمون على غيرهم في مستوى الدخل اليومي رغم أنهم معرضون للإصابة بالمرض عن طريق العدوى لعمق ما ينفعلون به ويتفاعلون معه أثناء جلسات الإستماع !. هذه القاعدة الواسعة من الأمراض النفسية هي أيضا واسعة في بلدان الغرب الأخرى, وأعلم أن لها أسبابا مركبة يقف في مقدمتها مستوى الرفاهية التي قد تجعل المرء غضا وسهلا على الكسر, وأظن أن امريكا ما زالت تتقدم الصفوف لأن طبيعة الحياة السريعة فيها لم تفرز بعد الإستقرار القيمي المطلوب لتهدئة لعبة الحياة, أما الدول الباردة جدا فيقال أن نسبة الإنتحار فيها عالية بسبب البرد والثلوج التي تعيق الحركة وتضيق فرص تصريف الطاقة النفسية المتراكمة التي ينفجر بعضها لأنه لا يجد له مكانا في مخزن الروح.
وتشير الدراسات إلى أن اكثرتلك الأمراض إنتشارا هو مرض الكآبة بنسبة تصل إلى 7% من السكان. وفي دراسات على مجموعات محددة من السكان في السويد فقد تبينت اصابتهم بتلك الأمراض بنسبة 11 الى 15 في المائة, وهي نسبة ربما اجدها مبالغة, مع أن إختصارها إلى النصف سوف لن يغير من حقائق المشهد المثير.
ولإنخفاض نسبة الإصابة بها في مجتمعاتنا أسباب أهمها أن مجتمعاتنا غالبا ما تضع المريض النفسي في خانة الجنون, إضافة إلى العزوف الذي يبديه المريض وأهله عن الإعتراف بالمرض ومراجعة الطبيب خشية من إستخفاف المجتمع به وسخريته منه. غير أن أهم اسباب إنخفاض نسبة المرض في المجتمعات غير المستقرة, , وخاصة تلك التي تعاني من المواجهات اليومية الدموية, ومنها مجتمعنا العراقي, هو طغيان وعنفوان الخسائر المجتمعية الواسعة والشاملة التي تضيق كثيرا من رقعة الشكوى الشخصية وتجعل أمرها هينا مثلما تجعل تأثيراتها سهلة ومحتملة وذلك على طريقة حشرٌ مع الناس عيد, أو بسبب ان غير الطبيعي يتحول, لِسِعَتة إنتشاره ولكثافة تواجده, إلى حالة طبيعية, إذ غالبا ما تنعدم الشكوى الشخصية لسبب دوام النعمة وسِعَتها.
في البسيتين, يوم كانت الحرب مع إيران على أشدها, أُرسلنا إلى الجبهة في أحد قواطع الجيش الشعبي ولم يكن بيننا وبين الإيرانيين أكثر من أربعمائة متر. معنى ذلك أننا كنا نعاني من إستحالة وصول الأرزاق وكان علينا أن نعيش في البداية على المعلبات التي تزودنا بها قبل تحركنا بإتجاه موقعنا الجديد. أما الماء فقد كنا نحصل عليه من الآبار التي كنا نحفرها حال الوصول إلى مواضعنا التي أعدها الجيش لنا وقد كانت عبارة عن حفر ضيقة تحت الأرض حيث الجرذان أفضل ساكنيها سلاما وأمنا ومحبة.
من بين اكثر ما أذكره فائدة وشفاء للروح إنني صرت حتى هذه اللحظة أحسد حالي حينما أفتح الثلاجة لأروي ظمئي بقدح من الماء البارد الصافي والخالي من المنغصات, ففي الآبار التي كنا نحفرها لغرض شرب المياه كانت الحشرات بكل أنواعها والزواحف بكل أجناسها, ما عدا التماسيح, سرعان ما تغطي صفحة الماء لتجعل منظره آخاذا ورائحته معطره وسيله سلسبيلا ومذاقه ولا في الأحلام, وصار قدح الماء الصافي بعدها رمزا لحياة خالية من العقد وعاملا مهما في مجابهة كثير من منغصات الحياة وجعلها معقولة ومقبولة وسهلة على الهضم والمذاق.
واليوم فإن ملايين العراقيين المحاصرين أو الأسرى لدى داعش, أو المهجرين في خيام الجوع والمرض, او الخائفين في الشوارع وحتى داخل البيوت من عصابات الخطف وقمع الميليشيات, وأمثالهم من السوريين الذي وضع الربيع العربي في يد كل واحد منهم شدة ورد وباقة من الأحلام المعطرة, هؤلاء هم اليوم غير معرضين للإصابة بالأمراض النفسية بسبب أنهم باتوا غير مؤهلين للتعرف على أمراض النعمة هذه بعد ان اشبعهم الدهر ضربا مبرحا تحت الحزام, بحيث صار حصولهم على قدح الماء الصافي ولقمة الغذاء الهنية كفيل بترديدهم لمقولة الحمد لله الذي لا يحمد على مكروه سواه, جيث راحوا يعالجون أمراضهم النفسية بالطب الشعبي. ولربما أن المآسي صارت أسرع من أن تترك لهم فرصة إلتقاط الأنفاس للتعرف على أمراض الرفاهية الأوروبية والأمريكية.
لو أن المجتمعات الأوروبية عادت بذاكرتها إلى تلك الأيام الخوالي, لا أرجعها الله عليها, والمليئة بالخوف من القصف والعصف وضياع النعمة لتراجع فيها الشعور بالكآبة ولصارت مثلنا تنشرح أمام منظر قدح من الماء الصافي ولرفعت مثلنا شعار الحمد لله الذي لا يحمد على مكروه سواه








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - الا تعتبر هذا مرض نفسي?
ملحد ( 2016 / 1 / 20 - 20:07 )

صبي يقطع يده متعمدا بعد اتهامه بالتجديف في باكستان??!!!!!!!!

http://www.bbc.com/arabic/worldnews/2016/01/160118_pakistan_boy_accused_blasphemy


2 - نعم هو مرض
جعفر المظفر ( 2016 / 1 / 20 - 21:33 )
أنه مرض واي مرض
السؤال لماذا يده وليس لسانه أم تراه ظن أن معنى التجديف هو دفع القارب بعصا التجديف المعروفة

اخر الافلام

.. مصدر عسكري: إسرائيل تستعد لتوسيع العملية البرية جنوب لبنان


.. لماذا يحتكر حزبان فقط السلطة في أمريكا؟




.. غارة على الضاحية الجنوبية لبيروت والجيش الإسرائيلي يطلب إخلا


.. معلومات جديدة عن استهداف إسرائيل لهاشم صفي الدين




.. الحرب على لبنان | لقاء مع محمد على الحسيني