الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الوداع .... الوداع

نوري جاسم المياحي

2016 / 1 / 21
سيرة ذاتية



من المعلوم ان الانسان مهما بلغ من عمر مديد وخبرة في الحياة وحكمة يبقى رهين العواطف والمشاعر الإنسانية ...فتراه ينهار داخليا لأي صدمة عاطفية بفراق عزيز او حبيب حتى لو كان متوقعا ..ففراق الاحبة صعب .. بالرغم من كونها مواقف طبيعية وحتمية في حياة كل انسان صغيرا او كبيرا ..
الموت هو خاتمة حتمية لكل حي ... والعاقل هو من يتقبله بالحمد والشكر ...الموت مؤلم وقعه وخبره للأحبة أكثر من الأموات أنفسهم ...فكم من عزيز ...نتمنى حبا له الموت ففي الموت له خلاص من عذابات المرض والامه ...وكم من طاعن في السن عاجز عن الحركة يتمنى الموت للخلاص من ذلة النوم في الفراش ...وطلب المساعدة من الاقربين له في الاكل والشرب وقضاء الحاجتين ...
ولكن هل يتقبل الانسان المحب تلقيه ببساطة خبر وفاة من يعزه ومن يحبه ...ابدا .. لا والف لا ..
في ساعة متأخرة من ليلة الامس ..وانا مستلقيا في فراشي بين اليقظة والمنام ..نزل علي ولدي الكبير فاستغربت نزوله في تلك الساعة ...ليعلمني ان فلان اتصل به هاتفيا ...وظهر على ولدي الحزن والتردد في اخباري محتوى الاتصال ولكنني قرأت الخبر في وجهه قبل ان ينطقه... وذلك خوفا علي الانهيار ومن وقع الخبر..
عندها انا بادر بسؤاله ... هل توفيت العلوية ام زكي ؟؟؟ ...اجابني بنعم ...وغدا ستنقل الى مثواها الأخير لتدفن ...وهنا وقعت في موقف لا احسد عليه ...فام زكي هي زوجة المرحوم اخي الكبير ... وكانت دائما تردد على مسامعي ...انها هي شاركت امي في ارضاعي ...وأذكر جيدا ..عندما أصبحت يتيما بموت ابي كنت صغيرا ..ولليتم اثار نفسيه لا يعرفها الا من عاشها ...ففقدان الاب في مرحلة الطفولة لا يعوض ..
عندها تولى رعايتي اخي الكبير فأحسن تربيتي بالرغم من كونه كان قاسيا ..ولولا حزمه وقسوته لما تحملت أعباء الحياة وقساوتها ولما أصبحت رجلا لا اهاب ظروف الحياة نكباتها ..وساعدته في ذلك زوجته العلوية ام زكي فشملتني بحنانها ورعايتها ...اي لعبت دور الام الثانية في مراحل معينة من حياتي ولاسيما تلك الفترات التي عشت فيها في بيت اخي ...
وكانت امي الحقيقية او من يطلق عليها الان الام البيولوجية أيضا فريدة في طيبتها وحنانها فكانت...مدرسة كاملة بالرغم من اميتها وكانت تعلمني القيم والأخلاق والعبر بالقصص والحكايات التي ترددها باستمرار على مسامعي...وهي كثيرة لاتعد ولا تحصى ...ومن هذه الحكم والدروس قولها في الوفاء ((نغل من ينكر فضل من رباه او ساعده او علمه ..))
وهنا وعند سماعي الخبر المؤلم لم أتمكن من حبس دموعي حزنا على وفاة العزيزة ام زكي ...وانا الكبير في السن والعاجز حتى عن القيام بواجب اصطحابها في رحلة الوداع النهائية في تشيعها وتنزيلها في قبرها كما يقتضي الواجب علي ...ولا سيما وان الكثير من ابناءها وبناتها واحفادها وأطفال احفادها ونسبانها وهم كثر موزعين بعيدا في مختلف اصقاع الأرض مهاجرون ..
وكم تألمت لشعوري بعجزي وانا اكبر من بقي حيا في العائلة من ان اودع اعز انسانة في حياتي بعد امي ...هذه الانسانة التي عشت معها او قريبا منها عقودا طويلة من العمر ...تفارقني وانا عاجز عن القاء اخر تحية على جثمانها ..وفي الوداع الأخير ...
هذا الانسانة الطيبة ..الحنونة على الجميع ...التي تحملت بصبر واناة كغيرها من الأمهات العراقيات البطلات والصبورات والحنينات ..فهي في نظري كانت قديسة مجاهدة تحملت نكبات الحياة وتعاستها ....ومع هذا لا اذكر يوما انها اغضبت أحدا ...او زعلت على احد صغيرا او كبيرا ..او زعل منها احد ..
فوداعا لك يا ام زكي ...واذهبي الى ربك راضية مرضية ..وكل الكلمات التي اكتبها عاجزة عن الوفاء بحقك ...فاعذريني على تقصيري بحقك ..ولا اظن انك تلوميني فاللوم يقع على بؤس الحياة وتعاستها فليس كل ما فيها جميل وسعيد ..
انني الان كانسان حي وفي هذه اللحظات أتذكر بحزن وألم كل مواقفك النبيلة ولا اذكر يوما وانت الان في ذمة الخلود ولا تسمعين كلماتي ..انك لم تقصري معي ...والنغل من ينكر ذلك كما علموني اهلي العراقيين ...اذهبي الى خالقك وبسلام ...
وانا اعدك بانني سألحق بك ولو انني لا ادري متى ..ولكن بالتأكيد سأتبعك والحق بك وبمن احب فانا بانتظار سماع صفارة القطار ليعلن دخوله محطة الوداع الأخير في حياتي ..وعسى ان نلتقي في مكان افضل وفي زمان افضل ...ان رحمنا ربنا ...فرحمته وسعت كل شيء...
وانا لله وانا اليه راجعون ..
اللهم احفظ العراق وأهله أينما حلوا او ارتحلوا








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - تعزية
ماجدة منصور ( 2016 / 1 / 21 - 17:57 )
الرحمة و السلام لروحها الطاهرة0
احترامي و تقبل مني التعازي


2 - الرحمة لها
نيسان سمو الهوزي ( 2016 / 1 / 21 - 21:07 )
سيدي الكريم الفقدان صعب ولكنه القاسم المشترك لنا جميعاً وكما نفقد الاعزاء سيفقدوننا الآخرين وكما قلتَ فنحن بإنتظار القطار المفاجيء ... الرحمة لها والراحة والسكون ولكم التعازي والصبر .. تحية


3 - شكر على مواساة
نوري جاسم المياحي ( 2016 / 1 / 22 - 04:22 )
المشاركة بالتعاطف مع الحزين في حزنه ميزة من ميزات الانسان الحي الثري بالحبة والرحمة والذي يتحسس بالام الاخرين وان دل على شيء فهو يدل على كرم الاخلاق وعلو الهمة وسمو المشاعر ..وهنا لابد لي من ان اشكر جميع من واساني وشاركني حني والمي ولوالشكر بحقهم قليل مقابل كرمهم الجزيل ..وهنا اخص بامتناني وشكري كل من الاخت ماجدة منصور والاخ تيسان سمو الهوزي على عواطفهم النبيلة وكرم اخلاقهم الانسانية الراقية ..

اخر الافلام

.. مسؤول إسرائيلي: حماس -تعرقل- التوصل لاتفاق تهدئة في غزة


.. كيف يمكن تفسير إمكانية تخلي الدوحة عن قيادات حركة حماس في ال




.. حماس: الاحتلال يعرقل التوصل إلى اتفاق بإصراره على استمرار ال


.. النيجر تقترب عسكريا من روسيا وتطلب من القوات الأمريكية مغادر




.. الجزيرة ترصد آثار الدمار الذي خلفه قصف الاحتلال لمسجد نوح في