الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الموت ... قصة قصيرة

بهجت العبيدي البيبة

2016 / 1 / 21
الادب والفن


يعيش ما بين السماء والأرض، لا يجد مرسى تسكن فيه سفينته، يشعر أن المرفأ بعيد، كلما اقترب قدما تملكه شعور ببعد مسافات، يفقد تركيزه، وتفاعله مع الحياة، تنتابه نوبات بيقين اللقاء والالتقاء، ما تلبث تتبدد بعدما يصدمه واقع يضغط بكل قوة من كافة الاتجاهات، يتساءل: لماذا التقينا؟ ألم أكن أعيش في هدوء وسكينة!!؟ ألم أكن أمارس شعائري الجنائزية وأنا بها سعيد أو أظن ذلك؟ ألم تكن عقارب الساعة تمر في هدوء رتيب، وأمواج البحر تصدم بالشاطئ فتنكسر ولا تستطيع أن تتجاوزه.
لا يستطيع أن يعود كما كان، إنه يرفض ذلك، لا يقدر أن يتقدم خطوة للإمام، محاولاته كطفل صغير يريد أن يعبر محيطا، العجز يضرب بخيامه على صحراء فكره، يشعر وكأن كل قوى العالم تتضافر لتمنع عنه أمنيته، تسد آفاق الحلول، العجز أصبح شبحا يطارده، يشعر وكأن الدم يتجمد في عروقه، تتوقف الحياة، يعيش داخل ذاته، ينفصل عن محيطه، يشعر بالاغتراب، تتقاذفه الهواجس.
أيحطم ذلك التابوت؟ أيتحرر من تلك القيود؟ إنهم يعشقون القيود، ويقدسون التابوت، وهو خانع مستسلم، يسير في الركب، بروح قلقة، ونفس شاردة، وقلب مكلوم، وعقل مكبل، ألا من مفر من تلك الحياة؟ كيف يرضى أن يكون جزءا من هذه الحياة، وهو المثقف المتمرد، إنه لا يؤمن بتلك الثوابت التي جعلها أناس لفكرها المريض نواميس حياة، كيف له أن يستسلم لنظام لم يحقق ذاته، ولم يمنحه سعادة، رغم محاولاته المستميته، كيف يخضع عقله اللامحدود لمثل تلك الحدود التي رسمت لتحول بين الإنسان وسعادته، كيف تخنع روحه المتوثبة المتعطشة لصحروات أرواح رسمت لنا سبل الحياة لنعيش فيها أمواتا.
لم يعد أمام الروح المسحوقة إلا أن تختار إما أن تظل شاردة معذبة، أو تعلن التمرد، وتواجه مصير هو لمصير الأنبياء والرسل أقرب، يحاول جاهدا أن يستجمع قواه، أن ينهض الروح من سباتها، أن يلهب العقل، فالمعركة شرسة، ولا يعرف أعداءه على وجه اليقين، إن كل القوى تتضافر معلنة تضامنها ومؤازرتها ضد حربه العادلة عن روحه الشريدة وقلبه المكلوم، "آه" تخرج من أعماق روحه، هل أنسحب من المعركة؟ إنه يعني الانسحاب من الحياة نفسها، المعركة وجودية، ولا أحارب لنفسي فقط، إنها حرب مقدسة في سبيل أطهر ما خلق الله إنها الروح، التي تسحق كل لحظة ملايين المرات دون أن يكترث أحد لها، بل يمعن الجميع في سحقها، فكل شيء مقدس إلا ما يستحق التقديس.
يشرد فكره، القرار معلق، فهدم هذه الحياة الخانعة - رغم ضرورته - فعل يجابه بقوة شرسة، لم يعد التردد يسيطر عليه، إن الروح لم تعد قادرة على الحياة في هذا المستنقع، كيف لها أن تهنأ وهي مستسلمة، وترضى بالمرض بل بالموت.



 








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أسرة الفنان عباس أبو الحسن تستقبله بالأحضان بعد إخلاء سبيله


.. ندى رياض : صورنا 400 ساعةفى فيلم رفعت عينى للسما والمونتاج ك




.. القبض على الفنان عباس أبو الحسن بعد اصطدام سيارته بسيدتين في


.. تأييد حكم حبس المتسبب في مصرع الفنان أشرف عبد الغفور 3 سنوات




.. عاجل .. إخلاء سبيل الفنان عباس أبو الحسن بكفالة 10 آلاف جنيه