الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حدث في قطار آخن -33-

علي دريوسي

2016 / 1 / 21
الادب والفن


ما الذي يجبرني على الهروب، كأنني سّارق فرَّ من الشُّرطيّ، كأنني جنديّ ترك موقعَه في المعركة؟
ما الذي يجبرني على العَدْوّ في الغابة كغزالٍ يخشى أن يصطادوه بسهمٍ مسموم؟
ما الذي يجبرني على تحمُّل أَزِيز الرِّيحِ وأَزِيز الرَّعْدِ وأَزِيز مُحَرِّكِ السَّيَّارَةِ من خلفي؟
يُرْعِبُني أَزِيز طلقات الرصاص حتى في الأعراس والمناسبات الشرقية!
ما الذي يجبرني على الهرب من جديد بعد أن هربت من زعران المدينة في حديقة قوس النصر؟
ما الذي يجعلني أرى بأم عينيّ كائنات أسطورية مخيفة في الغابة؟
لست محموماً ولا سكراناً ولا واقعاً تحت تأثير الكوكايين والبولمول، بل أنا بكامل قوايّ العقلية!
ما الذي سيمنعني إذنْ من اِلتقاء ملك العفاريت في هذا الصباح الكوكاييني الباكر؟ كما اِلتقاه الوَلَد المَحْمُوم!



"مسافات طويلة في الغابات المظلمة والجبال الوعرة، قطعها الرجل الفلاح على حماره، حاملاً وَلَده المَحْمُوم في حضنه... محاولاً إنقاذه والوصول به إلى الطبيب!
في الطريق، وذات ليلٍ عاصف، ارتعبَ الطفل لاعتقاده الأكيد برؤية ملك العفاريت!
قال بفرح: الملك يرجوني الذهاب معه يا أبي، إلى القصر يا أبي، هناك ستعتني بي الأميرات، تداوينني وتغنجنني!
حاول الأب تهدئته وإقناعه بأنّ ما يراه ليس إلا وهماً أو ربّما سراباً وقد يكون ضباباً، لكن دون فائدة...
قال الأب: ما تسمعه يا ولدي، ليس إلا حفيف الأشجار وأصوات طيور سوداء!
ازداد هلع الولد، مات قبل حصول الأب على موعد لدخول العيادة."

عندما سمع الشاعر الألماني غوته بالقصة، كتب في عام 1782 أغنية بسيطة، سمّاها ملك العفاريت.



ملك العفاريت، إيرل كونيغ، هذه المفردة العائدة للشاعر غوته، هي التسمية الإسقاطية المألوفة عند اختبار النموذج المصنّع والمطّور حديثاً من ماركة سيارات ما مثل مرسيدس بنز، بي إم دبليو، هيونداي موتور، أوبل أو شيفروليه. تم استخدام التسمية في الصحافة التي تتابع أخبار عالم السيارات والنماذج المراد اختبارها للمرة الأولى في بدايات 1950 عندما تم تعميد أحد نماذج مرسيدس بنز المراد تجربته بهذا الاسم.


ما الذي سيمنعني إذنْ من اِلتقاء ملك العفاريت في هذا الصباح الكوكاييني الباكر؟ كما حصل معي في السنة الماضية، في وضح النهار في أحد الشوارع الألمانية!

"كنت يومها برفقة صديقتي مانويلا، نعم رأيته، كان كائناً يشبه عربة مُصَفَّحة تتحرك بسرعة على عجلات... عندما أردتُ تصويره اختفى فجأةً!
سألتُ مانويلا فيما إذا رأت ما رأيت!
أجابت: بلى، إنه إيرل كونيغ، وأردفت: بأنّ الاحتمالية المئوية للِقاء به ضئيلة للغاية!
فتحت فمي استغراباً مثل طفل كبير ورجوتها تهجئة الكلمة كي أجد لها شرحاً مناسباً باللغة الأم...
سألتها: ماهي احتمالية مصادفته؟
أجابتني: لعلها تتماثل مع احتمالية ربح الجائزة الكبرى لليانصيب الدوري أيام الثلاثاء في الشرق... أو كاحتمالية أن تكتب اسم اللعبة-الهدية الأغلى في أوراق يانصيبك الذي كنتَ تبيعه في حدائق وساحات مدينتك، كاحتمالية أن تقدّم اللعبة الأغلى التي كنتَ تستجلب بها الآخرين وليراتهم وتحرض الفضول لديهم للعبِ معك، لشراء وإنتقاء الأوراق شبه الفارغة من صندوق يانصيبك...
قاطعها قائلاً: كنتُ أرغب فقط أن أتعلم فن التجارة قبل أن أدرس في كلية التجارة والاقتصاد، كنتُ أرغب أن أصير لاحقاً أحد أهم تجار الجملة الشرفاء في المدينة!
لكنكَ درستَ الهندسة! قالت مانويلا باستغراب."



"في زمن ما غابت عني ملامحه، في الأعياد الدينية والمناسبات الوطنية، كنتُ الطفل الذي يبيع يانصيب الفرح للأطفال في الحدائق، جانب قوس النصر، كنتُ أجمع وألملم أشياء العيد من حاويات الزبالة أو أشتري بعضها أحياناً أخرى من دكاكين الضيعة لأبيع الحظ، تنوعت بضاعتي ما بين الإبرة والخيط حتى غرفة النوم كما يقولون: قصص ميكي، سامر وأسامة، ألغاز بوليسية، طوابع بريد، حبات مربى النعناع، العُلُوك بأنواعها، البالونات الملونة، الزمامير الرخيصة، علب كبريت الفرس، القضامة، قطع الراحة، أزرار قمصان، أقلام رصاص، مماح، مَبَار، مَصَّاصَات، دبابيس، شكلات شعر للبنات، أساور، خواتم، نظارات وأمشاط، عصافير وبلابل، مقصات أظافر، ورق الكوتشينة، مسدسات صينية، نقيفات، صور نجوم الملاعب، أعلام الوطن العربي، أشكال طائرات، أُسُود ونُمور، جنود، قلاع ودبابات... أشكال ديناصورات وصور السيد الرئيس!... جميعها مصنوع من المواد البلاستيكية الملونة الرخيصة وطبعاً القادمة من الصين الشعبية...
أضع جميع ما حصلتُ عليه في علبة كرتون كبيرة، أعطي الأشياء أسماءً وأرقاماً، أكتبها على قصاصات الورق الأبيض وأطويها، بعض القصاصات تبقى بلا أرقام ولا أسماء، أمشي باتجاه النصر وقوسه، أدخل الحديقة علَى اسْتِحْيَاءٍ، الساعة هي الثامنة صباحاً، يبدأ وقت العمل، يرتفع صوتي بلهجة قروية مغايرة للهجات أطفال المدينة: يانصيب... يانصيب... السحبة بنص ليرة والخمسة بليرتين... يانصيب... يانصيب... قرب، جرب حظك... ألعب واربح يا حبّاب...
يندفع الأطفال صوب بائع الفرح، يخسرون نقودهم ليربح هو، تمتلئ جيبه بقطع النقود المعدنية وعيونهم الصغيرة بالندم، تقترب الساعة من الثانية عشر ظهراً، يعود بعض الأطفال إلى بيوتهم لتناول الطعام وإحضار المزيد من النقود، تغص الحدائق في هذا الوقت بالمراهقين الزعران، ينظرون للبائع باستهجان، إنه غريب في تلك الحديقة، يقتربون منه وسجائر الشرق في أفواههم، يسحبون سكاكين الكبّاس من مؤخراتهم، يستشعر الخطر القادم، يضع رجليه في مؤخرته ويهرب بسرعة البرق إلى حديقة أخرى فيها عيد وبقايا من نقود."








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فيلم الممر مميز ليه وعمل طفرة في صناعة السينما؟.. المؤرخ ال


.. بكاء الشاعر جمال بخيت وهو يروي حكاية ملهمة تجمع بين العسكرية




.. شوف الناقدة الفنية ماجدة موريس قالت إيه عن فيلم حكايات الغري


.. الشاعر محمد العسيري: -عدى النهار- كانت أكتر أغنية منتشرة بعد




.. تفاصيل هتعرفها لأول مرة عن أغنية -أنا على الربابة بغني- مع ا