الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ضحايا التطهير العرقي في العراق.-1

جعفر المهاجر

2016 / 1 / 22
مواضيع وابحاث سياسية


ضحايا التطهير العرقي في العراق.-1
جعفر المهاجر.
ماأكثر الضحايا في وطننا العربي الذي يحكمه أشد الحكام دموية ووحشية .وما أبشع الجرائم التي يقوم بها هؤلاء الحكام وأبنائهم وأحفادهم الذين يرثون الحكم من بعدهم ولاهم لهم سوى سلطتهم القائمة على جبل من جرائم الإبادة العنصرية والقومية التي يقومون بها منذ أكثر من قرن من الزمن ومازالت مستمرة في وتيرة تصاعدية دون أن تحاسبهم القوانين التي شرعتها الأمم المتحدة وتحولت إلى حبر على الورق، ووضعت على لائحة الإحتضار في رفوف الغرف التابعة للمنظمات الدولية. ومن أبشعها جرائم التطهير العرقي التي لايمكن نسيانها مهما تقادم عليها الزمن والتي ارتكبها النظام الدكتاتوري الصدامي ضد الكورد الفيليين وهي جرائم إبادة عنصرية وطائفية من الطراز الأول قام بها ذلك النظام المتوحش ضد مئات الآلاف من هذه الشريحة العراقية الطيبة المسالمة. وهي تتعارض تعارضا صارخا مع كل القوانين الدولية حيث تقول الفقرة الثانية من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان : (لكل إنسان حق التمتع بكافة الحقوق والحريات الواردة في هذا الإعلان دون تمييز بسبب العنصر أو اللون أو الجنس أو الدين أو الرأي السياسي أو أي رأي آخر دون تفرقة بين الرجال والنساء.)علما بأن العراق قد وقع على الإعلان وضرب به عرض الحائط.
لقد كان أسلوب إخراج العوائل من البيوت بعد منتصف الليل في غاية الهمجية والوحشية حيث صراخ وعويل الأطفال والنساء يشق عنان السماء. وضحايا هذه الشريحة نتيجة حملة الابادة المنظمة ضدهم لايمكن أن تمحى من الذاكرة.ولا يمكن لإنسان يحترم كرامة أخيه الإنسان المطالبة بنسيان تلك الجرائم الرهيبة، ومسامحة من قام بها من عملاء النظام الصدامي الدكتاتوري بحجة (المصالحة الوطنية) لكي يبقى المجرمون مطلقي السراح، ويتحينون الفرص، ويعودوا لجرائمهم من جديد.وهذا مايسعى إليه عملاء النظام الصدامي من الشركاء في العملية السياسية اليوم. وبما إني كنت احد ضحايا تلك العمليات الوحشية وشاهداً على الكثير من فصولها. ووفاء مني لأولئك الشهداء المنسيين من قبل حكومات العراق بعد سقوط الدكتاتورية. ودفاعا عن حقوق كل إنسان غيبه النظام ظلما وعدوانا. ولكي لاتكرر مثل تلك الجرائم مرة أخرى فقد أرتأيت تناول تلك المشاهد المأساوية التي وقع نظري عليها كما هي دون أية مبالغة. وهي بمثابة صرخة احتجاج ضد الحكام الغارقين في المحرمات والذين يشنون حروبا عنصرية مذهبية باسم (الشرعية) التي ذبحها هؤلاء الحكام من الوريد إلى الوريد.ويدعون ظلما وعدوانا إنهم بحروبهم الدموية الغاشمة التي يستعملون فيها أعتى وأشد الأسلحة فتكا التي تنتجها لهم مصانع أمريكا والغرب يسعون لإعادة مجد العرب. جاعلين من القومية العربية والدين الإسلامي ستارا لجرائمهم. والقومية العربية والدين الإسلامي يرفضان أي عدوان باسمهما رفضا مطلقا فسحقا لتخرصاتهم.
ورحم الله الجواهري حين قال:
لجأوا إلى الأنساب لو جلّى لهم
نسب ٌ ولو صدقت لهم أرحامُ
وتنابزوا بالجاهلية .. شجها
من قبلُ نورُ الفكر والإسلامُ
فأولاء أعرابٌ، فكلُّ محرًمٍ
حلٌ لهمْ وأولئكمْ أعجامُ.
والكورد الفيليون هم عراقيون أصلاء عاشوا في تربة العراق منذ آلاف السنين. وبقوا متمسكين بعراقيتهم وانتسابهم إلى وطنهم العراق. وتأريخهم يشهد بولائهم المطلق له ، وتفانيهم في الدفاع عن تربته الطاهرة رغم كل عمليات القهر والإستبداد والتعسف التي تعرضوا لها منذ الإحتلال البريطاني للعراق وليومنا هذا.
ففي أواخر العهد العثماني البغيض الذي سبق صدور قانون الجنسية العراقية عام 1921م سارع الكثير من هؤلاء المواطنين ومنهم عرب إلى إنقاذ أبنائهم من الخدمة العسكرية في الجيش العثماني ومضوا إلى السفارة الإيرانية يطلبون الجنسية حتى لايجند الأتراك أبناءهم ويقتلوا في حروب لاناقة لهم فيها ولا جمل. لكنهم بعد ذلك التأريخ ألصقت الحكومة العراقية الملكية بهم صفة (التبعية الإيرانية) فظلوا كالأسرى في وطنهم بحرمانهم من حق المواطنة بعد إغلاق الكثير من وظائف الدولة في وجوههم.وبعد تسلط نظام البعث الشوفيني على العراق زاد من قائمة الممنوعات على هذه الشريحة بحيث وصلت إلى حرمانهم من الحصول على إجازة سياقة تكسي. وأغلقت معظم الجامعات العراقية أبوابها في وجوههم حتى وصل الأمر إلى منعهم من بيع العقار أو السيارة. وحين كان يتقدم أحدهم للحصول على ماتسمى بشهادة الجنسية العراقية يراجع مديرية الجنسية العامة لسنوات يستنزف فيها كل نقوده، ويبيع مايملكه من متاع العمر للحصول على تلك الوثيقة التي تذيل بـ ( التبعية الإيرانية ) وتبقى ذريته من بعده تحمل صفة (التبعية الإيرانية ) إلى يوم يبعثون. وهذا مالم يقم به حتى نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا آنذاك. ويشهد الطابق الثالث من مديرية الجنسية العامة أبشع أنواع الإبتزاز والتمييز العنصري والطائفي البغيض من قبل أشخاص لايقيمون وزنا للكرامة الإنسانية. حيث يجد المواطن العراقي لوحة كتب عليها (قسم الأجانب) ولا أدري بأي عرف وبأية شريعة يصبح الإنسان أجنبيا في دولته التي ولد فيها ولم يعرف أجداده لمئات السنين غير العراق وطنا .؟
بدأت تلك الحملات التهجيرية الظالمة في أوائل نيسان عام 1970م واستمرت حتى عام 1979م حيث بلغت ذروتها في ذلك نهاية ذلك العام وبداية عام 1980م وأثناء الحرب التي شنها صدام ضد إيران وتسببت بانتزاع أكثر من نصف مليون كوردي فيلي من وطنهم . وتم تسفير تلك العوائل الفقيرة البائسة إلى إيران بعد أن جُردت من أي مستمسك عراقي أثناء تلك الحملات الهمجية. وكانت قوات الأمن قبل ساعات من بدء عمليات التسفير تبث جوا من الرعب في المنطقة أو المناطق التي يداهمونها والتي شملت مدنا كثيرة في جنوب ووسط العراق. وكانوا يختارون ضحاياهم وفق قوائم معدة من مديرية الأمن وغالبا مايفضلون الليالي الباردة في الشتاء للقيام بحملاتهم وهم مدججون بالسلاح وكأنهم يستعدون لمعركةعسكرية علما إن معظم ضحاياهم كانوا من الأطفال والنساء والشيوخ العزل الذين لاحول لهم ولا قوه ولم يمهلوا تلك العوائل للخروج من دورهم سوى دقائق، ولم يسمحوا لهم بحمل أبسط الحاجات ، ويفتشون جيوبهم. ولم يرحموا طفلا ولا امرأة حامل ولا شيخا طاعنا في السن .وحال خروجهم من الدار وهم في تلك الحالة البائسة كانت الشاحنات التي أعدت لهذا الغرض بانتظارهم، ويشرف عليهم جلاوزة عتاة قساة تجاوزوا في قسوتهم على الدواعش حين هجموا على المناطق الإيزيدية. وسيطرت الحكومة على بيوتهم كما سيطرت داعش على بيوت المواطنين الذين هجرتهم من مناطقهم وخطت عليها ( وقف للدولة الإسلامية ) وتم رمي تلك العوائل البريئة على الحدود بين التلال وفي الوهاد لتصل منهكة جائعة وهي بين الحياة والموت بعد مسيرة على الأقدام لساعات طويلة مات فيها العشرات من الشيوخ والأطفال في الطريق. لتجد بعد تلك الرحلة المضنية مخيمات مهترئة على الحدود ولا تتوفر فيها أبسط مقومات الحياة أعدتها لهم السلطات الإيرانية لإيوائهم. كل ذلك حدث بأمر مباشر من الطاغية صدام. وقد بلغ الحقد بالنظام الصدامي وأجهزته الدمويه بأن أطلق على هؤلاء الأبرياء تسمية ( (الطابور الخامس ) ظلما وعدوانا وهم أشد الناس إلتصاقا بتربة العراق وتأريخ العراق ولم يقوموا بأي عمل ضد أية سلطة عراقية.
وتم ذلك التسفير في حالة غياب تام من المنظمات الدولية. وصمت مطبق من النظام العربي وإعلامه الذي تواطأ مع تلك الحملة الشوفينية الرهيبة الذي يذرف دموع التماسيح على حقوق الإنسان حيث كانت الوفود الصحفية والرسمية تترى على بغداد لتقدم التهاني والتبريكات لرئيس النظام على انتصاراته الباهرة حتى يمنحهم ماخف حمله وغلا ثمنه من الهدايا المحرمة. والذنب الوحيد لتلك العوائل إنها كردية الأصل اولا وشيعية المذهب ثانيا. وهي من الجرائم التي يعاقب عليها القانون الصدامي الذي كان سلوكه أبشع من شريعة الغاب .وقد رافقت تلك الحملة العنصرية الظالمة حملة إعلامية شرسة في الصحافة البعثية وخاصة جريدة الثورة التي تناوب على تحريرها طارق عزيز وعبد الغني عبد الغفور و ومحطة التلفزيون العراقية متهمه أولئك الأبرياء بمختلف النعوت اللأأخلاقية التي درج عليها سلوك دهاقنة البعث. وأقل ماكانوا يقولونه أن هؤلاء هم (خونة وعملاء وجواسيس وطابور خامس وفرس مجوس.) وقد أعد النظام البعثي بعض أساتذة جامعة بغداد أمثال علاء نورس ومظفر الأدهمي ونوري المرسومي ليقوموا بدور مرافق لتلك الحملة الإعلامية بانتقالهم بين المحافظات للقيام بهذا الدورالذي رسمه النظام لهم. فكانوا يعقدون الندوات، ويجمعون الناس عنوة ليستمعوا لهم. وتبدأ الأكاذيب والتلفيقات التي ما أنزل الله بها من سلطان وكان بن العلقمي يأخذ حصة كبيرة من أحاديثهم الباطلة والمضللة.
أما شباب تلك العوائل دون العشرين من العمر فكانوا يعزلون ويساقون إلى أماكن مجهولة إيغالا في التنكيل العنصري الطائفي وبلغ عددهم أكثرمن 20 ألف شاب غيبهم ذلك النظام ولا يعرف مصيرهم حتى هذه الساعة .
إن حزب البعث الفاشي لايختلف في عنصريته ودمويته وإجرامه عن الحزب النازي في ألمانيا ولاعن الحزب الفاشستي في إيطاليا أبان الحرب العالمية الثانية ولاعن الخمير الحمر في كمبوديا ولا عن التوتسي في رواندا ولاعن عتاة الصرب في يوغسلافيا السابقة ولاعن الصهاينة وجرائمهم في فلسطين. ولا عن الدواعش وما ارتكبوه من جرائم نكراء في سوريا والعراق.
ولا يمكن أبدا فتح صفحة جديدة مع أيتام العهد الصدامي المجرمين ليرتكبوا المزيد من الجرائم بحق الشعب العراقي المظلوم تحت الشعار المهلهل الباهت (عفا الله عما سلف) والذي تحول إلى وبال وكارثة كبرى على الشعب العراقي من يوم أطلقه الزعيم الشهيد عبد الكريم قاسم الذي كان ثمنه الباهض حياته وحياة مئات الآلاف من أرواح العراقيين وإلى هذا اليوم الذي مازالت فيه دماؤهم تنزف.
لقد إستبشر الكورد الفيليون بعد سقوط صنم الإستبداد ولكن مازال المواطن الفيلي يعُامل كأجنبي له شعبته الخاصة في مديرية الجنسية العامة.
والذي يؤلم أكثر إن بعض مايسمون أنفسهم بـ ( القادة) لهذه الشريحة المظلومة إنخرطوا في عملية جني المكاسب الشخصية، ونسوا قومهم أسوة بغيرهم من السياسيين الذين أصيبوا بهذا المرض. وربما ستمر أعوام طويلة وحال الكورد الفيليين يبقى كما هو نتيجة الصراعات السياسية التي أغرقت الساحة العراقية بالكثير من الزبد والركام.
لقد كان الحقد الشوفيني البعثي الصدامي أسودا ورهيبا تفوق على كل الأحقاد الشوفينية العنصرية في العالم على مر التأريخ وهذه حقيقة ناصعة لاتشوبها شائبة يقر بها كل منصف وشريف شهد جانبا من تلك الحملات الظالمة بأم عينيه وكنت أحدهم.( يتبع )
جعفر المهاجر.
22/1/2016م








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. اجتهاد الألمان في العمل.. حقيقة أم صورة نمطية؟ | يوروماكس


.. كاميرا CNN داخل قاعات مخبّأة منذ فترة طويلة في -القصر الكبير




.. ما معنى الانتقال الطاقي العادل وكيف تختلف فرص الدول العربية


.. إسرائيل .. استمرار سياسة الاغتيالات في لبنان




.. تفاؤل أميركي بـ-زخم جديد- في مفاوضات غزة.. و-حماس- تدرس رد ت