الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التغاضي الدولي عن جرائم الحرب : عار العالم .. مفخرة الأسد

عبدالرحمن مطر
كاتب وروائي، شاعر من سوريا

(Abdulrahman Matar)

2016 / 1 / 22
مواضيع وابحاث سياسية


ليس اعتيادياً ما نُقل عن بان كي مون قوله " أن حصار المدن السورية بهدف تجويعها يشكل جريمة حرب وأفعالا محظورة بموجب القانون الإنساني الدولي ". غير أنه غير ذي تأثير حقيقي، ولم يرقَ إلى مستوى الإدانة، أو أنه يؤسس لإجراء قانوني ضد من يرتكب جرائم الحرب في سوريا: نظام الأسد.
النظام السوري – في الواقع – لا يكترث بأية ردود أو مواقف غربية، حيال الجرائم التي ترقى/ أو تصنف بأنها جرائم حرب ضد الإنسانية. تستهدف الإبادة البشرية، المباشرة، الواضحة والملموسة بالأدلة القاطعة. يبدو طاغية دمشق مطمئناً إلى أن المجتمع الدولي الذي يغض الطرف عن أفعاله ضد السوريين، هو بحاجة إلى خدماته التي يقدمها في إطار تفاهمات مبكرة منذ عهد الأسد الأب، وصولا الى الأسد الوريث للسلطة، وخاصة مابعد الاحتلال الأمريكي للعراق عام 2003.. وقد حان نظير خدماته المتواصلة.. تلك.
وبالفعل، حتى اليوم لم تصدر إدانات حقيقة واضحة وجادة، حيال جرائم النظام السوري ومذابحه اليومية، بما فيها الأمم المتحدة ( القرار 2254 نموذجا )، وهيئاتها الإنسانية، إلا من بعض إلماح خجولٍ حول الإفراط باستعمال القوة، و" تضرر مدنيين ". في الوقت عينه كانت منظومة التحالف العدواني ( الروسية والإيرانية والأسدية ) تركز عملياتها العسكرية لإبادة المدنيين بكل القدرات التدميرية الممكنة، وكل الوسائل المتاحة اليوم بين أديهم، في ظل صمت دولي يرقى الى التواطؤ. الأسد بنظامه الأمني، وما قدمه للغرب، هو ما يجعل منه مرغوباً ومقبولاً.
الاجتماع الذي أملى فيه وزير الخارجية الامريكي الأسبق كولن باول، شروط الولايات المتحدة على بشار الأسد، وريث السلطة المحدث آنذاك، في أبريل 2003، إثر أسابيع على غزو العراق، يمكننا استعادتها اليوم للدلالة على منحى السياسات الاميركية بشكل خاص، والغربية عموماً بشأن التعامل مع المنطقة. يومها تبدى للسوريين وللمراقيبن أن " سوريا الأسد " لم .. ولا يمكن لها أن تخضع للشروط الأمريكية التي اعتبرتها دمشق - دون إعلان – أنها تمثل تهديداً بمصير مماثل لنظام البعث في العراق. غير أن الصمت الأمريكي – السوري المتبادل فيما بينهما، أوضح بجلاء تبعية الأسد وخضوعه.
في الحقيقة، تقديرات الإدارة الأمريكية كانت دقيقة، فليس في دمشق سوى منظومة أمنية تحكم قبضتها على كل شئ في البلاد. من هنا، كان الاعتناء بالشرط الأكثر حيوية بالنسبة للأمريكيين من الشروط الخمس الأخرى، وينص على " التزام الحكومة السورية بالتعاون مع واشنطن، في مجال جمع المعلومات. والموافقة على فتح قنوات بين أجهزة الاستخبارات الأمريكية والسورية ".
خلال السنوات التالية، حتى انطلاقة الربيع العربي، كان رصيد التعاون الأمني بين نظام الأسد، وهيئات الاستخبارات العالمية الأكثر أهمية في العالم، قد بلغ حداً لا يمكن تصور مدى التفاني الأسدي في الالتزام به. لم يتوقف عند جمع المعلومات وإرسالها، حول المنطقة التي تشمل لبنان وسوريا والعراق، خاصة فيما يتصل بحراك التيارات الإسلامية الأصولية: القاعدة تحديداً.
لكن ثمة وظائف أخرى، كتوليد مشتقات القاعدة، والممارسات الإرهابية، ورعاية الجماعات المتشددة، وتقديم التسهيلات اللوجستية لها، عبر مظلة مراقبة واسعة بالتعاون مع المؤسسات الاستخباراتية الغربية، الأميركية بشكل خاص، وأوحد..ربما.
بلغت ثقة الطرف الأمريكي، أن اتخذت من أجهزة المخابرات السورية، أداة لها للقيام بأعمال وممارسات يحظرها القانون الدولي الإنساني، والقانون الأمريكي بالطبع!
في الوقت الذي كانت فيه فضيحة السجون السرية، تهزّ أوروبا، في واحدة من أشد القضايا التي تكشف زيف الادعاء الغرب التزامه بالقيم الإنسانية، والمعايير الحقوقية، واعتبرتها شعوب أوروبا وحكوماتها – بما فيها تلك المتورطة – بأنه عار على الإنسانية والمجتمعات الاوربية. كان بشار الأسد يصعد أعلى سلم الوضاعة والانصياع الغير محدود للاميركيين، ويذهلهم بقدرة وفاعلية أجهزته الاستخبارتية، ومعتقلاته، في استقبال المتهمين الذين اعتقلتهم الولايات المتحدة في كل من العراق وأفغانستان ..وأنحاء اخرى من العالم، بحجة محاربة الإرهاب، وتقوم بانتزاع الاعترافات عبر كل الوسائل المباحة والمتاحة لها، وبمعرفة واشنطن ولصالحها. وتجبرهم على الإدلاء بمعلومات وخطط تنتظرها السي آي إي. وبذلك قدم نظام الأسد أهليته في التعامل مع الغرب، في مكافحة الإرهاب.
واليوم، هاهو نظام الأسد، يستعيد رصيد تعاونه ونجاحاته تلك، وقد اقنع الولايات المتحدة، أنه يكافح الارهاب، بل ويطالبها بالمساندة والدعم، وان كل ما يقوم به من جرائم هو مبرر بالقطع، كونه شريكا إيجابيا ثبت إخلاصه في الحرب الأمنية على الإرهاب، بما يمتلكه من خزين هائل من المعلومات حول القاعدة وأخواتها، والتمويل والتسلح.
تمر – عبر هذا السياق - كل الجرائم والممارسات التي تصل الى الابادة الجماعية دون اهتمام أو إدانة من الغرب – خاصة واشنطن-. وسلاح التجويع من اجل التركيع هو واحد منها. ولم يخجل العالم من صمته المريع عن تلك الجرائم اليومية التي يرتكبها الأسد وبوتين وخامنئي، وأداته الطائفية: حزب الله، عبر العمليات العسكرية، على الرغم من معرفته لحقيقة ما يقوم به بدقة معلوماتية كاملة.
بذلك ..المجتمع الدولي شريك متواطئ في قضية حصار التجويع من أجل التركيع. وليست مضايا وحدها من يُفرض عليها حصاراً ستبقى شواهده قائمة عبر اجيال قادمة. لكنه أيضاً يفرض حصاراً مماثلاً في كل من المعضمية والقلمون، داريا ومخيم اليرموك، الوعر ومناطق أخرى في ريف حمص، والغوطة الشرقية، وقرى في وادي بردى، وأحياء كاملة في دير الزور.
داعش من جهتها، كوجه استبدادي للنظام يحاصر ما تبقى من احياء دير الزور، ويستخدم سلاح التجويع، من حين لآخر في مناطق سيطرته، لإجبار الأهالي على الخضوع له. الوجه الثالث للنظام الأسدي: قوات سوريا الديمقراطية تستخدم نفس الأسلوب، في المناطق التي تسيطر عليها بقوة السلاح في الشمال، والشمال الشرقي من سوريا.
كل تلك الجرائم ستبقى عار في جبين الإنسانية، طالما ان المجتمع الدولي لا يفعل شيئاً لوضع حد لها، وهو قادر أن يوقف الأسد وشركائه، عن ارتكاب جرائم الحرب، والتباهي بها بصفاقة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مصير مفاوضات القاهرة بين حسابات نتنياهو والسنوار | #غرفة_الأ


.. التواجد الإيراني في إفريقيا.. توسع وتأثير متزايد وسط استمرار




.. هاليفي: سنستبدل القوات ونسمح لجنود الاحتياط بالاستراحة ليعود


.. قراءة عسكرية.. عمليات نوعية تستهدف تمركزات ومواقع إسرائيلية




.. خارج الصندوق | اتفاق أمني مرتقب بين الرياض وواشنطن.. وهل تقب