الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مقتطف من كتاب -المفكر والمثقف- بعنوان: بروز السكولاستيكية وإختراق حاجز الكنيسة

ساكري البشير

2016 / 1 / 22
قراءات في عالم الكتب و المطبوعات


للحديث عن الظواهر الجديدة التي دخلت أوروبا في أواخر العصور الوسطى، يجب أولا أن نبادر إلى الإمساك بمفاتيح إحدى مهماتنا المركزية: نبادر إلى متابعة التطور المعقد للعقل الغربي بعد ما شهدنا محطة النظرة المسيحية في القرون الوسطى إلى العالم، ننطلق إلى مواقع بروز النظرة العلمانية الحديثة إلى هذا العالم، وهي مسيرة تحول ملحمي طويلة كان الفكر الكلاسيكي - الإغريقي – والفكر العربي الإسلامي سيؤديان فيها دوراً محوريا.
عندما كانت أوروبا تغرق في سبات الجهل والصراعات، كانت الحضارة الإسلامية في إزدهار متواصل، وهنا سنحاول التكلم بشكل سريع حتى لا نحيد عن الطريق الذي نود أن نسلكه عن النظرة الغربية للحضارة الإسلامية ، ودورها في نشر نور العلم بين العقول الغربية التي كانت لحوالي ستة أو سبعة قرون في ظلام دامس، وجهل متقع، دون إهمال الحديث عن إنتاج الحضارة الإغريقية ؛ فقد اعترف الأوروبيون بدور العرب في التاريخ حين قالوا: إنّ العرب قد نقلوا كنوز القدامى إلى بلاد الغرب - ونحن لا نعترف بهذا فقط لأن المسلمين أبدوا أكثر من ذك خاصة بعد فتح الأندلس كما سنراه لاحقا- بل إنّ هذه العبارة الوحيدة التي يحاول فيها الكثيرون كذبا وادعاءً تقريظ ما قد أسدوه لأوروبا، تحدد للعرب في الواقع، دور ساعي البريد فقط حسب ما تؤكده المستشرقة الألمانية زيغريد هونكه، فتقلل من قدرهم حين تطمس الكثير من الحقائق وراء حجب النسيان.
وقد كان للشرق حينئذ تجارة واسعة المدى مترامية الأطراف تكاد تختفي البلاد المسيحية في ظلها، تجارة تمتد عبر بحر الخزر والفولجا إلى الشمال، شاملة كل الشواطئ، وجزر بحر البلطيق؛ وقد لفظت أرض تلك البلدان آلافا بل ملايين من العملة العربية من القرن التاسع حتى القرن الحادي عشر؛ وإن في هذا لدليلا على مدى إشعاع الحضارة العربية، ومدى انتشار تجارة لم تقف أحكام دينية متحيزة في وجهها، وما إزدهار المجال الإقتصادي والتجاري إلا دليلاً على تفتح العقول، وإذا لم يكن كذلك فكيف تم الوصول إلى هذه القمة من الشهرة في أوساط الحضارات الأخرى؟.
لنجيب على هذا السؤال نقول بكل تيقُّن أنّ الفتوحات الإسلامية بصفة عامة، وفتح الأندلس بصفة خاصة هو أعظم ما نالته أوروبا في وجه العرب الذين جعلوا منها موطن المتعلم، وأمنية أصحاب العقول التي أحبت أن تكون في منارة العلم، فهي المقصد من كل إتجاه، وهي الكعبة التي يحج إليها كل العلماء من يهود ومسيحيين ومسلمين؛ وهذا يؤكده ريتشارد تارناس في قوله: "فلقد كانت الأندلس في العصور الوسطى شعلة النور ومنار الهداية، وكانت جامعاتها بقرطبة، وإشبيلية، وغرناطة وغيرها، ملتقى طلاب العلم من الشرق والغرب، وكان فيها للأدب والشعر والفنون عامةً منزلة لم تكد تصل إليها أمة، وإذا تحدثنا عن فنون العمارة، والهندسة، والنقش، وغيرها، طال بنا الكلام، وخرجنا عما قصدنا إليه من الإيجاز".
عموماً تنامت التجارة داخل القارة الأوروبية وخارجها بفضل تلك الفتوحات، وصارت الإتصالات مع الثقافتين الإسلامية والبيزنطية الجارتيين أكثر إحتكاكاً، مدن وبلدات انبثقت جنباً إلى جنب مع طبقة عليا متعلمة، نقابات وجمعيات تشكلت، ونهوض عام على صعيد الرغبة في تحصيل المعرفة والعلم أفضى إلى تأسيس الجامعات؛ حيث كان العالم الإقطاعي القديم الجامد يخلي مكانه لشيء جديد، شيئا لم ترى أوروبا مثله من قبل، سيجتاح كل الجمود الذي كان لقرون ساكنا، لتصبح أوروبا عالما صاخبا، ذو حركة مستمرة في البحث عن الأذواق العلية التي لم تذق طعمها من قبل، علوم ذات توابل خاصة، لا يقدر على صنعها سوى ذوو العقول التي دأبت جاهدة للبحث عنه، بل هو الكنز المفقود إن لم نبالغ في ذلك.
ماهو هذا الشيء؟
لنقم بجولة خاطفة على القرن الثاني والثالث عشر حتى يتسنى لنا رصد ذلك الشيء، ورصد كل ما من شأنه أن يحرك هذا العقل القروسطي الساكن منذ زمن، وأسباب تحركه؛ ففي بداية القرن الثاني عشر جرت إعادة تنظيم مهمّة في ميادين الفكر والأفكار، وجرى أيضا الإنتقال من الحدس إلى مفهوم آخر للمعرفة له علاقة بالإستنتاج العقلي؛ المقصود هنا هو تحرك واسع غيّر بُنى الروح الأوروبية؛ بعد الأفضلية التي كانت مُعطاة للحدس صارت الأولوية للتفكير وللجدلية التي كانت تعني في القرون الوسطى المنطق الصّوري؛ وقد أدت إعادة بناء الفكر إلى تعزيز "العقل الجدليّ" خاصة مع أبيلار، ومن ثم الإنطلاق في ركب الترجمة، ونقل العلوم الإسلامية التجريبية والفلسفية بداية من ابن رشد والفارابي وابن الهيثم ...إلخ.
بدأت فكرة اللجوء إلى طرائق الفلسفة الوثنية والإسلامية، وليس فقط إلى القلب بل إلى العقلانية أيضا، وهو ما جعل المسرح جاهزا لحصول انقلاب جذري في جملة المنطلقات الفلسفية لوجهة النظر المسيحية: داخل الكنيسة في القرون الوسطى، بدأت الفلسفة المسيحية المنكرة للعالم، التي صاغها أوغسطين والمستندة إلى أفلاطون تخلي مكانها لمقاربة مختلفة جذرياّ للوجود، مع قيام المدرسيين ( السكولاستيكيين) عمليا بتلخيص الحركة من أفلاطون إلى أرسطو في تطورهم الفكري الخاص.
وشرارة ذلك الإنقلاب اندلعت في القرنين الثاني عشر والثالث عشر مع قيام الغرب بإعادة اكتشاف الكنز العظيم لمؤلفات أرسطو، التي حفظها المسلمون والبيزنطيون، وتُرجمت الآن إلى اللغة اللاتينية.
ومما ميز هذا التغيير الحاصل في المناخ الثقافي، هو نشوء وتطور مدرسة في فرنسا أوائل القرن الثاني عشر بدير القديس الأوغسطيني فكتور؛ وعلى الرغم من بقائه كلياًّ داخل دائرة تقاليد الصوفية الرهبانية والأفلاطونية المسيحية، فإن هيو من دير القديس فكتور أقدم على اقتراح الأطروحة التعليمية الثورية القائلة: إنّ المعرفة العلمانية المتركزة على الغوص في واقع العالم الطبيعي تشكل أساساً ضروريا للتأمل الديني المتقدم، بل وحتى للنشوة الصوفية؛ رفع هيو شعار: "تعلم كل شيء ولن تلبث أن تكتشف لاحقاً أن لا شيء زائد".
نَمَى هذا الميل إلى العمل الفكري مع ظهور إنسان جديد هو رجل الفكر (المدرسي / المتعلم)، وتشير هذه اللفظة إلى الإنسان الذي يمارس العمل الفكري، ويعلّم فكره؛ كثر وجود هذا الإنسان في مدارس القرن الثاني عشر في المدن، وابتداءاً من القرن الثالث عشر تنامى في الجامعات، وهكذا ولد هذا الأخ لأتباع المذهب السفسطي في العصور اليونانية القديمة، ولم يشكل ذلك حدثا فرنسيا صرفا بل عبّر عن الروح الأوروبية؛ وفي كتاب مغامرة الأفكار الأوروبية، تقول جاكلين روس: "إنّ القرن الثاني عشر هو إنسانوي، هذا ما يشير إليه مثل أبيلار ومثل الفكر الذي ميّز أتباع مدرسة شارتر – نسبة إلى برنارد دو شارتر – من عصر الجدلية هو أيضا عصر تجدد الفكر الإنساني".
راحت الجامعات تتطور، في ظل رعاية الكنيسة، إلى مراكز تعليمية مرموقة يتجمع فيها الطلاب من جميع أطراف أوروبا للدراسة والإستماع إلى محاضرات الأساتذة ومناقشتهم؛ ومع تطور المعرفة صار موقف الباحثين من العقيدة المسيحية أقل إلغاء للعقل وأكثر نزوعاً إلى التأمل الذاتي، واستخدام العقل لمعاينة بنود الإيمان والدفاع عنها، وقد سبق لرئيس أساقفة كانتروبوري آنسلم أن وظفه في القرن الحادي عشر، وفرع المنطق خصوصاً، وقد كان جدلي القرن الثاني عشر الملتهب أبيلار رائده، وسرعان ما بلغ القمة على صعيدي شعبية التعليم وأهمية اللاهوت كليهما؛ ومع صدور كتاب أبيلار: "نعم ولا"، وهو تجميع لبيانات ظاهرة التناقض صادرة عن مرجعيات كنسية مختلفة، صار مفكرو العصر الوسيط أكثر انشغالا بالتعددية المحتملة للحقيقة، بالحوار بين آراء متنافسة، وبالقدرة المتنامية لعقل الإنسان على تمييز العقيدة الصحيحة؛ لم يكن ذلك يعني التشكيك في الحقائق المسيحية، كان يعني بالأحرى إخضاع هذه الحقائق للتحليل؛ ومما قاله آنسلم: "يبدوا لي أننا مهملون وغافلون إذا لم نجهد لفهم ما نحن مؤمنون به، بعد أن أصبحنا راسخي الإيمان بعقيدتنا".
لقد أدّى قيام الجامعات في باريس سنة 1200 وفي أوكسفورد سنة 1214 وفي كامبريدج سنة 1231 وفي بادو سنة 1222م إلى مبارزات فكرية، حيث كان كل واحد يتمرّن ويظهر مزاياه، فنتج عن ذلك تقدّم في طرق التفكير العقلانية، وتعززت الطريقة المدرسية وقوانين البرهنة؛ وكانت والجامعات تتواصل من أقصى القارة إلى أقصاها وكانت الحضارة الأوروبية تتكون من خلال عمل المتعلمين، وقد ساهم في هذا الإزدهار الترجمات غير المعروفة لأرسطو ولشارحي أعماله.
لم يُعرف نتاج أرسطو بكامله حقيقة إلا في نهاية القرن الثاني عشر وبداية القرن الثالث عشر؛ ظهرت على مر الزمن عدّة ترجمات كانت مكمّلة لبعضها أو تنافسية.
وهنا يجب الإشارة إلى أن الفيلسوف العربي ابن رشد (1126 – 1198) أول من فسّر كتب أرسطو، لقد أغنت شروحاته وخصوصاً " الشروحات الكبيرة" فكر القرن الثالث عشر، وأشارت إلى النواحي الماديّة في فكر أرسطو؛ وقد كان مذهب ابن رشد يُدرّس في جامعة باريس من قبل سيجر دو برابان.
ومن هذا الإلتزام الجديد بالتعليم انبثق تأليف البحوث الموسوعية في القرون الوسطى العظيمة الهادفة إلى الإحاطة بالواقع كله، تلك البحوث التي قام هيو بأول تأليف لها؛ والمفهوم التعليمي نفسه ما فتئ أن أصبح أساس تطور الجامعات في طول أوروبا وعرضها، تلك الجامعات التي كانت أولها جامعة باريس.
ومع حصول جامعة باريس على إجازة ميثاقية خطية من الكرسي الرسولي في 1215م، ثمة بعد جديد توغل في الحضارة الأوروبية، حيث باتت الجامعات الآن مراكز للثقافة مستقلة نسبيا عن الكنيسة مكرّسة لتحصيل المعرفة؛ وعلى الرغم من أنّ اللّاهوت والدوغما (العقيدة) المسيحيين تولّيَا رئاسة عملية التحصيل، فإنّ هذين - اللاهوت والدوغما- سرعان ما تعرضا بدورهما لقدرٍ متزايد من الإختراق من قبل الروح العقلانية؛ تلك كانت التربة الخصبة التي تلقّفت الترجمات الجديدة لمؤلفات أرسطو، وللتعليقات العربية عليها.
إذاً يمكن القول بأنّ الجدل الحاصل بين هذا العقل الجديد والإيمان، بين معرفة الإنسان للعالم الطبيعي وعقائد الوحي السماوي الموروثة، برز بحجمه الكامل في كتابات الفيلسوفين اللذين توجا القرن الثالث عشر: ألبروتوس ماغنوس، وتلميذه توما الإكويني؛ الرجلان كلاهما كانا شديدي الإلتزام باللاهوت التوراتي، غير أنهما بقيا، مع ذلك، مهتمين بالعالم المادي، ومتعاطفين مع تأكيد أرسطو للطبيعة، وللجسد، وللذكاء الإنساني؛ لم يكن باحثوا العصر الذهبي للسكولاستيكية هؤلاء قادرين على معرفة العواقب النهائية لأبحاثهم الفكرية لإدراك كل ما هو موجود، غير أنهم نجحوا، إذ تصدوا مباشرة لهذا التوتر بين توجهين متضاربين – إغريقي ومسيحي، عقلي وإيماني، طبيعي وروحي – في تمهيد الطريق، داخل جامعات أواخر العصور الوسطى، أمام الإنبهار الهائل في النظرة الغربية إلى العالم بسبب الثورة العلمية.
كان ألبرتوس المفكر في القرون الوسطى الأول الذي ميز بحسم بين معرفة مستمدة من اللاهوت من ناحية ومعرفة مستقاة من العلم من ناحية ثانية؛ فاللاهوتي هو الخبير في شؤون الإيمان، أما في القضايا الأرضية المبتذلة، فإن العالم يعرف أكثر؛ فبعد أن كان ألبرتوس قد التقط القوة الفكرية للفلسفة الأرسطو طاليسية، واعتمدها بنداً ضرورياً على لائحة المنهاج الجامعي، بقيت للإكويني المهمة الفلسفية المتمثلة في الإستيعاب التوفيقي للتحدي الإغريقي والإكويني، أي الجمع بين الروحي والعقلي.
ولكن أرسطو والمفكرون المسلمون الذين لم يتم فهمهم بدقة من الإكويني وغيره ممن حاولوا في ذلك معظم الوقت، قد تعرّضوا للإفتراء نتيجة التأويلات الكثيرة والمختلفة كمؤلفات ابن رشد، والمصادر اليهودية، إلا أن لك لم يؤثر على مسيرة تقدم الأفكار الفلسفية الغربية في القرن الثالث عشر نتيجة المناقشات، أو عن طريق الجدلية بدل الحدس والمنافسة بدل التوافق التي كانت سائدة في القرنين الثاني عشر والثالث عشر بين معلمي الجامعات.
أما بالنسبة للعقل العلمي أو الرياضي، فقد ساعد تواصل علماء الجبر الغربيين الحثيث بالفكر العربي على تنقية طرائقهم في القرن العاشر، كان الفرنسي جيربير (900 – 1003) من أوائل المسيحيين الذين درسوا في مدارس عربية في اسبانيا؛ عمل مستشاراً للإمبراطور الألماني أوتو الثالث وأصبح رئيس أساقفة رينيس، ورافين، ثم بابا عام 999، وشارك في حركة الأفكار الأوروبية، وفي القرن الثاني عشر ترجمت النصوص الرياضية المكتوبة باللغة العربية على يد مدرسة باحثين تأسست في توليدو.
وقد ترجم أيضا روبير دو شستر، الذي عاش في إسبانيا، كتاب الخوارزمي الذي أُخذت منه كلمة الجبر، وحساب المثلثات عموماً، هما اللذان جذبا انتباه علماء أوروبا؛ عند التقاء القرنين الثاني عشر والثالث عشر، ونشر الإيطالي ليونار دو بيز (1180 – 1250) في العالم الغربي مبادئ الحساب التي تعلمها من العرب، وأدخل استعمال الأعداد المعروفة بالعربية؛ لكن نشوء الجامعات في القرن الثالث عشر هو الذي عزّز تطور الأفكار الرياضية: حيث أدخل جوردانوس نيموراريوس المولود في وستفاليا، استعمال الأحرف لتمثيل رموز عددية، عندئذ عرف البحث الرياضي تقدما ملحوظاً.
خلاصة القول أنّ التأثير العربي على تكوين الأفكار الحديثة في العلم والمنهج الإختباري يظهر إذاً في مجالات متعددة، وقد واكب هذا التأثير تكوين الفكر العلمي؛ حتى مفكرو شارتر أنفسهم تأثيروا بالمصادر العربية التي كانت تعطي أولوية لمفهوم الملاحظة.
وأوروبا – الثقافة التي بنيت في القرون الوسطى تُدين كثيراً للإسلام والعالم الإسلاميّ، لأن الغرب استورد منه عددا من النماذج الفكرية الأساسية؛ حوار قديم، كان ثمرة تبادل مشترك، لأن الفكر الإسلامي قد تأثر هو أيضا بالفكر اليونانيّ، في مجال الرياضيات، واستنبط الإسلام طرقا جديدة في الجبر وحساب المثلثات، أمّا فلاسفته فقد غذّوا الغرب اللاتيني، وأطلعوه بصورة خاصة على نتاج أرسطو، واعتُبر مفكروا القرون الوسطى الكبار من المسلمين كالفارابي (872 – 950)، وابن سينا (980 – 1037)، وابن رشد (1126 – 1198) بصورة خاصة، كمرشدين للعالم المسيحي، ولكنهم لم يسلموا من النقد أحيانا.
في أواخر القرن التاسع عشر يؤلف الباحث الأمريكي أندرو. د. وايت كتاباً بعنوان: تاريخ الحرب بين العلم واللاهوت في العالم المسيحي، والعنوان وحده يكفي للدلالة على مضمونه، ففيه يصور لنا تلك المعركة المتخلفة التي خاضتها الأصولية المسيحية لكي تمنع بكل الوسائل تفتح الحقيقة العلمية وإنتشارها، ونعلم أن هذه الحقيقة هي وحدها القادرة على دحر الظلمات وإزالة عهد الأوهام، والدليل على ذلك ما فعلوه بـ روجيه بيكون الذي عاش بين عامي 1214 – 1294، أي في عز القرن الثالث عشر، فقد كانت عبقريته التجريبية كافية وحدها لكي تضمن إنتصار العلم والتكنولوجيا قبل بضعة قرون من إنتصارها في العصور الحديثة، وكان سيوفر علينا المرور بعدة قرون أخرى مظلمة، ومن المعلوم أنه إستوحى أعمال العالم العربي الحسن بن الهيثم في مجال البصريات، ولكن محاكم التفتيش الكهنوتية لم تسمح له للأسف بأن يمضي في مهمته إلى نهاياتها، فأوقفوه عند حده ولجموه؛ ثم يقيم الباحث الأمريكي المذكور لائحة طويلة بأسماء العلماء الذين أدانهم بابوات روما ومحاكم التفتيش لمجرد أنهم فكروا بتقدم العلم.
فلنتذكر مقاومة الكنيسة البطيئة والطويلة للوقوف بوجه إدخال أرسطو إلى جامعات القرون الوسطى؛ ولنتذكر أيضا جيوردانو، الذي أُحرق عام 1600 لأنه قال بالمذهب الطبيعيّ وأشار إلى لانهائية الكون؛ على هذا الصراع الطويل للإيمان ضد العقل، يشهد أيضا الحكم على غاليليه، هذا ما سنشاهدة في العنصر التالي.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كلمات سودانية: مشروع من أجل تعزيز الصحافة المحلّية في السودا


.. فراس العشّي: كاتب مهاجر من الجيل المطرود




.. صورة مفجعة لفلسطينية في غزة تفوز بجائزة -أفضل صورة صحافية عا


.. وسط تفاؤل مصري.. هل تبصر هدنة غزة النور؟




.. خطوط رفح -الحمراء- تضع بايدن والديمقراطيين على صفيح ساخن