الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


صابونة واحدة زيادة .

قاسم حسن محاجنة
مترجم ومدرب شخصي ، كاتب وشاعر أحيانا

2016 / 1 / 23
الادب والفن


صابونة واحدة زيادة .
تجمهر اهل القرية الفلسطينية المهجرة ، في الغربة ،حول الزائر الذي جاء من هناك ،والكل مشتاقٌ لسماع أخبار البلاد ..فهذا يسألُ عن بيتهم وهل ما زال قائماً ، وذاك يهتم بالقرى المجاورة، وثالثٌ يستفسر عن الوصول الى القرية المهدمة وهل هو مسموح ، بينما آخرون يسألون عمّن تبقى من الأهل وكيف هي أحوالهم الحياتية والمعيشية ؟ لقد بذل الزائر جهداً كبيرا في الشرح والاستفاضة به، فقد لاحظ ظمأهم المدفوع بالحنين الى مرابع الطفولة ، فغالبيتهم من كبار السن الذين لم يتبقَ لهم في الحياة إلّا الذكريات ..
-هل صحيح بأن العم إبراهيم ،كان يجلس في الطريق الى الجامع ويُقنع الناس بأن لا يُصلوا، مقابل مبلغ مالي يدفعه لهم ؟!
فاجآهُ أحدهم بهذا السؤال .. فالعم ابراهيم غادر هذه الدنيا الفانية قبل سنين كثيرة ، لكنهُ ما زال يُثير اهتمام وحب استطلاع الكثيرين ممن عرفوه أو سمعوا عنه بعض النتف والطُرف .
والعم ابراهيم خدمَ سنوات طويلة ، برتبة ضابط في الجيش العثماني ، وقد سمعه الزائر أكثر من مرة وهو يروي عن تلك الفترة الفظيعة والتي لاحقته أحداثها طيلة حياته .. فقد روى العم ابراهيم عن "معارك" الامبراطورية العثمانية ضد الأرمن ، وكيف شاهد بأم عينيه الجنود يبقرون بطون الحوامل الارمنيات ويستخرجون الأجنة بأسنة الرماح .. يا لها من قصص بشعة صادمة ، بقي جراءها العم ابراهيم فاقداَ لإيمانه بالدين وبرجال الدين الذين أفتوا للجنود ،هكذا فتاوى ..
عاد الضابط ابراهيم الى اهله وقريته ، واختار مهنة التجارة ، تجارة الاقمشة التي يديرها من على ظهر حمار يجوب به القرى المجاورة مناديا على بضاعته .. وهو رجل اختبر الحياة وعركها ، وفي جعبته أحاديث لا تنتهي عن رؤيته للعالم خلال خدمته العسكرية ..
لكن تهجيره كغيره من القرى ،ألقى به في بلدة أخرى ، فسكن بجانب مسجد البلدة ، وفتح دكان مواد غذائية "على قد الحال" في الطريق المؤدي الى المسجد . لكنه ،وليس كغيره من الرجال ، لم يندفع الى المسجد أثناء وقت الصلاة . وكلما سأله أحدهم عن امتناعه عن الصلاة ، كان يصمتُ قليلا ، ثم يلف سيجارة ويشعلها وينفث الدخان ومن ثم يبدأ الحديث ..
-ذات يوم زارني في الدكان أحدهم ، وحين حان موعد الصلاة ،طلب مني هذا الرجل أن اسمح له بتأدية الصلاة في الحانوت .. وهكذا كان ..أخليتُ له مكانا بين رفوف الدكان وابتعدت نحو مدخل الدكان لكي أُتيح له خصوصية للصلاة ... لكن عيني لم تغفل عنه .. وما أن سجد السجدة الاولى ،حتى مد يده نحو الرف المواجه له ، وتناول صابونة ووضعها في جيبه ، وهكذا فعل في الركعة الثانية والثالثة ، أما في الرابعة فقد تناول صابونتين ووضعهما في جيبه .. تمنيت له صلاة مقبولة وسألته عن تفسير لما حدث .. فأنا افهم ان يأخذ صابونة عن كل ركعة ، لكن ما السر في الركعة الأخيرة ؟!
لم يدر الرجل ماذا يفعل ، فغادر الدكان هاربا كمن لسعته أفعى ..!!
-هذه هي قصة العم ابراهيم ، لكن ما شاهده أثناء الخدمة هو الذي ترك في نفسه جرحاً لم يندمل .. قال الزائر لأهل القرية في الشتات ..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - الحرية للعقل و القلب
نضال الربضي ( 2016 / 1 / 24 - 08:50 )
يوما ً طيبا ً أتمناه لك أيها العزيز قاسم،

لا يمكن للعقل البشري أن ينهض إذا لم يتحرَّر من أسر المعتقدات الدينية و ما يرافقها من نمط تفكير و نمط معيشة و كوابح، فإذا تحرر العقل تحرر القلب ُ أيضا ً.

العم ابراهيم أدرك بعنف التجربة بشرية منشأ الأديان و فهم اللعبة جيِّداً. لكن َّ نصف سكان الكوكب لن يتاح لهم تجربة كتجربة العم ابراهيم، و لذلك يبقى الدين عندهم مُصانا ً مُنزَّها ً عن كل ِّ الفظاعات.

سر استمرار الأديان هي الأدلجة منذ الصغر. صدقني لو تُعرض على البشر بعد الثلاثين ليختاروها أو يرفضوها بعد دراسة، و دون تقديم مساعدات مالية، أو تخويف و ترغيب، فسيختارها ربما 5 من كل ِّ مئة .

تُرى هل تعافى العم ابراهيم من الصدمة؟ قلت لنا أن جرحه لم يندمل، لكن إلى أي حدّ؟

دمت بود!


2 - اهلا بالهطلة
قاسم حسن محاجنة ( 2016 / 1 / 24 - 13:30 )
عزيزي الغالي نضال
تحيات وسلامات ، كيف الطقس؟
لا إضافة لي على مقولتك ،لكن إجابة على سؤالك، لا لم يتعاف العم إبراهيم بتاتا
ولكن كان هذا ظاهرا في سلوكه على كافة الصعد ، فهو تحدى كثير من المسلمات الاجتماعية في عصره .
لك مودتي

اخر الافلام

.. صعوبات واجهت الفنان أيمن عبد السلام في تجسيد أدواره


.. الفنان أيمن عبد السلام يتحدث لصباح العربية عن فن الدوبلاج




.. الفنان أيمن عبد السلام يتحدث عن أسباب نجاح شخصية دانيال في ل


.. فيلم ولاد رزق 3 بطولة أحمد عز يقفز لـ 193 مليون جنيه منذ طرح




.. عيد ميلاد خيرى بشارة.. بصمات سينمائية مميزة وقدم عمرو دياب و