الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


صلاة.. قصة قصيرة

بهجت العبيدي البيبة

2016 / 1 / 23
الادب والفن


يبدي خشوعا كبيرا في صلاته، يتضرع إلى الله أن يحقق له امنيته، إنها أمنية العمر، يعيش على أمل تحقيقها، يسعى بكل الوسائل، ويعلم ألا أحدا يستطيع مساعدته في ذلك، يؤمن بقانون المقدمات والنتائج، يستمع إلى الشيوخ الذين يتحدثون بكل قناعة عن قدرة الله الخالق، الذي إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون، لم يعد أمامه سبيل إلا معجزة من معجزات الخالق القادر الذي لا يعجزه شيء.
يترك العمل، ويعتزل الناس، ويهجر الحياة، يلزم المسجد، ينقطع للصلاة، يهزل جسمه، يضعف تركيزه وإدراكه، إنه متوحد فيها، يصلي من أجلها، يبتهل لله أن يفعل شيئا يحول بين زواجها من الشاب الذي تمت بالفعل خطبتها إليه.
تنتابه لحظات شك، يسأل الله بصوت مرتفع: لماذا هذا الظلم الذي يمتلئ به عالمك؟ ألست العادل كما يخبرنا الشيوخ؟ ألست المقسط كما يقول القرآن؟ ألم تخلقنا جميعا؟ لماذا هناك هؤلاء الذين يحصلون على كل شيء، حتى تلك الأماني التي نتمناها يستكثرونها علينا؟ إنهم يستعبدوننا، لا يتركون لنا فرصة واحدة لنشعر بوجودنا.
لماذا تتركنا فريسة لهؤلاء مصاصي الدماء؟ إن مشايخنا يقولون أنك تبتلينا لتخبر إيماننا، وأنت العالم بالنوايا، وأنت الخالق لنا،  والخالق لهذه النفوس المليئة جشعا ومرضا، ينصحنا ساداتنا أن نقنع بالقليل، وأن نرضى بما قسم لنا، وقبل ذلك أن نصبر على تلك المحن التي نبلوها، ﻷ-;-نك ستعلم منها الصابرين من الناقمين، وأنت العالم منذ الأزل، يطالبوننا بالنجاح في الامتحان، ونجدهم أول الراسبين في أسهل اختبار.
تنتابه لحظات إيمان قصوى، فيرى الكون متسقا في كل شيء، فالعصافير تغرد باعثة في النفوس نشوى، والكروان يصدح، والديك في الفجر يصيح، معلنا ميلاد النهار من غسق الليل البهيم، تشرق الشمس باعثة حرارتها مدفئة للجو، مرسلة ضوءها كاشفا جمال الحقول، كل المخلوقات في تناغم ترسم لوحة فنية بديعة من صنع خالق عظيم، أبدع الكون وسبغ نعمه على خلقه، فأصبحوا متحابين متعاونين، فلولا الخالق العظيم، ما مد إنسان يد العون لأخيه الإنسان، ولولا قدرته الخارقة ما نبتت الزروع، ولا نزل المطر، ولا جرت السفن في البحار والمحيطات، ولا تنوعت هذه المخلوقات لتتكامل ليصبح الإنسان في هذا العالم متوجا على عرشه.
يسير في طريقه، ذاهلا عن العالم، يستغرق في تفكيره، باحثا عن وسيلة، إنها سترحل غدا إلى مدينة أخرى بعيدة، يستعد منزلها الواقع على أول الناصية للعرس في يوم غد، تنطلق بين الفينة والأخرى زغاريد نساء الأسرة، مجاملين، يقف طويلا أمام البيت عله يظفر بنظرة، حرمها منها تقاليد المدينة التي تأبى أن تظهر العروس، صبيحة يوم الزفاف، يؤمن أن أمله يتبدد، يأتي سمعه أذان العشاء، يسرع الخطى إلى المسجد، يجد المصلين وقد اصطفوا خلف الإمام الذي يتلو " ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواحا لتسكنوا إليها " ينشرح صدره لصوت الإمام، ويبتهل لله سبحانه وتعالى القادر على كل شيء أن يمنع زواج حبيبته، وأن يبدي قدرته التي لا يحدها حد، في أن يزوجه تلك الحبيبة فهو القادر ولا قادر سواه، يقسم على الله بصلاته وورعه أن يجعل له نصيب في تلك العروس التي حجبها عنه اليوم زفافها غدا، يشعر براحة كبيرة وسكينة عجيبة تسري في نفسه بعدما انتهى من الصلاة خلف الإمام، يهم ليخرج من المسجد مستبشرا وإذا به يتذكر انه لم يكن قد توضأ.  








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أسيل مسعود تبهر العالم بصوتها وتحمل الموسيقى من سوريا إلى إس


.. فنانو الشارع يُحوِّلون العاصمة الإسبانية مدريد إلى رواق للفن




.. كريم السبكى: اشتغلنا على فيلم شقو 3 سنوات


.. رواية باسم خندقجي طلعت قدام عين إسرائيل ولم يعرفوها.. شقيقته




.. كلمة أخيرة - قصة نجاح سيدة مصرية.. شيرين قدرت تخطي صعوبات ال