الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تبقى في رؤية الشاعرة جودة بلغيث :(الحقيقةُ أبعدُ من الأفق) ، لكنها (أقربُ من الحلُم...)

وجدان عبدالعزيز

2016 / 1 / 24
الادب والفن


وانا في قارب وسط العتمة ، كان الرعب آخذا بخناقي ، اتحسس حروف الورقة التي تحمل كلمات ، تتدفق منها انفعالات لذات قلقة رغم انها ذات حلم اخضر وهاديء ، وهناك اسئلة تتكور في البحث عن الذات والشاعرة جودة بلغيث ، حيث تقول :

(يرتمي النّورس في حضن المدى
الشّوق يسأله :
إلى أين .....؟؟؟؟
متى السّكن؟؟؟....متى السّكينة؟؟

هذي أنا
و المرايا وسع السّماء
تبتلع صوتي...
على عتباتها تتشظّى صورتي
أناءااااات
أضيع بينها و بين المرايا
فأين أنا منّي ؟؟ و أين منّي أنا ؟؟)

وهنا حاولت الشاعرة ، باثارة تلك الاسئلة ان تصوغ افكارها من خلال ما يثير مشاعرها الذاتية ، وكما نعلم ليس شرطا أن يعيش الشاعر التجربة بصورة فعلية وإنما ينفعل معها وجدانيا بحيث يمتزج معها بشعوره وإحساسه ، فيعبر عنها بصدق . وقد يلجأ الشعراء للخيال معبرين عن أساهم وألمهم وضيقهم بهذا الواقع ولذلك راحوا يتغنون بماضي الإنسانية الفطرية السعيدة ، وبمظاهر الطبيعة الجميلة ، وهربوا إلى مشاعرهم الدفينة ودخيلة نفوسهم ، ونسجوا في خيالهم عالما آخرا يتصف بالعدل والخير والجمال والمثل العليا . وبالرغم من استغراقهم في ذاتيتهم واهتمامهم بالخيال إلا أنهم لم يهملوا البعد الإنساني فتعاطفوا مع المظلومين وثاروا ضد الظالمين متجاوبين مع آمال الناس وقضاياهم ومثلهم في زمانهم ، وحركوا مجتمعاتهم في سبيل مستقبل أفضل يدعون إليه ؛ ولذلك جاء شعرهم يفيض بإحساسهم الحاد بأنفسهم وذواتهم وبما تنبض به مجتمعاتهم ؛ ولذلك تحس عندهم بخفايا نفوسهم ومكنونات عصورهم .
وكان الإحساس بالألم وأثره العميق هو مظهر من مظاهر الذاتية الفردية التي يتألف منها الوجدان بمشاعره المتناقضة ، ويأخذ مظهرين : التفاؤل والتشاؤم وذلك بحسب الحالة النفسية التي يعيشها الشاعر لحظة الإبداع فهو متفاءل عند شعوره بالقوة والقدرة على مواجهة الأزمات وتحدي الصعاب ، وعندما يكون محبطا يائسا ضعيفا قانطا يصبغ التشاؤم عمله الأدبي ؛ ولذلك كان شعرهم يفيض باللذة والفرح والسرور تارة ويفيض تارة أخرى بالحزن والألم والهم الدافق العميق .وهنا الشاعرة افترضت بياض نوياها بقرينة النورس ، فهي التي تسأل ، وهي التي تحاول الاجابة ، فهل تصل الى الحقيقة .. بينما (الهُوّةُ مسافة عُمْر) في رؤية الشاعرة ، فهل تستطيع اللحاق بسنين العمر ، لتجترح مسافة اخرى ، بلا ادنى شك هي مسافة جمالية ، فـ(مرتبة الجمال ترتفع عند أفلاطون لتصل حدا يعبر فيه الحب الحقيقي هو حب الجمال وان الجمال هو الله وبلوغ إدراك ذلك يصل بالمحب إلى نسيان ذاته , فيندمج مع البحث الهادف إلى إدراك أسرار الكون وتأمل أجزائه والتي تؤدي إلى إدراك جمال الحقيقة الإلهية , فأي شيء جميل فهو مستمد جماله من الله ذاته .) ، لكن (نرى أرسطو في موقفه الجمالي مثاليا واقعيا مخالفا أستاذه أفلاطون في أن الفن إذا كان محاكاة فانه أعظم من الحقيقة لأنه يتمم ما تعجز عنه الطبيعة في إتمامه , فالمحاكاة عنده ليست سلبية بل عليها أن تطور وتبنى فالفنان يقوِّم الطبيعة ويطورها نحو الأفضل وبرأيه فهذه هي اجل مهمات الفن .
كما خالف أستاذه أفلاطون في نظرته للفن على انه نتاج للعواطف الإنسانية في حين نظر إليه أفلاطون - كما أشرنا - أنه إلهام إلهي .
فالعملية الإبداعية عند أرسطو عملية إنسانية مرنة يقودها الفنان ذاته ليكشف عن مكامن الجمال في عامل الحس والواقع.) ، وتستمر الشاعرة جودة ترسم مسارات بحثها ، عما هو روحي تميل له الروح لذاته الجميلة ، كي تحدث معانقة بين ذات الجمال وذاتها كونها شاعرة تبحث عن الملاذات وتجترح سلالم للهروب من خلالها الى مسافات تسمو وتلاحق الجمال اينما ارتفع .. كما في قولها :

(لصدى الرّيح تعزفني الأماني
نشيدا على وتر الشّوق
رجْعُ صدى الأنين يُعرّيني
جرحا علّمَ
وشما أمازيغيا على منبع الحنين
و الآهةُ جبل صقيع

أحجّ إلى كعبة روحك
و أطوف أطوف
من زمزم عينيك أرتوي
دهشةَ اليقين أترجّى
بين الصّفاء و المروى سبعا و سبعا أسعى
سارّة الصّبر أنا ...
حين وليدها بكى ظمأ)

فالاهة عند الشاعرة جبل صقيع ، بدالة دهشة اليقين ، لهذا تحزم امرها للحج الى كعبة روحه .. من هو؟؟ فتستعير آلية الحج عساها ان ترتوي من زمزم عينيه ، افتراضا هو الطهر والجمال والامان والايمان ، بعلامة امازيعية ، أي باستحضار الواقع المتخيل ، وهذا شكل عمقا رؤيويا لدي الشاعرة جودة بلغيث ، فـ(ليس ثمة عمل ابداعي بلا رعشة جمالية ، انها عنصر اساس من جماليات الفنون ، حتى الاكتشافات العلمية تشكل فيها هذه الرعشة انعطافا خطيرا في لحظة الاكتشاف ، لكن الذي ندعو اليه هنا ان يتحلى الانفعال في النص الشعري عن أوليته وسذاجته وقابليته المنفلتة على البوح ، ويتحول بفعل قوة العقل ـ التي يجب ان تسيطر على تيار الانفعال وعلى وفق ضوابطها وقوانينها ـ الى اثر ابداعي ذي بنية معرفية خاصة ممغنطة بالانفعال ومسحورة بطاقة غناء فذة في عمقها وكثافتها) ، كما يقول الاستاذ الدكتور محمد صابر عبيد في كتابه تمظهرات القصيدة الجديدة ص9 ، لتبقى في رؤية الشاعرة (الحقيقةُ أبعدُ من الأفق) ، لكنها (أقربُ من الحلُم...)








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فيلم السرب للسقا يقترب من حصد 28 مليون جنيه بعد أسبوعين عرض


.. الفنانة مشيرة إسماعيل: شكرا للشركة المتحدة على الحفاوة بعادل




.. كل يوم - رمز للثقافة المصرية ومؤثر في كل بيت عربي.. خالد أبو


.. كل يوم - الفنانة إلهام شاهين : مفيش نجم في تاريخ مصر حقق هذا




.. كل يوم - الفنانة إلهام شاهين : أول مشهد في حياتي الفنية كان