الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


البطالة والفقر وأحلام تنظيم سوق العمل في البحرين

عبدالرحمن النعيمي

2005 / 11 / 11
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في الخليج والجزيرة العربية


خلال السنوات القليلة الماضية، طرحت القوى السياسية والحركة العمالية في البحرين مسألة العمالة الأجنبية والعاطلين المحليين عن العمل وضرورة ايجاد حلول جذرية لهذه المسألة التي شكلت باستمرار القشة التي تقصم ظهر البعير وتسبب الانتفاضات والتحركات الجماهيرية التي سرعان ما تتحول إلى أزمة سياسية واسعة. وبالرغم من اقتناع الجميع (الحكومة والمعارضة والتجار وغيرهم) بوجود أزمة حادة في سوق العمل تتجلى في الاعداد الكبيرة من العاطلين المحليين من جهة، والتدفق المتزايد للعمالة الأجنبية من مختلف الاتجاهات من جهة ثانية بحيث خلقت أزمة بطالة حادة ومتزايدة وسط هؤلاء الأجانب أيضاً، وبالرغم من ان الحكم سعى إلى التخفيف من هذه الأزمة بعد الانفراج السياسي (عام 2001) بضخ خمسة وعشرين مليون دينار لتوزيع بعضها على العاطلين وتكثيف برامج التدريب، لكن الجزء الأكبر من هذه المبالغ قد وجدت طريقها إلى المتنفذين الذين يبتلعون كل الاموال المخصصة للشأن العام، بالرغم من كل ذلك، فإن الحديث يتجدد ويتصاعد هذه الأيام مع مناقشة البرلمان لمشروع تحرير سوق العمل، وتسويق وزير العمل لمشروعه حول التوظيف والذي اضفى عليه مسمى (الوطني).



فإن الجديد في الأمر أن الملف الاقتصادي باكمله قد تم تسليمه إلى ولي العهد، والى مجلس التنمية الاقتصادية التي اعتمدت على (تقرير مكينزي) في تقديم الحلول الشاملة للمثلث المترابط: سوق العمل وتحرير الاقتصاد ومخرجات التعليم والتدريب. وهو مؤشر واضح إلى اتهام القصر الملكي للحكومة بفشلها عن حل اعقد قضية واجهتها البلاد منذ الستينيات من القرن المنصرم، وظلت مصدر الانتفاضات والتجاذب الحاد بين قوى المعارضة السياسية والمجتمعية والحكم، ولا تزال تسبب مصدر قلق أمني واجتماعي في البلاد.



فإن الحلول التي قدمها مجلس التنمية لم تكن بعيدة عن التجاذبات السياسية والاقتصادية، وليست بعيدة عن الصراع بين أقطاب النظام أنفسهم، حيث بات واضحاً عملية الشد والجذب والاستقطاب بين الملك وولي العهد من جهة ورئيس الوزراء من جهة ثانية. وبالرغم من اهمية الحوارات الدائرة في البحرين في مسألة تنظيم سوق العمل، وتحرير الاقتصاد، فإن عدم تحرر قوى المجتمع من الخوف من العقلية الامنية التي سادت في المرحلة السابقة، وسعى السلطة إلى استقطاب الكثير من الفعاليات السياسية والاقتصادية، تجعل كل حركة احتجاجية أو معارضة للمشروع تفسر لصالح هذا الفريق أو ذاك، بما في ذلك الموقف من تحرير سوق العمل الذي طرحه مجلس التنمية الاقتصادية.



وحيث لا يستطيع النظام الامساك بالحلقة المركزية المولدة للكثير من الصراعات في المجتمع، ويسعى للالتفاف عليها بخلق سواتر بشرية تخفي حقيقة الشخوص الاساسيين واللاعبين الحقيقيين في الاقتصاد والسياسة، وعدم الجرأة على مواجهة القوى المعرقلة للاصلاحات الحقيقية، ناهيك عن الشفافية المفقودة في الكثير من المجالات الاساسية المولدة للثروة، فان الاستثناءات تجد طريقها المستمر إلى الحياة العامة بحيث نكتشف بعد فترة ان كثرة من الثقوب قد تسببت في افراغ أي مشروع اصلاحي من الداخل، سواء كان اقتصادياً أو تعليمياً أو سياسياً أو غيرها.



ويبدو واضحاً ان المشكلة الكامنة في البطالة تصب بالاتجاه الاكثر خطورة وهي الفقر وعدم قدرة الكثير من المواطنين على مواجهة اعباء المعيشة المتزايدة وسط ارتفاع أسعار النفط وبالتالي ارتفاع أسعار السلع المستوردة من الخارج، ورغبة التجار في الاستفادة من هذه الوضعية برفع أسعار جميع البضائع، خاصة الاستهلاكية. وفي الوقت نفسه، وحيث وقعت الحكومة اتفاقية التجارة الحرة مع الولايات المتحدة الأمريكية، بما تضمنته من رفع الحماية عن عدد من الصناعات (الملابس الجاهزة بالدرجة الاساسية)، مما سبب في اغلاق كثرة من هذه المصانع وتسريح عمالها، في الوقت الذي تدفقت مكاتب الاستثمار الأمريكية وغيرها لتفتش عن موقع لها بقدرة تنافسية لا يمكن مجاراتها. وحيث فتحت الحكومة الابواب واسعة للاستثمار العقاري لجميع الاشقاء الخليجيين، فقد ارتفعت أسعار الاراضي والمناطق المطمورة إلى أسعار خرافية لم يعد ممكناً للمواطن المتوسط الدخل ان يحلم بامكانية الحصول على بيت أو قطعة سكنية في المدى المنظور، في الوقت الذي توزع الحكومة وكبار المسؤولين حبات الاسبرين التطمينية والوعود الجميلة بحل هذه المشكلة خلال الفترة القريبة القادمة، وهي اقوال يمكن رصدها منذ ان حلت الحكومة المجلس الوطني عام 1975.



وبالرغم من ارتفاع أسعار النفط وجميع المواد الاستهلاكية، ومستوى المعيشة في البحرين، فإن الأجور تعاني من ركود يفسره عدم رغبة القائمين على المال العام بتنظيم عملية توزيعه بحيث يسهم في التخفيف من الأزمة، حيث لا تزال الوزارات المعنية تناقش النسبة أو المبالغ التي تجب زيادتها إلى الرواتب في القطاع الحكومي في الوقت الذي تركت حرية التصرف للقطاع الخاص.



في سياق المساهمة في حل مشكلة البطالة (وليس الفقر) ضخ الحكم مبلغ ثلاثين مليون دينار للتدريب تحت مسمى (البرنامج الوطني للتدريب) وهو برنامج يذكرنا بمشروع عشرة آلاف متدرب الذي طرحته الحكومة في الثمانينيات من القرن المنصرم، ليكتشف الجميع اننا لم نبلغ نصف هذا العدد بعد انقضاء الفترة المحددة له.



تدني الأجور واستقرارها سنوات طويلة سواء في القطاع الحكومى أو القطاع الخاص، وسط المتغيرات الكبيرة في الاقتصاد، يسهم في جذب المزيد من الفئات الشعبية، متوسطة الدخل، إلى قاع المجتمع وبالتالي اتساع قاعدته الاجتماعية، أي اتساع القاعدة الفقيرة في البلاد، في الوقت الذي تزداد الهوة بين من يملكون الثروة ومن يملكون قوة عملهم فقط.



مرة أخرى يكمن الحل في تقوية مؤسسات المجتمع المدني، الاحزاب السياسية والنقابات العمالية، لتكون قوة ضغط حقيقية لصالح الطبقات الشعبية في مواجهة القوى المتحكمة في الثروة والسلطة، إضافة إلى ضرورة تصحيح المسار الدستوري، بالحوار الجدي بين الحكم والقوى السياسية، بحيث ينهض المجتمع بأسره لمواجهة التحديات الكبيرة الموجودة حالياً، والتي ستتزايد إذا اعتمد الجميع سياسة (الحركة هي كل شيء) دون أفق استراتيجي.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إسرائيل - حماس: أبرز نقاط الخلاف التي تحول دون التوصل لاتفاق


.. فرنسا: لا هواتف قبل سن الـ11 ولا أجهزة ذكية قبل الـ13.. ما ر




.. مقترح فرنسي لإيجاد تسوية بين إسرائيل ولبنان لتهدئة التوتر


.. بلينكن اقترح على إسرائيل «حلولاً أفضل» لتجنب هجوم رفح.. ما ا




.. تصاعد مخاوف سكان قطاع غزة من عملية اجتياح رفح قبل أي هدنة